العالم يستقبل سنة 2016 على إيقاع التحذيرات من تفاقم ظاهرة التغير المناخي

بعد أيام من بارقة الأمل والارتياح التي منحها اتفاق باريس حول التغير المناخي، يستقبل العالم سنة  2016على إيقاع القلق والتوجس مع تحذيرات بأن هذا العام قد يكون الأسوأ فيما يتعلق بالتأثيرات الكارثية لظاهرة التغير المناخي.  
فقد حذرت الأمم المتحدة من أن الأعاصير الشديدة التي تشهدها الولايات المتحدة وتساقط الثلوج غير الطبيعي في المكسيك والفيضانات العاتية في أمريكا الجنوبية وبريطانيا، توجب على الحكومات اتخاذ مزيد من الإجراءات الوقائية لتقليل حدة الخسائر البشرية والاقتصادية.
ورأت رئيسة مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث مارجريتا والستروم أن هناك حاجة ضرورية لاتخاذ إجراءات وقائية لحماية المواطنين من آثار الكوارث.
ولفتت إلى أن من بين تلك الإجراءات ترقية أنظمة التحذير المبكر للتعامل مع التقلبات المناخية الجديدة وتعديل قواعد البناء لضمان إنشاء بنية تحتية واستثمار مزيد من الأموال في الدفاعات ضد الفيضانات.
وقالت والستروم: «ليس لدينا وقت لنهدره، فالكوارث المرتبطة بحالة المناخ مستمرة في التزايد وهو ما يضر بملايين الناس».
من جانبها، حذرت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» من حدوث تغيرات مناخية كبيرة عام 2016 بسبب ظاهرة «النينيو» التي ربما تكون «الأسوأ منذ عام 1997»، حسبما أوردته وسائل إعلام الأسبوع الماضي.
وقالت الوكالة الأمريكية في بيان لها إنها حصلت على صورة بالأقمار الصناعية تحمل تشابها كبيرا بين وقوع ظاهرة النينيو حاليا وتلك التي وقعت عام 1997 والتي تسببت في موجة واسعة من الجفاف والحرائق في إندونيسيا وأستراليا ومصرع عشرات الآلاف وتأثر التنوع البحري الحيوي بشكل كبير.
وأضاف البيان أن الصورة التي تم التقاطها في 27 ديسمبر الماضي والتي تقيس سطح المياه توضح أن أسوأ موجات الجفاف والفيضانات لا تزال آتية وهو ما يعتبر مؤشرا مقلقا لوكالات الإغاثة الإنسانية.
وتتوقع ناسا أن الولايات المتحدة ستشهد الجزء الأكبر من آثار ظاهرة النينيو عام 2016.
وتأتي هذه التحذيرات بعدما لقي عشرات الأشخاص مصرعهم جراء العواصف التي ضربت عدة ولايات أمريكية. كما شهدت عدة دول في أمريكا الجنوبية فيضانات عاتية صنفت على أنها الأسوأ منذ أكثر من 10 سنوات أجبرت ما يزيد على 170 ألف شخص على النزوح عن منازلهم في كل من باراغواي والأرجنتين والبرازيل وأوروغواي.
وفي المكسيك تساقطت كميات كبيرة من الثلوج غطت 32 بلدة وتراكمت الثلوج بارتفاع وصل لنحو 30 سنتيمترا فوق الطرق في بعض المناطق ووصلت درجات الحرارة إلى (سالب 18) درجة مئوية.
وفي بريطانيا تعرضت عدة مدن كبرى في الشمال لفيضانات عارمة وارتفع منسوب المياه في الشوارع والطرق لارتفاعات قياسية تسببت في نزوح الآلاف عن منازلهم وخسائر اقتصادية قدرت قيمتها بأكثر من 1.5 مليار جنيه استرليني في وضع وصفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بأنه غير مسبوق.
وتعود تلك التغيرات المناخية جميعا إلى ظاهرة «إل نينو» وهي ظاهرة تتسم بارتفاع درجة حرارة المحيط الهادئ وتؤدي أيضا إلى زيادة معدلات الجفاف في أجزاء مختلفة من الأمريكتين.
أسوأ موجة جفاف في أثيوبيا

وذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية أن موجة الجفاف التي تعانى منها أثيوبيا، ينتظر أن تعرف تفاقما خلال السنة الجارية. وتعاني البلاد من موجة جفاف تعد الأسوأ منذ 50 عاما، ويرجع ذلك إلى ظاهرة «النينو» المناخية، ما يعيد إلى الأذهان مجاعات عام 1984.
وأكد مدير مؤسسة «إنقاذ أطفال أديس أبابا»، جون جرهام، أن 5.57 مليون طفل سيتأثرون بهذه الموجة حيث من المتوقع أن يعاني ما يقرب من 400 ألف من سوء التغذية خلال عام 2016، كما تنبأ مكتب منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أن حوالى 15 مليون شخص سيحتاجون إلى مساعدات ضرورية خلال 2016.
ويحتاج 8.2 مليون إثيوبي إلى مساعدات غذائية ضرورية منذ ما يقرب من شهرين وتواصل هذه الأعداد في الارتفاع حتى إنها ستصل على الأرجح إلى 10 ملايين شخص خلال العام الجاري، حسبما أفادت الحكومة الإثيوبية، أي ما يعادل 10% من إجمالي السكان.
وطالبت المؤسسة غير الحكومية «إنقاذ أطفال أديس أبابا» المجتمع الدولي بالتحرك قبل فوات الأوان وأخذ هذه التحذيرات بعين الاعتبار، والاستعداد لمواجهة أزمة غذائية وشيكة. وقال الأمين العام للجنة الحكومية للوقاية والتأهب للكوارث، ميتيكو كاسا: إن «الأزمة الغذائية في إثيوبيا يجب أن تندرج على قائمة أولويات المجتمع الدولي».
الأمن الغذائي

وكانت منظمة الفاو قد أصدرت منذ أسابيع تقريرا يؤكد ما تثيره ظاهرة النينيو المناخية من مخاوف بشأن تأثيرها على الأمن الغذائي في العالم، وخاصة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا. وتأثر الحصاد الإقليمي بأفريقيا الموسم الماضي بشدة جراء ظروف الجفاف ما يثير مخاوف بشأن انخفاض معدل الإنتاج مرة أخرى من المحاصيل الرئيسية من الحبوب مثل الذرة.
وتابعت «انخفض انتاج الذرة عام 2015 والذي يمثل 80% من إجمالي إنتاج الحبوب بنسبة 27% بسبب سوء الأحوال الجوية».
وأجبرت الأمطار الغزيرة في يناير من العام الماضي في جنوب شرقي أفريقيا البلاد إعلان نحو نصف أراضيها كمنطقة كوارث حيث دمرت الفيضانات المحاصيل وقتلت أكثر من 100 شخصا وشردت 340 ألفا، ما أدى إلى انخفاض محصول الذرة بنسبة 28%، ويتوقع الخبراء أن تسبب ندرة الغذاء أزمة للاجئين حيث أصبحت أجزاء واسعة من الأراضي غير الصالحة للسكن ما دفع الناس إلى الهجرة الجماعية.

خطة عمل مناخية لأفريقيا

واعتبر البنك الدولي، في تقرير مماثل أصدره على هامش قمة باريس الأخيرة، أن تغير المناخ وتقلباته يؤثران تأثيرا كبيرا في أجندة التنمية في أفريقيا جنوب الصحراء، مما دفع إلى وضع خطة جديدة للبنك الدولي تتبنى إجراءات لزيادة مواجهة آثار تغير المناخ وتعزيز التنمية منخفضة الانبعاثات الكربونية، وذلك في محاولة لتحقيق أهداف الحفاظ على النمو الحالي وحمايته في المستقبل والحد من الفقر.
وتهدِف الخطة الجديدة الصادرة بعنوان «تسريع وتيرة التنمية منخفضة الانبعاثات الكربونية والقادرة على مواجهة آثار تغير المناخ: خطة عمل مناخية لأفريقيا» إلى إيلاء اهتمام لتعبئة الموارد وتسريع وتيرته من أجل المبادرات ذات الأولوية لتحقيق نمو منخفض الانبعاثات الكربونية يراعي تغيرات المناخ في المنطقة. وتنوه الخطة في الوقت نفسه إلى أن المناخ هو سبب معظم الأزمات المالية التي تبقي الأسر الأفريقية في براثن الفقر أو تهوي بها في وهدته.
وفي هذا الصدد، يقول بينوا بوسكيه المدير المتخصص بمجموعة الممارسات العالمية للبيئة والموارد الطبيعية في البنك الدولي «إن تداعيات تغير المناخ على أفريقيا مدمرة وتُنذر بسقوط ملايين من الناس في براثن الفقر المدقع بحلول عام 2030، وذلك ناجم إلى حد كبير عن انخفاض غلة المحاصيل وارتفاع أسعار الغذاء والآثار السلبية على الصحة. وفي ضوء فجوة التمويل الضخمة والحاجة إلى التحرك العاجل».
ويقول تقرير البنك الدولي إن العوامل المتصلة بالمناخ ستزيد من الصعوبات التي تواجهها البلدان الأفريقية لمعالجة الفقر المدقع في المستقبل وذلك بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض الذي سيفضي إلى فقدان الأراضي الزراعية، وهبوط إنتاج المحاصيل، وتفاقم مستويات نقص التغذية، وزيادة مخاطر القحط والجفاف، وانخفاض المحاصيل السمكية.
ويشير أيضا إلى كل ما يتصل بتفاقم الظاهرة من عواقب وخيمة على المنطقة تتمثَّل في موجات حر شديد، وزيادة مخاطر حدوث نوبات جفاف حاد، واحتمال تأثر زهاء 18 مليون شخص بالفيضانات كل عام.
كما يفيد التقرير أن هناك قدرا كبيرا من الغموض بشأن التأثير الذي سيتركه ارتفاع درجات الحرارة على أنماط الطقس المحلية والدورات المائية، وهو ما ينذر بتحديات هائلة لوضع خطط التنمية، وتصميم المشروعات المتصلة بإدارة الموارد المائية مثل الري والطاقة الكهرومائية، ومرافق بنية تحتية أكثر مراعاة لظروف المناخ بوجه عام مثل الطرق والجسور.

Related posts

Top