السياسي والأديب والصحافي والمفكر.. عبد الكريم غلاب في ذمة الله

شكلت وفاة الأديب المغربي عبد الكريم غلاب يوم الأحد الماضي خسارة فادحة، بالنظر لموقعه البارز على عدة أصعدة؛ فقد كان الراحل زعيما سياسيا وقياديا في حزب الاستقلال، أبلى البلاء الحسن في الدفاع عن الهوية المغربية والاستماتة في نشر وترسيخ قيم السلم والعدالة الاجتماعية.
كما كان الراحل فاعلا أساسيا في مجال الإعلام والصحافة، سواء من خلال إدارته الحكيمة لجريدة العلم لسان حزب الاستقلال، أو من خلال المقالات الصحفية التي دأب على نشرها في الجريدة آنفة الذكر، ولا شك أن الكثيرين يتذكرون بكثير من التقدير مقاله الأسبوعي القار بالصفحة الأخيرة تحت عنوان: “حديث الأربعاء” الذي كان يتطرق فيه لمواضيع ذات طابع ثقافي، فكري على وجه الخصوص.
كما أن الكثير من قراء العلم لا يزالون يتذكرون عموده اليومي بالصفحة الأولى، تحت عنوان “مع الشعب”، والذي كان في الغالب يتسم بطابعه النقدي الساخر، ونقد المظاهر السلبية للمجتمع وللسياسة العامة للبلاد.
فضلا عن ذلك، كان الراحل فاعلا جمعويا نشيطا، حيث يعد من مؤسسي اتحاد كتاب المغرب، وقد سبق له أن ترأس مكتبه المركزي لعدة دورات، وانتخب أمينا عاما للنقابة الوطنية للصحافة المغربية عند إنشائها سنة 1961 وأعيد انتخابه في كل المؤتمرات إلى سنة 1983، كما شغل مناصب قيادية في حزب الاستقلال منها عضويته باللجنة التنفيذية للحزب وبمجلس الرئاسة..
وطبعا لا يمكن إغفال حضوره الكبير في مجال الكتابة الروائية والقصصية والفكرية كذلك.
وقد أحرزت مجموعة من أعماله الروائية على جوائز قيمة، من قبيل جائزة المغرب للكتاب، وهي أرفع جائزة مغربية، ومن بين رواياته المتوجة: “دفنا الماضي”، و”المعلم علي”، و”شروخ في المرايا”..
وطبعا له أعمال أخرى لا تقل أهمية، سواء من حيث المواضيع التي تطرقها أو من حيث طريقة الكتابة التي كانت تتسم بالرصانة وتعكس حس المسؤولية الذي يتحلى به هذا الأديب الكبير.
كان الراحل يحمل هموم المجتمع الذي نشأ فيه، وحرص على نقل هذه الهموم في أعماله الإبداعية. كان أمينا وصادقا وهو يؤرخ لمراحل مختلفة من تاريخ المغرب المعاصر، وبذلك يمكن اعتباره شاهدا على العصر.
لم يكن عبد الكريم غلاب يكتب إلا ما يستحق فعلا الكتابة عنه، وهذا درس بليغ، على الأجيال الجديدة أن تستفيد منه، خصوصا وأننا بتنا شهودا على إنتاجات سواء في الإبداع أو الفكر، تفتقر إلى النضج وحس المسؤولية.
مر المرحوم من تجربة السجن خلال مقاومة الاستعمار الفرنسي، وقد جسد هذه التجربة باقتدار في روايته “سبعة أبواب”.
كما حرص على توثيق سيرته الذاتية في عمليه الإبداعيين “سفر التكوين” و”الشيخوخة الظالمة”، إيمانا بأن التجربة الحياتية التي عاشها تستحق أن تروى، لتستفيد من عبرها الأجيال القادمة.
للفقيد إسهام في مجالات إبداعية أخرى، نذكر منها على وجه الخصوص، كتابة السيناريو، فهو صاحب سيناريو الشريط السينمائي المغربي الطويل “شمس الربيع” الذي شخص دور البطولة فيه الممثل السينمائي الراحل حميدو بنمسعود، هذا الشريط الذي يعد بحق وثيقة هامة حول المجتمع المغربي وهو في بدايات التحول، سيما وأنه تم تصويره في أواخر الستينات من القرن الماضي، مثلما أن هذا العمل يعد بحد ذاته من بين الأشرطة التأسيسية للسينما المغربية.
هكذا يتجلى أن صاحب “دفنا الماضي”، كان له حضور فاعل في مجالات متعددة: سياسية وثقافية وحقوقية وإبداعية وفكرية وغير ذلك، وهو ما دفع البعض إلى اعتباره بمثابة “رجال في رجل واحد”.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه…
إنا لله وإنا إليه راجعون.

 بقلم: عبد العالي بركات

Related posts

Top