رواية عجيبة

 عندما نكون في سن العشرين بمصر إبان ناصر الذي مارس حكما شموليا، لا ينصح بربط علاقة حب. وإلا سيكون من الواجب إغماض العينين عن الانحرافات المناهضة للديمقراطية ونسيان بكل وعي قيم العدالة والكرامة.
 لكن سارد هذه القصة هو طالب يعتقد أن الشعب يستحق إعطاءه الاعتبار ومعاملته معاملة حسنة، إنه يؤمن حتى بالثورة والمساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، متناولا في نفس السياق”ديكتاتورية البروليتاريا”.
ناديا هي اكتشاف، لمعة ضوء في الليل والضجيج اللذين يعتمد عليهما ناصر لقيادة مصر نحو مستقبل يعتقده مشرقا، في حين أنه كان يهاجم المعارضين وإرسالهم لإعادة النظر في نسخهم بسجون الصحراء.
الحب، اكتشاف الإحساس القوي والجميل، بروز هوية مدونة في الصراع الطبقي والنضالي، تجعل علاقة كان يمكن أن تكون طبيعية، بمثابة امتحان موسوم بالغياب والانتظار. إذن، تكتب إلى عاشقها المرمي مع آخرين في معسكر الفيوم. تكتب رسائل طويلة ولا تدري إن كان حارس المعسكر سيوصلها إلى مقاصدها بعد ممارسة الرقابة عليها.
إنها رواية الانتظار، امرأة شابة تنتظر الرجل الذي تحبه. تنظر إلى السماء، تسأل الغيوم وتكتب. كيف تصير المشاعر حين يتم إخضاعها إلى الامتحان القاسي للانتظار، عندما يتم تجاهلها من طرف النظام العسكري والسياسي؟ السارد يحكي عن أيامه ولياليه مع رفاقه الآخرين في هذا المعسكر بدون أن تقدم له أدنى شروح. المعاملة السيئة، العقاب التحكمي، الإذلال والعنف، هي يوميات السجناء الذين كان خطأهم الوحيد هو التفكير والأمل في حياة كريمة للشعب المصري.
الاعتقال، ليس فقط حرمان من الحرية، إنه كذلك تدمير علاقة. ليس من حقنا أن نحب عندما تتحكم السلطة في حياتك ووقتك. حتى الزمن الداخلي، والتفكير الحميمي يتم محاربتهما من طرف حراس لا يعادل غباءهم سوى وحشيتهم.
 السارد يصمد. يكتشف مصائر أخرى، أصدقاء آخرين، ربما حتى مهووس بالكذب أو خائن، ولا يتخلى عن أي شيء مما يشكل ركيزة شخصيته، الكرامة. روح متمردة، يقف في مواجهة ليس فقط الآلهة التي لا تبالي بمصيره، ولكن أيضا قسوة سلطة عسكرية انخدعت في الخصم. ووقفت بعناد أمام أبناء الشعب، هؤلاء الذين ينشدون بلدا مصريا حرا ومعاصرا حيث يتم الاعتراف بالفرد، وحيث القيم الإنسانية والتقدم تكون محترمة.
رواية الحب هاته هي كذلك نشيد للحرية. الديكتاتوريون لا يحبون الملائكة، الأزهار وموزار. لا يروقه على الإطلاق أن يفكر المرء بنفسه ويعبر عن أفكاره بقوة. الديكتاتوريون لا يعرفون أي شيء عن المزايا الجميلة للحياة اليومية، يجهلون الكماليات، أهم ما يجعل الحياة تظل محافظة على غموضها وجمال عيشها. إنه مجرد قطيع في العالم العربي. يا لبؤس العالم العربي الذي لا يستأهل كل هذه القسوة والوحشية في الحكم. لكن الشعب لا يخرس أبدا، لا ينكمش أبدا. آجلا أو عاجلا، سيسمع صوته، سواء في ميدان التحرير، أو في الشوارع. القمع لم يحدث قط أن نجح في إخراس شعب ما يحارب باسم العدالة.
 منذ ذلك الوقت، ونادية تنتظر. هل سيأتي ذات صباح ويدق على بابها لكي يحملها بعد ذلك بعيدا جدا عن هذا الجحيم؟ في الوقت الحالي، هي تقاوم، لا تخفض بصرها، تنظر بهدوء وعزم في العينين القلقين للقائد الصغير الذي يخشاه المعسكر بكامله. هو، يقف ولا يستمع أبدا إلى صوت الضابط الذي يستفسره. إنه في مكان آخر، التحق بمهمته الخارجية، شجرته. نادية هي هناك وخلفها، مصر حية، سعيدة، جميلة وخصبة.
إنها رواية عن الأمل الجميل والعنيد. جديرة بأن تقرأ في انتظار أن تستعيد مصر فؤادها وجسدها الذي تم ترميمه إلى الأبد. 

بقلم: الطاهر بنجلون

ترجمة: عبد العالي بركات 

الوسوم ,

Related posts

Top