إحياء الذكرى 64 لانتفاضتي 16و17 غشت 1953 بوجدة وبتافوغالت بإقليم بركان

تحـل يومه الخميس الذكرى 64 لانتفاضـــــة 17 غشت 1953 بتافوغالت بإقليم بركان، وهي امتداد لانتفاضة مماثلة عرفتها مدينة وجدة في 16 غشت من نفس السنة. وهما الحدثان التاريخيان اللذان يجسدان تعبئة الحركة الوطنية وعزمها على مواجهة المخطط الاستعماري الذي استهدف الملك الشرعي، بطل التحرير والاستقلال والمقاوم الأول المغفور له محمد الخامس.
واحتفـــــــــاء بهاتين المحطتين التاريخيتين، واعتزازا بمكانتهما وقيمتهما الرمزية وحمولتهما الوطنية والقيمية والأخلاقية الوازنة نظمت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير مهرجانا خطابيا أمس الأربعاء بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بمدينة وجدة، ومهرجانا مماثلا بمدينة بركان، ألقيت خلالهما كلمات وشهادات استحضرت مضامين وأبعاد هاتين الانتفاضتين، وأبرزت تأثيراتهما على مسار الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية.
وتم توشيح صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بمدينة وجدة، وتكريم ثلة منهم بكل من مدينة وجدة وبركان، بالإضافة إلى توزيع مساعدات اجتماعية وإعانات مالية وإسعافات على عدد من المستحقين للدعم المادي والاجتماعي من عائلات وأرامل المتوفين منهم.

محطتان بارزتان في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال

فــي غمــرة الاحتفـــــاء بالذكرى 64 لملحمة ثورة الملك والشعب المجيدة، يخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير يوم الأربعاء 16 غشت 2017 الذكرى 64 لانتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، وانتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت بإقليم بركان.
إنهما محطتان بارزتان في مسيرة الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وحدثان بارزان ومتميزان سيظلان موشومين في الذاكرة المغربية، يجسدان الدور الريادي والطلائعي الذي اضطلع به جلالة المغفور له محمد الخامس، الذي رفض الخضوع لإرادة الإقامة العامة للحماية الفرنسية الرامية إلى النيل من السيادة الوطنية وتأبيد النفوذ الاستعماري على بلادنا.
فانتفاضة 16 غشت 1953 التي قادتها صفوة من الوطنيين من أبناء الجهة الشرقية الذين كانوا من السباقين إلى نشر الفكر الوطني واستنبات الحركة الوطنية، مكنت هذه الربوع من ولوج التاريخ من بابه الواسع، بالنظر لما أسداه أبناؤها من خدمات وتضحيات جسام. فكانت بحق قلعة من قلاع المغرب الصامدة في وجه قوات الاحتلال الأجنبي التي كانت تسعى إلى إحكام نفوذها وسيطرتها على البلاد.
لقد تصدى المغاربة وأبناء المناطق الشرقية لحملة العثمانيين التي استهدفت غزو الجناح الغربي من الوطن العربي، وتمكن المرابطون على الحدود من مواجهتهم وردهم على أعقابهم. وفي هذا السياق، نورد مقتطفا مما خص به المغفور له الحسن الثاني مدينة وجدة حيث قال: “… ومنذ ذلك الحين، وتاريخ وجدة في كل سنة أو في كل حقبة كان مقرونا بالصراع الذي كنا نعرفه مدا وجزرا لغزو المغرب من هؤلاء وأولئك …”.
لقد كانت مدينة وجدة في قلب الصراع القائم بين المتربصين بحرية الوطن، وبينهم وبين المكافحين من أجل استرداد حريته وعزته وكرامته، وفي طليعتهم المغفور له محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح والمنفى المغفور له الحسن الثاني، ولا غرو أن الملابسات التاريخية التي أفـرزت حدث انتفاضـة 16 غشت 1953 بوجدة، والأسباب المباشرة المؤدية إلى اندلاعها، تكمن بالأساس في اشتداد الأزمة بين القصر الملكي وسلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية، حيث اشتد الخناق والتضييق على المغفـور له محمد الخامس لإرغامه على فك الارتباط والابتعاد عن الحركة الوطنية والكف عن التواصل والتفاعل معها، بل والتنكر لها وإدانتها. غير أن الموقف الشهم والجريء الذي عبر عنه بطل التحرير والاستقلال سيؤدي بسلطات الاحتلال الأجنبي إلى التفكير في نفيه ومعه ولي عهده آنذاك، جلالة المغفور له الحسن الثاني وأفراد العائلة الملكية الشريفة.
لقد بادرت الحركة الوطنية والمقاومة بوجدة إلى الإعداد الدقيق والمحكم لانطلاق وإنجاح هذه الانتفاضة المباركة حيث تم اختيار يوم 16 غشت 1953، باعتباره يوم أحد ويوم عطلة للقيام بعدة عمليات فدائية، نذكر منها مناوشة الجيش الاستعماري بسيدي يحيى، وتخريب قضبان السكة الحديدية، وإحراق العربات والقاطرات، وإشعال النار في مخزون الوقود، وتحطيم أجهزة محطة توليد الكهرباء، ومداهمة الجنود في مراكزهم، ولا سيما بمركز القيادة العسكرية بسيدي زيان للاستيلاء على ما كان مخزونا به من عتاد حربي. كما شهدت مختلف مراكز المدينة مظاهرات انطلقت على الساعة السادسة مساء، وهي المظاهـرات التي واجهتهـا القوات الاستعمارية بوابل من الرصاص، قدر بنحو 20.000 رصاصة سقط على إثرها العديد من الشهداء وجرح العديد من المواطنين. وفي ليلة 18 غشت 1953، توفي مختنقا في إحدى زنازن الشرطة الاستعمارية، 14 وطنيا بسبب الاكتظاظ الذي نجم عن اعتقال المئات من الوطنيين. وامتدادا لهذه الانتفاضة، شهدت المناطق المجاورة لوجدة انتفاضات مماثلة، حيث عرفت مدينة بركان وتافوغالت مظاهرات حاشدة، وتم اعتقال العديد من المتظاهرين من بني يزناسن، ونقلهم إلى السجن الفلاحي العادر بإقليم الجديدة.
لم تكن انتفاضة 16 غشت 1953 انتفاضة عفوية وتلقائية، بل كانت منظمة ومؤطرة، انتفاضة شاركت في انطلاقها أوسع فئات وشرائح المجتمع الوجدي من عمال وفلاحين وتجار وصناع وحرفيين صغار ومتوسطين وموظفين، وشملت مختلف الأعمار والشرائح، بحيث تسلح الجميع بالإيمان وبعدالة القضية الوطنية مزودين بوسائل وأدوات مواجهة بسيطة وتقليدية وهم يهللون ويكبرون: “الله أكبر”، “الله أكبر”، فكانت هذه الانتفاضة عارمة لم تكد تتسع لها كل أرجاء مدينة وجدة المناضلة.
ولن نجد تعبيرا بليغا عن هذه الانتفاضة، ولا تحليلا عميقا لها، ولا فهما يسبر أغوارها، أحسن وأوفى من الذي خص به المغفور له الحسن الثاني انتفاضة ثورة 16 غشت 1953 بوجدة حيث قال: “… وكانت وجدة في آخر المطاف يوم 16 غشت 1953 أول مدينة أعطت انطلاقة ثورة الملك والشعب، ذلك الشعب المغربي بكامله الذي كان يحس بأن المأساة قد اقتربت، وأن الصراع قد وصل إلى أقصاه، وأن المسالة سوف تنتهي، ولا بد أن تنتهي إما بنفي الملك أو بتراجع فرنسا…”.
إن انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة وما تلاها من أحداث بركان وبني يزناسن والمناطق المجاورة، أبانت عن مدى التلاحم والترابط القائم بين القمة والقاعدة والذي تجلى في موقف المغفور له الحسن الثاني وهو آنذاك ولي للعهد الذي كان عقلا مدبرا لهذه الانتفاضة المباركة، مما حدا بسلطات الاحتلال إلى محاكمة جلالته غيابيا. وفي هذا الصدد، يقول:”… وصار ما صار، وأراد الله أن يكون اسمي شخصيا مقرونا بتلك الأحداث التي جرت في وجدة، الشيء الذي جعلني أحال غيابيا على المحكمة العسكرية ونحن في المنفى…”.
لقد شكلت انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، وانتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت بإقليم بركان، منعطفا حاسما في مسار الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال، وميزت الأدوار الطلائعية للجهة الشرقية في ملحمة الحرية والاستقلال بما قدمه أبناؤها من تضحيات جسام، من أجل الحرية والاستقلال، وافتدت العرش والوطن.
وإن مناسبة تخليد هاتين الذكريتين العظيمتين اليوم توحي بواجب التعبئة واليقظة في الدفاع عن قضيتنا الوطنية الأولى، قضية الوحدة الترابية وتثبيت المكاسب الوطنية.
وفـي هذا السيـاق، نستشهد بما ورد في الخطاب السامي لجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 18 لعيد العرش المجيد حيث يقول: ” … فقضية الصحراء المغربية لا نقاش فيها، وتظل في صدارة الأسبقيات.
إلا أن ما نعمل على تحقيقه اليوم، في جميع جهات المغرب، هو مسيرتك الجديدة. مسيرة التنمية البشرية والاجتماعية والمساواة والعدالة الاجتماعية، التي تهم جميع المغاربة، إذ لا يمكن أن نقوم بمسيرة في منطقة من المناطق دون أخرى.
ولكننا، والحمد لله، نتوفر على إرادة قوية وصادقة، وعلى رؤية واضحة وبعيدة المدى. إننا نعرف من نحن، وإلى أين نسير .
والمغرب والحمد لله استطاع عبر تاريخه العريق تجاوز مختلف الصعاب بفضل التلاحم القوي بين العرش والشعب.
وها نحن اليوم، نقطع معا، خطوات متقدمة في مختلف المجالات، ونتطلع بثقة وعزم، إلى تحقيق المزيد من المكاسب والإنجازات”.
وإن أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير وهي تخلد ذكرى انتفاضة 16 غشت 1953 بوجدة، وذكرى انتفاضة 17 غشت 1953 بتافوغالت بإقليم بركان، لتتوخى إبراز المسارات التاريخية للحركة النضالية والتحريرية الحافلة بالكفاح الوطني، والتعريف برصيد الذاكرة التاريخية الوطنية، والائتمان عليها لتنوير الناشئة والأجيال الجديدة بما تزخر به من قيم وعظات ومعاني ودلالات تشهد على عظمة تاريخ الكفاح الوطني من أجل الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية والوحدة الترابية، وبناء وإعلاء صروح الوطن القوي والشامخ.

Related posts

Top