مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية يطلق تقرير “التنمية المستدامة في مناخ عربي متغير”

انعقد بالجامعة الأميركية، في بيروت من 10 إلى 11 نوفمبر الجاري، المؤتمر السنوي التاسع للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد). وكما دأب على ذلك مع كل مؤتمر، أطلق المنتدى تقريرا جديدا ضمن سلسلة تقارير “البيئة العربية” الوازنة، تحت عنوان “التنمية المستدامة في مناخ عربي متغير”، وهو التقرير الذي أكد على ضرورة التحول إلى اقتصاد أخضر من أجل تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في المنطقة العربية بحلول سنة 2030.  
وأشار التقرير إلى أن هناك أكثر من 10 بلدان عربية من أصل 22 هي إما تحت الاحتلال وإما تعاني من حروب أو نزاعات، فيما عشرات ملايين الأشخاص هم لاجئون أو نازحون داخليا، ويفتقر كثيرون إلى الحاجات والحقوق الأساسية. وحتى لو توقفت جميع النزاعات والحروب فورا، فلن تستطيع المنطقة العربية الوفاء بموعد تحقيق هذه الأهداف باستخدام الطرق التقليدية. لذلك أوصى التقرير بمقاربة بديلة قائمة على دمج مبادئ التنمية المستدامة في مبادرات إحلال السلام وفض النزاعات وفي جهود إعادة الإعمار المرتقبة.
وأبرز نجيب صعب أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية “أفد” أهمية صدور التقرير مع انعقاد قمة المناخ في مراكش، موضحا أن “أفد” يسعى من خلاله إلى “رسم خريطة طريق لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية، في ظل الحروب والنزاعات والأوضاع الاقتصادية الحرجة، وضرورات الالتزام باتفاقية باريس المناخية”.
وأفاد رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري، خلال الجلسة الافتتاحية، أن دور الجامعة هو العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. مضيفا أن “هذه الجامعة، طوال وجودها، كانت في طليعة الجهود الرامية إلى القضاء على الفقر والجوع لضمان صحة أفضل وتعزيز المساواة بين الجنسين وحماية البيئة وحتى تعزيز السلام العالمي عبر تأسيس الأمم المتحدة في العام 1945”. ذلك أن تعزيز روح المبادرة هو مجال تركز عليه الجامعة، وخصوصا الشركات الناشئة التي تلبي احتياجات التنمية المستدامة.
وقال خوري  أن قيادة الابتكار في التعليم المستدام في الدول العربية هو التحدي الذي يجب  رفعه. و”إننا ننظر إلى هذا المؤتمر كخطوة كبيرة إلى الأمام نحو تحقيق هذا الهدف”.
ومن جهته تناول رئيس مجلس أمناء “أفد” الدكتور عدنان بدران التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، من حروب وأزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، ستكون لها تداعيات كبرى على مدى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وأشار إلى تركيز تقرير “أفد” على ضرورة دمج تنفيذ هذه الأهداف في الجهود المرتقبة لإعادة الإعمار. كما دعا إلى إعطاء الأولوية للمثلث العربي الأخضر المتمثل في أمن المياه وأمن الطاقة وأمن الغذاء.
وقدم أمين عام منتدى “أفد” نجيب صعب تقرير أعمال “أفد” لسنة 2016. فأكد على  الدور الذي يلعبه المنتدى العربي للبيئة والتنمية في بناء السياسات والبرامج الضرورية لتحقيق تنمية مستدامة في العالم العربي استنادا إلى العلم والتوعية.   
وأشار إلى اعتماد مبادرات “أفد”، المتعلقة بالاقتصاد الأخضر وتنويع مصادر الدخل وإصلاح دعم أسعار الطاقة والمياه وبرامج الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة وتخفيف الهدر في الغذاء، في خطط التنمية الوطنية في كثير من البلدان العربية.
ولفت صعب إلى “تزامن مؤتمر “أفد” مع الاجتماعات التحضيرية لقمة المناخ في مراكش، التي تبحث في سبل تنفيذ اتفاقية باريس التي لعب “أفد” دورا أساسيا في التمهيد لها على مستوى المنطقة العربية”.
نتائج تقرير “أفد”
واستعرض الدكتور ابراهيم عبد الجليل المؤلف المشارك للتقرير، في جلسة أدارها الدكتور عبد الكريم صادق المحرر المشارك للتقرير وكبير المستشارين الاقتصاديين لدى الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، النتائج الرئيسية لتقرير “أفد” حول التحديات التي يواجهها تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول العربية والفرص التي يخلقها.
وخلص التقرير إلى مجموعة من الرسائل، المصممة لجهات لها دور أساسي في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية. أول هذه الرسائل وجوب وقف التعامل مع البلدان العربية كقطعة واحدة متراصة، إذ لكل بلد حاجات وأولويات وسياقات اقتصادية وسياسية واجتماعية مميزة يجب الاعتراف بها عند تطوير خطط تنفيذية. ثانيا، مواجهة مجموعة من التحديات الرئيسية المشتركة، في طليعتها تأمين مشاركة فعالة من القطاعات غير الحكومية، وخلق فرص عمل وبناء قدرات مؤسسية وأخرى تتعلق بالسياسات العامة. ثالثا، حشد موارد مالية كافية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، عن طريق الشراكات بين صناديق التمويل الوطنية والإقليمية والدولية وتوفير الظروف الملائمة لاستثمارات القطاع الخاص. رابعاً، تبنّي مقاربة واقعية للتنمية المستدامة تكون عابرة للقطاعات، ما يستلزم دمج اعتبارات تغير المناخ في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، خصوصا على أساس العلاقة التلازمية بين المياه والطاقة والغذاء. خامسا، إشراك المجتمع المدني، وخاصة مجموعات الشباب والنساء في مناطق النزاع، ليلعب دورا قياديا في دمج تنفيذ أهداف التنمية المستدامة والعمل من أجل الحد من تغير المناخ في عملية إعادة الإعمار.
وعلّق على النتائج الدكتور محمد العشري الزميل الأول في مؤسسة الأمم المتحدة، الذي أكد أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة سيعتمد على سياسات ملائمة وتمويل واف واستراتيجيات حوكمة مناسبة ومنهج تشاركي وقدرة على الاستجابة، فضلا عن التعاون الإقليمي. وشارك في النقاش الدكتور أيمن أبو حديد الوزير السابق ومدير معهد الدراسات الزراعية في جامعة عين شمس في مصر، الذي أكد على ضرورة انخراط دول المنطقة في منظومة التنمية المستدامة، للاستفادة من الشراكات الدولية في البرامج والمشاريع.
تمويل أهداف التنمية المستدامة
 في الدول العربية
وتناولت الجلسة الثانية سبل تمويل أهداف التنمية المستدامة وإشراك القطاع الخاص، أدارها أمين أسدالله رئيس قسم تغير المناخ في المعهد الدولي للتنمية المستدامة في كندا. وأشار الدكتور محمد العشري إلى أن الدول العربية تحتاج إلى 57 بليون دولار إضافية كل سنة للتنمية المستدامة، داعيا إلى تشجيع إصدار “سندات خضراء” لتمويل المشاريع الصديقة للبيئة. وتحدث الدكتور يوس فيربيك ممثل البنك الدولي الخاص لأهداف التنمية المستدامة، وأمادو ديالو ثيرنو مدير قسم الزراعة والتنمية الريفية في البنك الإسلامي للتنمية، عن آليات التمويل التي يعتمدها البنكان لمشاريع التنمية. كما شارك في الجلسة حسين أباظة مستشار وزير البيئة في مصر.
صفر جوع وصفر نفايات غذائية
تحديات الأمن الغذائي وسبل القضاء على الجوع في مناخ متغير، كانت موضوع الجلسة الثالثة التي أدارها الدكتور محمود الصلح المدير العام السابق للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، حيث ذكر خمس تحديات يتوجب تخطيها لتحقيق هذا الهدف، وهي القيود والضغوط الطبيعية والسكانية والتقنية والاستراتيجية والجيوسياسية.
وأكد عبدالسلام ولد أحمد، الممثل الإقليمي للفاو، على أهمية التعاون الإقليمي المستند إلى المزايا النسبية في الموارد الزراعية والمالية للبلدان العربية المختلفة. وتطرق الدكتور محمود الدويري، وزير الزراعة السابق في الأردن، إلى الفجوة الغذائية في المنطقة وسبل سدها في المناطق المروية أو التي تتلقى منسوبا عاليا نسبيا من الأمطار. وتناولت الدكتورة سوزان روبرتسون، كبيرة الاقتصاديين الزراعيين في المركز الدولي للزراعة الملحية، إمكانات تحقيق هدف “صفر جوع” من خلال إدارة الموارد الطبيعية والنظم الزراعية المدمجة والتكيف مع تغير المناخ. وتحدث كارلو سكاراملا، نائب المدير الإقليمي لبرنامج الغذاء العالمي، مركزا على الوضع المتأزم في المنطقة وضرورة حماية الطبقات الفقيرة وضمان أمنها الغذائي مما يدعم الاستقرار.
وترأس الدكتور معين حمزه، الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، جلسة خاصة تم فيها تقديم تقرير المركز الدولي للدراسات الزراعية المتوسطية حول كيفية الوصول إلى “صفر نفايات غذائية” في منطقة البحر المتوسط، وعلّق على التقرير الدكتور رضوان شكرالله، كبير الباحثين في المركز الدولي للزراعة الملحية.
وتناولت الجلسة الرابعة تحقيق تلازم المياه والطاقة والغذاء كمدخل لأهداف التنمية المستدامة. وأدارتها ريم نجداوي رئيسة قسم سياسات الأغذية والبيئة في الإسكوا. وتضمنت مداخلات للدكتور كليمنس برايسنغر من المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية في واشنطن، والدكتور ابراهيم عبدالجليل الأستاذ في جامعة الخليج العربي، والدكتور وليد الزباري مدير برنامج المياه في جامعة الخليج العربي، والدكتور حمو العمراني مستشار التكيف مع تغير المناخ لمؤسسة التنمية الألمانية GIZ وجامعة الدول العربية. فأكدوا على الترابط الوثيق بين أمن المياه وأمن الطاقة وأمن الغذاء، والحاجة الحاسمة إلى تبني مقاربة تلازمية متكاملة لدى معالجة إدارة هذه الموارد الحيوية الثلاثة في المنطقة العربية.
وخلال اليوم الثاني من المؤتمر، تم للمرة الأولى استعراض موضوع التحديات التي تواجه البلدان العربية التي تعاني حروبا ونزاعات في الالتزام بأهداف التنمية المستدامة. وذلك في جلسة يشارك فيها وزراء ومسؤولون وباحثون من بلدان تعاني نزاعات، وتقدم فيها حصريا نتائج أبحاث أجرتها مراكز جامعية وهيئات دولية حول التنمية في مرحلة ما بعد النزاعات.
وتدارس المشاركون جلسة حول التربية من أجل التنمية المستدامة. تلتها جلسة أخرى حول تحقيق هدف الصحة للجميع، تقدم خلالها للمرة الأولى نتائج دراسة عن أحوال الصحة البيئية وانعكاساتها على التنمية في المنطقة العربية.
وبعد كلمة فريد بلحاج، المدير الإقليمي للبنك الدولي للشرق الأوسط، حول دور البنك في دعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية، خصصت الجلسة الأخيرة لنقاش عام مع ممثلي القطاعات المختلفة، أعلن في ختامها توصيات المؤتمر التي تعمم لاحقا على الحكومات والهيئات العربية. ويتم تقديمها إلى قمة المناخ في مراكش واجتماعات وزراء البيئة العرب واللجنة المشتركة للبيئة والتنمية في جامعة الدول العربية. يشار أن الملتقى شهد  تقديم كل من نجيب صعب وعدنان بدران إلى رئيس اللجنة التنفيذية لـ”أفد” الدكتور عبدالرحمن العوضي جائزة “أفد” لإنجازات العمر البيئية، لتكريسه حياته لخدمة الصحة العامة والبيئة. وكانت الجائزة منحت مرة واحدة سابقا للعالم المصري الراحل الدكتور محمد القصاص. كما كرمت الجامعة الأميركية في بيروت العوضي الذي تخرج منها عام 1958، لإنجازاته المتميزة في الحقل العام. وقدم له رئيسها كتابا خاصا عن الجامعة الأميركية بمناسبة مرور 150 سنة على تأسيسها. والدكتور العوضي عضو مؤسس لـ”أفد”، وخدم بلاده الكويت لأكثر من 20 عاما كوزير للصحة ووزير للتخطيط، وكان عضوا  في اللجنة التنفيذية لمنظمة الصحة العالمية. وهو حاليا الأمين التنفيذي للمنظمة الإقليمية لحماية البيئة البحرية (روبمي).
ويذكر أن المؤتمر شهد مشاركة نحو 500 مندوب من 58 بلدا، يمثلون 160 مؤسسة من القطاعين العام والخاص والمنظمات والجامعات ومراكز الأبحاث والمجتمع المدني.
 بيروت : محمد التفراوتي

Related posts

Top