نجاح واسع وتجاوب كبير مع عشاق الفن الأصيل في الدورة الرابعة للأيام الوطنية لنزهة الملحون بسلا

عاشت مدينة سلا على مدى أربعة أيام (من 19 إلى 22 ماي 2016) عرسا ملحونيا بامتياز، جسدته فعاليات الدورة الرابعة للأيام الوطنية لنزهة الملحون (دورة عميد الملحون الشيخ الحاج أحمد سهوم) التي نظمتها “جمعية إدريس بن المامون للبحث والإبداع في فن الملحون” بشراكة مع وزارة الثقافة ومؤسسة سلا للثقافة والفنون وبدعم من الجماعة الحضرية لسلا وعمالة سلا .
وقد تميزت دورة هذه السنة، باختيار أحد أعلام فن الملحون الذي استقر وعاش بسلا ردحا من الزمن، الشيخ الحاج أحمد سهوم، لتحمل الدورة اسمه تكريما له وتقديرا لعطاءاته، كما اتسمت الدورة بمراعاة روح الاستمرارية والانتظام لهذا الحدث الثقافي الفني المتميز، وبمواصلة الانفتاح على الحساسيات الملحونية فنا وإبداعا وبحثا، وبمواصلة التفاعل مع الجمهور الواسع لفن الملحون من خلال فقرات متنوعة وفي فضاءات مفتوحة.
وعرف الحفل الافتتاحي يوم الجمعة 20 ماي 2016 الذي ترأسه وزير الثقافة رفقة عامل عمالة سلا وعمدة سلا ورئيس مؤسسة سلا للثقافة والفنون بحضور ممثلين عن السلطات المحلية والمنتخبين ورجال الثقافة والفكر والفنون وضيوف المهرجان وجمهور غفير بالمركب الثقافي الملكي بالمدينة العتيقة لسلا، حفلا تكريميا خاصا لعميد فن الملحون الشيخ الحاج أحمد سهوم الذي يتميز عن غيره وسبق الكثيرين في مجالات عطاءاته الفكرية والفنية من حيث شعره الغزير ومجالات كتاباته المتنوعة في فن الملحون، وكذلك دوره كإعلامي ومثقف متميز ومعد لبرامج إذاعية حول السيرة النبوية والأمثال والتشبيهات وتفسير القرآن وأسماء الله الحسنى، حيث أجمع المتدخلون خلال الحفل بأن الحاج أحمد سهوم عالم مثقف وشاعر كبير وطاقة إبداعية متميزة وقامة أدبية رفيعة.
وبعد ذلك تم تكريم رجل الدولة والرائد الجمعوي مولاي إسماعيل العلوي كرجل فكر وسياسة وقطب متميز في العمل الحزبي المغربي وكفاعل جمعوي ملتزم بحضوره وتميزه في مختلف محطات الفكر والثقافة، رجل عالم متألق في تواضع شامخ منسجم مع فكره وبساطة عيشه ومعاملاته وهمه الأساس خدمة مجتمعه من خلال فكره ومبادئه التقدمية ومساندة الحق والدفاع عن العدل والحرية ومقاومة الفساد.
 كما تم تكريم الأستاذ نور الدين اشماعو أحد رواد الحركة الجمعوية بسلا مؤسس ورئيس لجمعية أبي رقراق، متشبع بروح الفكر الوطني ومعتز بالدفاع عن وطنه عبر خدمة مدينته ورد الاعتبار لها في إطار نهضة جمعوية حقيقية تبتغي العمل الجمعوي الجدي بجانب الفعل السياسي والعمل على تنمية المدينة ونهضتها على كافة المستويات.
وعرف الجزء الثاني من حفل الافتتاح إنشاد مجموعة من قصائد الملحون وتقديم وصلات فنية من إنشاد مجموعة صوتية شبابية برئاسة الفنان المقتدر عازف القانون التهامي بلحوات.
 وقد شمل برنامج هذه التظاهرة الوطنية لنزهة الملحون ندوة فكرية برحاب الخزانة العلمية الصبيحية حول التجربة الشعرية والفنية لعميد فن الملحون الحاج أحمد سهوم حول موضوع: “بين وبين شتاء الخراز وصيف الدراز” بمشاركة عميد الأدب المغربي الدكتور عباس الجراري والأستاذين الباحثين محمد الـڭـوزي من فاس وعبد الصادق سالم من الراشدية. حيث تمحورت المداخلات والمناقشة العامة حول واقع فن الملحون بالمغرب شعراً وعزفاْ وإنشاداً، وتركزت على إسهامات الحاج أحمد سهوم الشعرية، وضرورة تحمل الفاعلين المؤسساتيين والجمعويين مسؤولية العناية بتراث الملحون وبذل مزيد من المجهودات من أجل نشر وتجميع كل ما كتب من شعر وأبحاث حول الملحون، وكذلك العناية بأهل الملحون والحرص على الانفتاح على الطاقات الشبابية لضمان استمرارية هذا التراث الأصيل.
وتكريسا لتقليد “النزاهة” بالقوارب التقليدية عبر نهر أبي رقراق، تم تنظيم حفل ملحوني يوم السبت بمشاركة المولوعين بفن الملحون التراثي، حيث تجاوز عدد المراكب المشاركة في الجولة أزيد من 40 قاربا.
 وانطلاقا من الساعة التاسعة والنصف ليلا استمتع جمهور وعشاق الملحون والتراث المغربي الأصيل بسهرة فنية متنوعة بفضاء المحطة النهرية (مارينا- سلا) جمعت بين فن الملحون والـڭـريحة الرودانية من أداء مجموعة هواة الملحون بمدينة تارودانت برئاسة الفنان الشيخ اسماعيل أسقارو، حيث أبدع العازفون والمنشدون في أداء قصائد غزيرة بالكلمات الهادفة المعبرة عن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي يحياها المواطن.
  وتم اختتام الدورة عشية يوم الأحد بحفل للنزهة بفضاء نادي الفلين للرماية والترفيه بالعرجات، حيث شكل الحضور المتميز للعائلات والأسر حيزاً وافراً فتح المجال للكثير منهم إلى العودة إلى ذكريات الماضي وزخم الفن الأصيل وعلاقته بالحياة اليومية للمواطن.
وللإشارة، فإن من أهم مميزات هذه الدورة هو تنظيم حفلات فنية بمشاركة نخبة من نجوم الشعر والعزف والإنشاد في فن الملحون على الصعيد الوطني (أرفود/ فاس/ مكناس/ أزرو / أزمور / الرباط / سلا / تارودانت/ مراكش) في تقاطع بديع بين فنانين من مختلف الأجيال، شبابا وشيوخا، نساء ورجالا، نذكر منهم: سعيد الزرهوني، شيماء الرداف، سعيد بلمكي، سامي العياشي، عبد اللطيف توير، عبد الكريم الصادقي، عائشة الدكالي، فاطمة الزهراء رحال، عبد العالي البريكي، البشير الخضار، حيث تولى العزف طيلة مدة المهرجان المجموعة الوطنية للملحون برئاسة الفنان الكبير محمد الوالي من مدينة مكناس.
كما شهدت باقي السهرات الفنية تكريم وجوه فنية وجمعوية أمثال: الفنان المرحوم أحمد أباحو، والفاعلة الجمعوية جليلة العلوي والفنانين سعيد بنبراهيم، عبد الإلاه الدكالي، عبد اللطيف العلوي والمرحوم محمد الري.
وبهذه المناسبة، أكد عزيز هيلالي الكاتب العام لجمعية ادريس بن المامون للبحث والإبداع في فن الملحون، في تصريح له: “أن أهمية هذه المبادرة الجمعوية تكمن في كونها تجسد عربون وفاء لجيل الرواد الذين حملوا مشعل هذا الفن الأصيل وأبدعوا فيه شعراً وعزفاً وإنشاداً، وكذلك للجيل الجديد الذي يحمل مشعل البحث والإبداع ويحتاج إلى الدعم والتشجيع والتنويه”.
وأضاف الكاتب العام “إن جمعيتنا راكمت منذ تأسيسها خبرة واسعة وخلقت حيوية في مشهد الفنون الأصيلة عموما والملحون على وجه الخصوص بمدينة سلا، وهي المدينة التي لها دورها الإشعاعي كحاضرة ملحونية بامتياز على الصعيد الوطني، وذلك من خلال تنظيم الأمسيات الفنية والفكرية على مدار السنة حول مواضيع في فن الملحون تستضيفها بيوتات العائلات السلاوية وأضرحة الأولياء الصالحين، وكذلك بعض المؤسسات الثقافية كان آخرها مؤسسة أبو بكر القادري للفكر والثقافة بسلا، وكذلك انتظام دورات الأيام الوطنية لنزهة الملحون خلال النصف الثاني من شهر شعبان لكل سنة، وهو الأمر الذي جعل من مدينة سلا قبلة للمبدعين والباحثين في الملحون من كل مدن المغرب ومن كل الأجيال.

*****

بورتريه

سهوم والملحون سيان

الشاعر الحاج أحمد سهوم الفيلالي من أكبر شعراء الملحون على الإطلاق خلال النصف الثاني من القرن الماضي.. ومن ألمع شيوخ الملحون في زماننا.
اقـترن اسمه بفن الملحون.. بحيث يصعب الحديث عن أحدهما دون الآخر.. بل يستحيل ذكر أحدهما في غياب الثاني..
وإذا كان الملحون هو فن الأمة المغربية.. فلولا شخصية السي سهوم.. الشاعر الباحث.. الفنان المبدع.. لما كان لهذا الفن أن يحتل المكانة التي وصل إليها اليوم.. ولما تمكنت الأجيال الجديدة من الملحونيين من سبر أغواره وتجلي بيانه.
شاءت الأقدار أن يترعرع منذ طفولته الأولى بفاس في محيط فني.. فوالده رحمه الله كان عازفا ماهرا على آلة الكمان لأغاني المرساوي.. وبيت جارتهم «زبيدة المراكشية» كان عبارة عن منتدى فني وثقافي.. لكونها مولعة بالفن والأدب.. وكما يحكي فقد كان يقضي أوقاتا كثيرة في بيتها.. جالسا بين المولعين بالملحون ورواة وعشاق الأزلية والعنترية.
وخلال فترة اشتغاله في حرفة الخرازة بفاس القديم، طلب منه الشيخ إدريس العلمي ذات يوم غناء بعض قصائده.. بعدما سمعه ينشد وأعجب بصوته.. ثم اتخذه تلميذا له..
ولما انتقل إلى مدينة سلا في الخمسينات، التحق بمجموعة من شيوخ الملحون بمدينة سلا ليكونوا أول نادي للملحون بمقهى الحجامين بسلا.
وبعد التحاقه سنة 1957 بالإذاعة الوطنية بالرباط، أنتج العديد من البرامج الإذاعية الاجتماعية والفنية والثقافية والتراثية من أشهرها «أبا مساعف».. كما أنتج برامج تلفزيونية إثر بداية البث المباشر للتلفزيون المغربي..
وفي نهاية السبعينات ترك العمل بالإذاعة الوطنية.. وكرس كل اهتمامه للتعريف بالملحون.. من خلال محاضرات وندوات داخل التراب الوطني وخارجه.
الحاج أحمد سهوم شاعر ملتزم كرس حياته يكتب للملحون.. فهو شاعر ملحون من الدرجة الرفيعة..
لا يطلب الشهرة ولا يتصنع.. غزير الإنتاج.. يتفاعل محيطه بتناقضاته وطموحاته.. يصور الأحداث وتجارب الحياة بإخلاص.. يعبر عن أفكاره بوضوح.. يتقن فن الإلقاء الشعري.. صوته تستسيغه الآذان.. يحسن انتقاء الكلمات.. يملك لغة عامية سلسة وراقية ممزوجة بعربية فصيحة.
وهذا ما جعل الأستاذ محمد الفاسي رحمه الله يترجم له في معلمة الملحون قائلا: «أحمد سهوم من الشعراء المعاصرين.. له طريقة في نظم الشعر.. يطرق المواضيع الحديثة.. وله إطلاع واسع على الملحون ويتذوقه ويعرف تقديمه للجمهور في الأحاديث التي يذيعها بالتلفزة المغربية».
ولما أسندت وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية والتعليم الأصلي، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إلى الأستاذ محمد الفاسي رحمه الله، أنشأ مكتبا خاصا للملحون، وجعل على رأسه الأستاذ سهوم، بل وكلفه بالإشراف على تحضير المؤتمر التأسيسي لجمعية هواة الملحون.
كما أن الدكتور عباس الجراري عبر بأنه استفاد كثيرا من البرنامج الذي كان يقدمه سهوم في الإذاعة أواسط الستينيات بعنوان «ركن الأدب الشعبي».
يحق للمغرب وللمغاربة أن يعتزوا بهذه الشخصية الفريدة في العالم العربي والإسلامي.. فقد بذل قصارى جهوده للإسهام في رفع مستوى الملحون بدون كلل ولا ملل.. وله أفضال كبيرة وجليلة على الثقافة المغربية عامة والملحون على وجه الخصوص.

Related posts

Top