تظاهرات جديدة في فرنسا في خضم أزمة سياسية وإغلاق مصافي التكرير يلوح في الأفق

واصل معارضو إصلاح نظام التقاعد في فرنسا التعبير عن غضبهم في مسيرات جديدة، وسط سعي إلى إغلاق مصافي تكرير، بعد يومين على تمرير الحكومة مشروع إصلاح نظام التقاعد الذي طلبه الرئيس إيمانويل ماكرون.
ودفع الخوف من حصول أعمال شغب، الشرطة إلى حظر كل التجمعات في ساحة الكونكورد في باريس.
بعد ليلتين تخللتهما اضطرابات، حظرت الشرطة تجمعات المحتجين في ساحة الكونكورد وفي جادة الشانزليزيه في باريس. وتقع هذه المنطقة قرب مقر الجمعية الوطنية وقصر الإليزيه الرئاسي.
وأكدت الشرطة لوكالة فرانس برس أنها “ستطرد بشكل منهجي الأشخاص الذين سيحاولون التجمع هناك” وقد يتم تغريمهم، لافتة إلى “وجود مخاطر كبيرة لناحية الإخلال بالنظام والأمن العام”.
وأظهر استطلاع نشرته صحيفة “لو جورنال دو ديمانش”، تراجع شعبية إيمانويل ماكرون بشكل كبير في مارس إلى 28%، وهي الأدنى منذ نهاية أزمة “السترات الصفراء” عام 2019. وبحسب هذه الدراسة التي شملت 1928 شخصا بين 9 و16 مارس، فإن 70% من المستطلعين غير راضين عن أداء ماكرون.
وقررت الحكومة الخميس تمرير مشروع إصلاح نظام التقاعد الذي طلبه الرئيس ماكرون، استنادا إلى المادة 49.3 من الدستور التي تسمح بتبن ي نص من دون التصويت عليه في الجمعية الوطنية، ما لم يؤد اقتراح بحجب الثقة إلى إطاحة الحكومة.
وعليه، ات خذت المعارضة منحى أكثر تطر فا بدفع من ناشطين شباب سئموا التجمعات الأسبوعية، ويبدو أنهم مستعدون للمواجهة.
تجمع آلاف المتظاهرين مساء الجمعة في ساحة الكونكورد في باريس للاحتجاج مثل اليوم السابق. وأشعل متظاهرون النار وشهدت الأجواء توترا حين تدخلت الشرطة مع حلول الليل، وفق ا لمراسلي وكالة فرانس برس.
ورمى مئات المتظاهرين زجاجات ومفرقعات على عناصر الشرطة الذين ردوا بإطلاق الغاز المسيل للدموع محاولين إخلاء المكان، مع هطول المطر.
وتجمع حوالى 10 آلاف متظاهر مساء الخميس.
ويبرز شبه إجماع على اعتبار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور نكسة بالنسبة إلى ماكرون الذي ر ه ن رصيده السياسي في سبيل هذا الإصلاح جاعلا منه أبرز مشاريع ولايته الرئاسية الثانية.
وقد م نواب اقتراحين لحجب الثقة عن الحكومة، في حين دعت النقابات العمالية إلى تظاهرات يومي السبت والأحد، وإلى يوم تاسع من الإضرابات والتظاهرات الخميس 23 آذار/مارس، احتجاجا على الإصلاح الذي ينص البند الرئيسي فيه على رفع سن التقاعد القانونية من 62 إلى 64 عاما.
وأعلنت الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي) أن أكبر مصفاة في البلد، والتي تقع في النورماندي (شمال غرب) وتديرها شركة “توال إنرجي”، بدأت بالتوقف عن العمل.
ويشكل ذلك خطوة مهمة، إذ عطل المضربون منذ بداية الحركة الاحتجاجية شحنات الوقود، لكن لم يتوقف أي من المصافي الفرنسية السبع عن العمل بالكامل.
وهذه العملية معقدة من الناحية الفنية وستستغرق أي اما عد ة، لكن لا ي توق ع أن تسب ب نقصا فوريا في الوقود في المحطات الفرنسية، لكنها قد تتوس ع وتشمل مصافي فرنسية أخرى.
وقد ت غلق مصفاتان على الأقل هما بترو إينيوس في لافيرا (جنوب شرق) و”توتال إنرجي” في غونفروفيل- لورشيه (شمال غرب)، في موعد أقصاه يومه الاثنين، وفقا للكونفدرالية العامة للعمل.
ولفت وزير الصناعة الفرنسي رولان ليسكور السبت إلى أن الحكومة قد تتخذ إجراءات في حال إغلاق هذه المنشآت، لتجنب نقص الوقود.

وفي بوزانسون (شرق)، أشعل 300 متظاهر النار السبت وأحرق بعضهم بطاقاتهم الانتخابية.

وقالت ناتالي البالغة ثلاثين عاما والتي لم ترغب بكشف كامل اسمها “بماذا أرد على شباب يقولون لي إن الانتخابات لا تفيد بشيء. أنا انتخبت نائبا عني وم نع من التصويت. نحن في ذروة إنكار الديموقراطية”.
ويبرز شبه إجماع على اعتبار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور لتبنّي مشروع القانون من دون تصويت في الجمعية الوطنية، نكسة بالنسبة إلى ماكرون، الذي رَهَن رصيده السياسي في سبيل هذا الإصلاح جاعلا منه أبرز مشاريع ولايته الرئاسية الثانية.

وبعد إجراء الحكومة لتبني الإصلاح بالقوة، سيسعى المعارضون إلى دفع السلطة التنفيذية إلى أزمة سياسية.

ومن المرجّح أن تقدم ثلاث تشكيلات مذكرات بحجب الثقة قبل انتهاء المهلة في منتصف بعد الظهر، هي “التجمّع الوطني” اليميني المتطرف وائتلاف الأحزاب اليسارية “نوبيس” ومجموعة وسطية صغيرة منشقّة.

وسيتمّ التصويت عليها بعد 48 ساعة على الأقل، وعلى الأرجح الإثنين. ومن أجل إسقاط الحكومة، ينبغي أن تجمع غالبية مطلقة من النواب. ويبدو ذلك صعب التحقيق، في ظل الغالبية النسبية التي يملكها الائتلاف الحكومي، بينما أكد حزب “الجمهوريين” اليميني الذي يلعب دوراً محورياً، أنه لن يصوّت لصالح أي منها. ولكن بعض نواب “الجمهوريين” المتمرّدين قد يخرجون عن خط الإجماع الرسمي على مستوى حزبهم.

وقال النائب عن “الجمهوريين” أوريليان برادييه لقناة “بي اف ام تي في”، “نواجه مشكلة ديموقراطية لأنّ هذا النص الذي سيغيّر حياة الفرنسيين، سيتمّ تبنّيه من دون أن يجري أدنى تصويت في الجمعية الوطنية”. وأضاف “على الكل أن يقدّر خطورة الوضع وخطر القطيعة الديموقراطيةيالذي تواجهه بلادنا”.

بدورها، ستسعى النقابات إلى بثّ روح جديدة في التظاهرات والإضرابات التي تؤثر على حياة الفرنسيين منذ منتصف يناير، والتي بدأ زخمها يتراجع.

ودعت النقابات إلى تجمّعات الجمعة وخلال نهاية الأسبوع، إضافة إلى يوم تاسع من الإضرابات والتظاهرات الخميس في 23 مارس.

وندّدت بتمرير مشروع القانون بـ”القوة”، مشيرة إلى “المسؤولية التي تتحمّلها السلطة التنفيذية في الأزمة الاجتماعية والسياسية الناجمة عن هذا القرار، وهو إنكار حقيقي للديمقراطية”.

في هذه الأثناء، قامت قوّات إنفاذ القانون مساء الخميس بتفريق متظاهرين في ساحة الكونكورد حيث تجمّع آلاف المحتجّين. وتم اعتقال 310 أشخاص الخميس بينهم 258 في باريس وحدها، وفق ما أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان مساء لشبكة إر تي إل.

كما وقعت حوادث في مدن كبرى أخرى مثل رين ونانت وأميان وليل وغرونوبل. وفي مارسيليا (جنوب)، حطّم شبّان ملثّمون واجهة أحد المصارف ولوحة إعلانية، بينما أضرم آخرون النار في حاويات قمامة هاتفين “تسقط الدولة والشرطة وأرباب العمل”.

وقالت كارين مانتوفاني وهي متظاهرة في غرونوبل “كنت أقول لنفسي إنهم سيحترمون الديمقراطية قليلاً. من الواضح أنّني ساذجة للغاية لذلك فوجئت، كنت أعتقد أنهم لن يجرؤوا على استخدام المادة 49.3”. وأضافت “الكل يتذمّر ولكن بدون أن يحصل تحرك”، مبدية “غضبها”.

من جهتها، دعت أورور بيرجي رئيسة كتلة “النهضة” (الحزب الرئاسي) في الجمعية الوطنية الخميس، وزير الداخلية إلى “تعبئة أجهزة الدولة… لحماية نواب” الأغلبية.

تتبادل الحكومة والمعارضة الاتهامات بشأن دفع البلاد إلى العنف. واتهم جوليان بايو النائب عن حزب الخضر الذي ينتمي إلى ائتلاف الأحزاب اليسارية (نوبيس)، الحكومة الخميس بأنّها “مستعد لإثارة الخراب في البلاد”.

من جهتها، أعربت بورن عن “صدمتها الكبيرة” حيال سلوك بعض نواب المعارضة. وحذّرت من أنهم “يريدون الفوضى في الجمعية الوطنية وفي الشارع”.

تسبّبت الإضرابات المستمرّة منذ عدّة أيام في قطاعات الطاقة والموانئ وجمع النفايات في إحداث اضطرابات، فيما قد تحدث المزيد من الاضطرابات الجمعة.

وفي باريس حيث تغطّي أطنان النفايات عدداً من الشوارع، ستقوم السلطات باستدعاء موظفين لإزالة القمامة.

وفقاً لإليزابيت بورن، فإن قرار اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور اتخذ “جماعياً” بين الحكومة ورئيس الدولة. غير أنّه يُنظر إليه على نطاق واسع على أنّه انتكاسة لماكرون بعد عدّة أسابيع من المحادثات مع الأحزاب السياسية والنقابات.

واعتبرت صحيفة “لوموند” أن تمرير المشروع بالقوة “كاشفٌ لعزلة إيمانويل ماكرون”. وقالت صحيفة “ليبراسيون” اليسارية إنّ “بقية فترة ولايته التي تمتد لخمس سنوات ستواجه عقبات بصورة دائمة”. من جهته، تحدث الأمين العام لـ”الكونفدرالية الفرنسية الديمقراطية للعمل” لوران برجيه عن “غرق”.

وحتّى أنّ مسؤولاً في المجموعة الرئاسية في الجمعية الوطنية اعتبر أنّ “هذا تحطّم”. وأضاف مشترطاً عدم الكشف عن هويته “يجب حلّ” الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكر.

Related posts

Top