مقاهي “الشيشا”.. فضاءات لاستهلاك المخدرات وحبوب الهلوسة والدعارة

احتلت مدينة الدار البيضاء المرتبة (114) بين المدن الأشد خطورة في العالم حسب مؤشر الجريمة «نومبيو» للعام 2016، والمرتبة الخامسة عربيا، متقدمة بذلك عن الجزائر التي حلت في المرتبة السابعة (160). وكانت نفس الحاضرة قد حلت في المرتبة (67)، في تصنيف الموقع الأمريكي لسنة 2015، الذي يستقبل آراء آلاف الزوار ويستخدمها لإصدار عدد من المؤشرات حول جودة المعيشة في عدد من البلدان والمقارنة بين نوعية الحياة بين مدينة وأخرى. هذا وإن كان مؤشر «نومبيو» حول الجريمة لا يستند إلى بيانات رسمية، إلا أنه يعبر عن رأي شريحة كبيرة من زوار المدن وتقييماتهم لها، استناداً إلى ما عايشوه عند زياراتهم لها أو إقامتهم فيها.

المرتبة المتقدمة التي أمست تشغلها العاصمة الاقتصادية في التصنيف العربي للإجرام ساهم ويساهم فيها بشكل رئيسي انحراف بعض الشباب البيضاوي كظاهرة لها علاقة مباشرة بهذا الترتيب السيء السمعة، وذلك على اعتبار أن منحرف اليوم هو بكل تأكيد مجرم الغد، هذا إن لم يخضع لإعادة التأهيل والإدماج في المجتمع.
وللوقوف على بعض تجليات الانحراف في هذه الحاضرة قامت بيان اليوم برصد هذه الظاهرة المستفزة في بعض الأماكن العمومية، واستمعت لآراء بعض الشباب الطائش حول الأسباب المؤدية للانحراف وكذلك بعض الفاعلين الجمعويين.
توجهت بيان اليوم لمقهى معروفة بتقديم “الشيشا” بباب مراكش، هذا المكان العمومي الذي لم يعد يقتصر في خدماته للزبناء على تقديم القهوة ونحوها من المشروبات، بل أمسى يستقبل عددا كبيرا من الشباب المرتبك سلوكيا والباحث فقط عن “المتعة والنشاط” على حساب التعلم والدراسة.
كانت مجموعة من الشباب بالمقهى منهمكة في تدخين “الشيشا”، اقتربت الجريدة من واحد من بين هؤلاء ويدعى (م -خ) وعمره لا يزيد عن 20 سنة وسألته عما يستفيد من تدخين هذه المادة المخلوطة بالمخدرات التي تشتت العقل وتجعل صاحبه متقاعسا وكسولا وخطورة ذلك على مستقبله.
توجس الشاب مني خيفة من أن أكون مخبرا، قبل أن ترتسم على محياه ابتسامة ماكرة ليسألني بعدها مباشرة عمن أكون، وطبيعة المهمة التي أقوم بها، طلبت منه ألا يقلق وعرفته بصفتي المهنية، مؤكدا على دور التحسيس والتوعية في ما أقوم به.
بعد اطمئنانه بكلامي، طلب مني الانزواء بعيدا عن الضجيج الذي تصدره هذه المجموعة والذي يختلط بالصوت الصاخب للموسيقى مما يصم الأذان.
ومن أجل الابتعاد عما قد يشوش حديثنا، لاسيما، عيون ومسامع جواسيس صاحب المقهى التي قد تكون في أي مكان من هذا الفضاء العمومي، اختار هذا الشاب طاولة في حيز فارغ من الزبناء، وبدأ كلامه مفيدا، بأنه عجز عن مواصلة تعليمه الإعدادي لأسباب اجتماعية قاهرة، فهو يتيم الأب ووالدته شبه عاطلة عن العمل، ولذلك لم يكن في مقدورها توفير المصاريف الكافية للإنفاق على الكتب والمناهج الدراسية التي تتطلبها العملية التعليمية، فهو ليس الوحيد المتمدرس في الأسرة، بل له أخت ماتزال تتابع دراستها في المرحلة الثانوية.
هذا النقص في المقررات المدرسية، يقول المتحدث، جعله لا يتفاعل مع الدروس داخل القسم بل وكثير التغيبات عن الفصل، مشيرا إلى أن هذا الوضع زاده تفاقما عدم مراقبة والدته لمساره الدراسي، فما كان من إدارة المؤسسة إلا أن طردته من المؤسسة التعليمية.
واستطرد المتكلم، أنه بعد إبعاده عن المدرسة وجد نفسه يقضي معظم وقته في الشارع، بعد أن يئس في محاولات كثيرة لإيجاد عمل يساعد به والدته في نفقات الأسرة، كونه عديم الخبرة وليس له تكوين يساعده في الاندماج في حرفة ما، وكل هذه العوامل تظافرت، يضيف المتحدث، لترمي به في براثين الانحراف “يضحك”.
في خضم هذا الحديث المؤلم، أبرز هذا اليائس أن شبابا آخرين يماثلونه هذا السلوك بعضهم له نفس السن والبعض الآخر إما يكبرونه أو يصغرونه، تورط في صحبتهم في تعاطي المخدرات وشجعتهم على ذلك مقاهي “الشيشا” المنتشرة في كل مكان بالعاصمة الاقتصادية كمرتع للرديلة والفساد الأخلاقي، يجد فيها أصحاب العقول الطائشة ما يسعون للحصول عليه من مخدرات وحبوب الهلوسة، وتابع كلامه، ليست النرجيلة وحدها ما يستهوي الشباب ويستدرجهم إلى المقهى، بل هناك من يقبل من الجنسين على هذا الفضاء لشراء المخدرات وحبوب الهلوسة أو البحث عن شريك للممارسة الجنس..
وفي نفس السياق، التقت بيان اليوم احمد لكحيل أحد الفاعلين الجمعويين المهتمين بالشأن المحلي، وسألته عن ظاهرة انحراف الشباب.
فأجاب بأن أسباب انحراف الشباب متعددة وكثيرة، ولكن الأخطر من بينها الانتشار الكبير لمقاهي “الشيشا” بالعاصمة الاقتصادية رغم الحملات التي تشنها بين الفينة والأخرى السلطات المحلية، موضحا، أن كل الأحياء سواء في هذه المقاطعة أو تلك عبر جغرافية هذه الحاضرة، لا بد وأن تجد فيها واحدة او اثنتين من هذه الفضاءات العمومية التي تستقطب القاصرين وتفسد أخلاقهم من خلال تشجيعهم على استهلاك المخدرات والدعارة وبالتالي دفعهم إلى ارتكاب جرائم أخرى أكثر خطورة كالسرقة والقتل، مضيفا، أن بعض أصحاب هذه المقاهي ليسوا في الحقيقة سوى مروجي مخدرات وحبوب الهلوسة، يستعملون هذه الفضاءات كتغطية للتستر عن أفعالهم الإجرامية.
في حين هناك قانون، يقول المتحدث، ينص على سحب الترخيص من أصحاب هذه المقاهي التي تخالف دفتر التحملات لمدد تتراوح ما بين شهر و3 أشهر كإجراء أولي والإغلاق نهائيا في حالة العود، هناك انتشار كبير لهذه الفضاءات العمومية التي تساهم في إفساد أخلاق الشباب. وتابع المتحدث، أن هذه المفارقة الغريبة، ليس له سوى تفسير واحد يتمثل في الرشوة التي تشجع بعض المسؤولين على التواطؤ مع أرباب هذه المقاهي، وذلك بغض الطرف عن انشطتهم المحظورة. وأشار المتحدث إلى أن نسبة كبيرة من متعاطي الشيشة هم من التلاميذ القاصرين كون هذه الفئة في أول شبابها هشة، يسهل استقطابها من قبل هذه المقاهي التي يتمركز بعضها قرب المدارس والثانويات.
أما محمد برادع، أحد أساتذة التعليم بثانوية بسيدي معروف التقته بيان اليوم وسألته عن هذه الظاهرة المستفزة. فأجاب بأن انحراف الشباب كظاهرة لا تعني فقط مدينة الدار البيضاء أو باقي المدن المغربية بل هي ظاهرة عالمية. وأضاف أن الشباب عادة، يواجه مشاكل متعددة تؤثر في حياته فينحرف عن الطريق، ويخرج عن قوانين المجتمع وسلوكياته، موضحا، أن الشاب يعتبر منحرفا إذا ارتكب جرما يعاقب عليه القانون كالسرقة والاعتداء على الغير.
وهناك مظاهر أخرى للانحراف، يقول نفس المتحدث، كعدم طاعة الوالدين والتشرد والهروب من المنـزل أو من المدرسة، ومخالطة المنحرفين والمشتبه بهم، إلا أن مثل هذا السلوك قد يتطور إلى الانحراف بالمعنى الإجرامي إذا لم يعالج ويقاوم.
وتحدث برادع عن الفراغ التربوي والروحي ودور الأسرة والمدرسة بهذا الخصوص، مؤكدا دور تحسيس الشباب بأنهم رجال المستقبل.

سعيد أيت أومزيد

Related posts

Top