الكاتب المغربي فؤاد العروي.. ساخرا

 ينوع الكاتب المغربي فؤاد العروي في كتاباته؛ فإلى جانب كونه روائيا وقصاصا أصيلا وباحثا أكاديميا، نجده حريصا على تخصيص حيز من وقته لكتابة نصوص ذات طابع نقدي، نقد المجتمع ومشاكل الهجرة والعادات والعلائق الإنسانية بوجه عام.
 هذا الكاتب المقيم بالمهجر، وتحديدا بهولاندا، الذي اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن آرائه وما يختلج في وجدانه والذي حظيت إنتاجاته الأدبية بالتتويج في محافل دولية، على سبيل الذكر: «القضية الغريبة لسروال الداسوكين» الفائزة بجائزة الغونكور للقصة القصيرة.. ظل محافظا على روحه الخفيفة حتى وهو يكتب نصوصا ذات طابع جدي، كما أنه لم يضح بالبعد الجمالي والإبداعي لهذه النصوص، رغم منحاها التقريري.

  • الحلقة 12
  •  فان جوخ ممنوع على المغاربة

 متحف فان جوخ بأمستردام يعد بلا شك من أهم المتاحف في أوروبا.
 يضم مجموعة لا مثيل لها من أعمال المسكين فانسون – يا لها من حياة- لكن لا نجد ذلك فقط: هناك كذلك لوحات لغوغان، تولوز لوتريك، ماني، فوييار، بونار، إلى آخره.
 هناك كذلك صور يابانية – كان فان جوخ قد جمعها- رسوم ديغاس وهكذا دواليك.
 باختصار، كما يقول ميشلان: شيء يستحق أن نسافر من أجله.
 جواد -هذا هو إسمه- لم يكن بحاجة إلى السفر لاكتشاف المتحف، يقطن في أمستردام. إنه إنسان شاب، خارج لتوه من المراهقة، قرر أن يزور هذا الفضاء الثقافي الراقي الذي سمع الناس يتحدثون عنه منذ أن كان طفلا. في ذلك اليوم، التحق بالصف الطويل لهواة الفن الذين كانوا يقرعون الأرض في انتظار التمكن من الدخول. غير أنه سرعان ما اقترب منه أحد الحراس وسأله عما يفعله هناك.
   هذه القصة -الواقعية تماما- انتشرت في كل الاتجاهات.
 لو كان جواد يملك هدوء ديلاي لاما، كان يمكن أن يرسل ابتسامة رقيقة إلى الحارس وهو يجيبه بهدوء بأنه أتى لأنه معجب بلوحات فان جوخ.
 لو كان ناضجا أو يرتدي لباسا جلديا سميكا لمن هو متعود على قساوة العالم، لكان قد رد عليه باختصار بأنه يقف في الصف مثل الجميع لشراء تذكرة مثل الجميع.   لو كان جواد يملك هذا الحس من السخرية الذي لا نحصل عليه إلا بعد استنتاج من خلال العديد من الأمثلة أن العالم غير معقول وأن الجنس البشري أقل شأنا من القطط، كان سيجيب:
-أقوم بالصف لشراء الورد، لقد قيل لي إن لديكم زهور عباد الشمس جميلة.
مع الأسف، جواد مجرد شاب حساس، غير مهيأ لمنح هذا النوع من الهدايا.
 راح يصرخ في الحال:
-ماذا أفعل هنا؟ لماذا لا توجه مثل هذا السؤال إليه: (مشيرا إلى رجل هولاندي كبير وأشقر) إليهما: (زوجان يابانيان في حالة ذهول)، إليهن: ( ثلاث أمريكيات يقظات)، إلى آخره. هل لأنني أحمل رأسا مغربيا أيها العنصري الأجلف؟
 أمسك الحارس هاتفه واتصل برئيسه (سيدة) التي أتت مهرولة وحاولت أن تعقل جواد وهي تشرح له أن الحراس يقومون من وقت إلى آخر، بإجراء محادثة مع الناس الذين يقفون في الصف عندما لا يبدو عليهم المظهر المألوف للزوار.
 على إثر ذلك تضاعف حنق جواد:
ـ إذا فهمت جيدا، أن العدد النادر من المغاربة الذين يرتادون متحف فان جوخ، يجعل كل الزوار المغاربة مشبوهين؟
 وطفق الحارس ورئيسته وكافة الحاضرين يحتجون: هذه فوضى. الزوجان اليابانيان هربا، الأمريكيات أمسكن بعضهن ببعض، بيروفيون التقطوا صورة بصحبة الإرهابي.
الشرطة حضرت وأبعدت جواد الذي قاومهم: وضع شكاية في الحين ضد المتحف.
 الجمعيات المناهضة للميز العنصري اهتمت بالموضوع الذي عرض على المحاكم. حتى تكونوا على علم بذلك.
 الآن، ماذا عسانا نفعل، أنتم وأنا، حتى لا تتكرر مثل هذه الوقائع؟
 بالتأكيد، لا أحد منا مسؤول عما وقع لجواد، الخطأ هو من جانب الحارس غير اللبق أو أولئك الذين لم يحسنوا تربيته، لكن هذا ليس مبرر لكي لا نحاول تغيير الأحكام المسبقة لهذا الطرف أو ذاك.
 ماذا بمقدورنا فعله؟
 حسنا، لنكتسح المتاحف، لننطلق لزيارة المعارض في كل الأماكن، لنمدح الفنان التشكيلي فارمير بالعامية، لننقد بوفي وفاسارلي (تلك الأمجاد المزيفة) بنبرة سيدي بنور، لنشجع فنانينا الذين يلبسون الجلابة ويجمعون بين الأحمر والأخضر، إلى آخره.
يحب أن نرى المغاربة غالبا في المتحف أكثر مما نرى الإيرلنديين في الإشهار.
 وإذا لم نتمكن من تغيير العقليات، نكون على الأقل قد ثقفنا أنفسنا بشكل سريع وعلى أحسن وجه.    

 ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top