بيان اليوم تحاور الكاتب والمخرج المسرحي رشيد أمجور

قال الكاتب والمخرج المسرحي رشيد أمجور إن المسرح عرف فعلا بعض التراجع من ناحية المضامين وذلك بالمقارنة بين فترات السبعينيات والثمانينات بالمرحلة الحالية، مشيرا في حوار أجرته معه “بيان اليوم” إلى أن المسرح لم يعد يناقش المواضيع الجدية كما أن عنصر التثقيف لم يعد حاضرا بقوة.
الأستاذ السابق بالمعهد العالي للفنون المسرحية والتنشيط الثقافي، ورغم اللوم الذي وجهه في الحوار لقلة الدعم الموجة للمسرح وضعف المضامين إلا أنه أكد أن هناك تطورا من حيث الموارد البشرية ومن حيث المحترفين والفنانين، معتبرا أن المسرح بفضل هؤلاء الأشخاص الذين يعول عليهم سيستمر رغم الإكراهات والعوائق، داعيا إلى ضرورة تكاثف الجهود والاهتمام بالبحث العلمي من أجل تطوير المسرح بالمغرب، خصوصا من حيث الانفتاح على الفنون الرقمية وعالم الإنترنيت من تكييف المسرح مع تطورات العصر الحالي. وفيما يلي نص الحوار:

< تحدث لنا عن بداياتك وكيف التحقت بعالم الفن المسرحي؟
> مسيرتي الفنية انطلقت بمدينة تطوان، وبالضبط خلال متابعتي الدراسة الثانوية نهاية 70 القرن الماضي، حيث كنا ننشط في جمعيات مهتمة بالفن المسرحي والثقافة بدار الشباب بالمدينة. بعدها ومع بداية الثمانينات التحقت بالكلية وهناك أسسنا جمعية الإحياء الثقافي التي تهتم بالمسرح والثقافة والفنون ثم بعدها بسنوات جمعية الأقواس المسرحية والتي اشتغلنا فيها على الكثير من العروض بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ظهر المهراز بفاس، وكما هو معلوم فجامعة ظهر المهراز بفاس كانت آنذاك محركا قويا للثقافة والنضال على المستوى الوطني، وهذه التجربة ساهمت بكثير في صقل شخصيتنا. بعد ذلك توجهت لباريس لاستكمال دراستي الجامعية، وبالضبط سنة 1987 بالدراسات المعمقة في المسرح بمعهد الدراسات المسرحية بجامعة السوربون 3. ومباشرة بعد تخرجنا من هناك. عدت إلى المغرب واشتغلت كأستاذ بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي.

< نتوقف عند هذا المعطى، كيف جاء التحاقك بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي؟
بعد أن أنهيت دراستي بداية التسعينات كنت قد عدت إلى المغرب وصادفت حينها مباراة للتوظيف بوزارة الثقافة بقسم المسرح، فقمت بالتقدم لها، موازاة مع ذلك اتصل بي مولاي أحمد بدري الذي كان أول مدير للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي والذي كان بالمناسبة معهدا حديث النشأة، فحين اتصل بي مولاي أحمد بدري اقترح علي أن أدرس بالمعهد، إذ كانت الحاجة ماسة آنذاك لأساتذة لهم تكوين أكاديمي، وأخبرني أنه أرسل لي طلبا إلى فرنسا، وهنا تغير المسار والتحقت فعلا بالتدريس إلى جانب فئة قليلة من الأساتذة منهم المرحوم جمال الدين الدخيسي، عبد الإله بوعود وآخرون كنا نشتغل في ظروف صعبة عكس المتوفرة اليوم، وكنا نناضل إلى جانب الطلبة بكل ما أوتينا سواء بتأطيرهم في الورشات أو بالنصح أو خلال الحصص الدراسية، لأننا كنا واعين بضرورة النهوض بالمعهد والنهوض بالفن المسرحي بشكل عام، وأعتقد أن تجربتنا نجحت وتمكنا من ضمان استمرارية المعهد بشكل قوي.

< ماذا عن تغييرك للمسار من التجسيد والأداء إلى التأطير الأكاديمي، ألم يقلقك الأمر في البداية؟
هو ليس تحو ولا تغيير في المسار، هو اختيار من أجل التوازن، وهذه مسألة طبيعة، انطلقنا من الفرقة ونحن صغار ثم الجمعية ثم البحث الأكاديمي، وحتى نكون صرحاء لم يكن بمقدور أحدنا العيش بالمسرح بدون دعم، وكانت هناك إشكالات كبيرة تواجه المسرح، إذ يجب أن تكون مقربا من الإدارة من أجل أن تتمكن من الحصول على دعم لأعمالك المسرحية، هذا من جهة، من جهة أخرى، رأيت أن التكوين الأكاديمي له آفاق أخرى خصوصا وأنه كان معهدا حديث النشأة وهذا شرف أن نكون من الأساتذة الأوائل بالمعهد، وكانت تجربة ناجحة بكل المقاييس، كما أنه كان من الصعب أن تشتغل مباشرة بعد التخرج، وبالنسبة لي كان أمرا رائعا أن ألتحق للاشتغال في هذه المؤسسة الحديثة مع ثلة من الزملاء الأساتذة ومن دواعي السرور أيضا أننا أنجحنا التجربة. وهنا لا بد أن نلاحظ أننا لم نبتعد عن الأداء، ففي الفصل حين أدرس مادة التشخيص فأنا مباشرة ألعب دور المخرج، وحين أدرس مادة الارتجال فأنا أؤدي دور الممثل على خشبة المسرح والتأليف في مادة الإلقاء، وهكذا فالتكوين يجعلك مرتبط أساسا بالمجال التطبيقي.

< باعتبارك أكاديميا ومؤلفا ومخرجا مسرحيا كيف تنظر إلى الفرق في المجال بين ثمانينات القرن الماضي والمرحلة الحالية؟
الفرق يتجلى فقط من حيث المضامين ومن حيث المحتوى، فالمسرح خلال فترة السبعينيات وفترة الثمانينات كان أكثر جدية من الوقت الراهن، حاليا هناك نقص عنصري الإخبار والتثقيف والمواضيع الجادة، لكن على مستوى المؤطرين والمحترفين هناك تقدم كبير، وهذا نتاج للمعهد العالي للتنشيط الثقافي والابداع الفني الذي أخرج كفاءات عديدة في المسرح والتلفزيون والسينما والتنشيط. أيضا هناك فرق على مستوى الجمعيات والفرق المسرحية فاليوم نشهد توسع المسرح والفرق المسرحية على مجموع جهات المملكة، والمطلوب مرحليا هو الدعم، أي تقديم الدعامات الأساسية للأعمال المسرحية لجميع الفرق بشكل متساو على الجهات وذلك من أجل النهوض بالعرض المسرحي بالمغرب.

< بالحديث عن العرض المسرحي، هناك العديد من الانتقادات توجه للمسرح اليوم، وهناك حديث عن خفوت أب الفنون، بنظرك هل هذا صحيح؟
هذا صحيح، هناك تراجع بسبب عدم دعم الدولة والخواص للجانب المسرحي، وهنا فقد المسرح رسائله القوية ومضامينه كما أن المسرح اليوم فقد الإنتاج، فمثلا لا نشاهد حلقة أو برنامجا شهريا أو نصف شهري خاص بالمسرح، فالمسرح ابتعد عن جمهوره، ولم يحافظ على موقعه كفن راقي. وبالمقارنة مع باقي أشكال الفرجة، نجد أن “الحلقة” على سبيل المثال لا زالت تحتفظ بجمهورها وقادرة على جمع الجمهور لأنها لا زالت تقدم منتوجا لمتتبعيها ولازالت منتجة. وكما قلت سابقا يجب اليوم تقديم الدعم للمسرح من أجل النهوض به وإعادته إلى مكانه الطبيعي.

< تحدثت عن دعم الدولة، وقلت إنه ضعيف، في حين أن الدولة تؤكد أنها تدعم المسرح بقوة، بنظرك كيف يجب توجيه هذا الدعم؟
بالفعل الدولة اليوم تشتغل بقوة وهي بصدد إحداث مسارح بجل المدن المغربية، بالإضافة إلى التليفزيون، لكنني تحدثت عن دعم الأعمال، يجب وضع قوانين للقطاع الخاص من أجل حثه على دعم الثقافة بالمغرب، والدولة اليوم ليس لها سياسة ثقافية واضحة فالدعم الموجه للفرق المسرحية ضعيف ولا يسمح بالإنتاج بشكل كبير، إذن يجب خلق تنمية ثقافية خصوصا وأن المغرب يراهن على تطوير مجتمعه.

< كيف تتعامل الدولة اليوم مع المسرح بالمقارنة مع فترات السبعينيات والثمانينات؟
في فترات السبعينيات والثمانينات كان المغرب يتميز بتجربة مسرح الهواة، وهي التجربة الوحيدة التي نجحت عالميا بالإضافة إلى التجربة البلجيكية، إلا أن الدولة كانت خائفة من المسرح، فحاصرته في مهرجان الشباب والرياضة. وخلال بداية الدعوة نحو الاحتراف ودعم هذه التجربة، انتقل كثيرون من الهواة إلى الاحتراف، وهذا كان خطأ كبيرا بنظري، لأن المسرح الهاوي سيختفي، فكان من الأفضل لو أن الهواة استمروا في نفس المنوال بالموازاة مع المسرح الاحترافي وذلك من أجل استمرارية الأول، لأن مسرح الهواة كان يملأ دور الشباب ودور الثقافة وكان منتشرا بقوة في معظم المدن والمناطق بالمغرب، والمسرح الهاوي لا يقل في شيء عن المسرح الاحترافي، إذ كان الهدف هو تطوير العمل الفني والعمل التنشيطي من أجل المساهمة في التنمية الاجتماعية والثقافية بشكل عام.

< بناء على ما سبق وذكرته، ما تصورك لاستمرارية المسرح مستقبلا بالمغرب؟
المسرح بالمغرب سيستمر رغم كل شيء لأن هناك ناس يعول عليهم، ليس فقط على مستوى الممارسة وإنما أيضا من ناحية البحث العلمي، فهذا الجانب لا يجب إغفاله بل العكس يجب الاهتمام به سواء بالمعاهد أو الكليات والجامعات أو المراكز وعلى سبيل المثال هنا في طنجة يوجد المركز الدولي لدراسة الفرجة الذي يترأسه الصديق خالد أمين حيث يعمل على نشر أبحاث في مجلة خاصة بالإضافة إلى نشر كتب عن الفرجة يؤلفها المركز، أيضا هناك جمعية طنجة أبواب افريقيا الخاصة بمسرح الدوما، الفرجة الممكنة وفرجة الحلقة، حيث تقدم الجمعيات العديد من الأعمال على مستوى جهة طنجة وعلى المستوى الوطني أيضا، وتشغل هذه الجمعية حاليا على الإرث المسرحي الذي خلفه الطيب الصديقي، وهذا بنظري يساهم في خلق جمهور للمسرح ويساهم في استمراريته. إلى ذلك السوق اليوم مفتوحة على التلفزيون، لذا يجب تطوير المحتوى وتدعيمه من أجل عرضه وإيصاله إلى الفئات العريضة من الجمهور، وختاما، لتطوير المسرح يجب على المغرب أن ينفتح على الفنون الرقمية وهذا مجال جد مهم ويساير التطورات التي عرفها العصر. وأعتقد أن الجميع مطالب اليوم بالعمل من أجل تطوير المسرح وضمان استمراريته بقوة.

 حاوره: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top