أبطال ومعارك

جورج واشنطن..

ومعارك ساراتوجا ويورك تاون والثورة الأمريكية

الحلقة 21 والأخيرة

ومعارك ساراتوجا ويورك تاون والثورة الأمريكية

المعارك التي مهدت للاستقلال ووضع أول دستور امريكي

كان النفوذ البريطاني في أمريكا الشمالية في أوجه قبل قيام الثورة الأمريكية بسنوات (اندلعت الثورة الأمريكية منذ العام 1775 وحتى العام 1883 تاريخ حصولها على الاستقلال)، فقد كانت بريطانيا قد تغلبت في حربها على الفرنسيين والهنود، وكانت المعاهدة التي أنهت الحرب قد ضمنت لبريطانيا معظم الأراضي التي كانت بيد الفرنسيين في أمريكا الشمالية التي كانت تمتد من جبال (الابلاش) في الشرق حتى نهر المسيسيبي ومن ضمنها رقعة واسعة من كندا، وكان معظم أهالي المستعمرات يتفاخرون بانتمائهم إلى الإمبراطورية البريطانية في وقت كانت تعتبر فيه أقوى الإمبراطوريات في العالم.

قانون الطابع

“…لما كان من حق أهل المُستعمرات الخاضعة للإمبراطورية البريطانية الحق في انتخاب ممثليهم في جمعية تشريعية تقوم بسن القوانين وفرض الضرائب (والكلام هنا لإبراهيم السيد في كتابه جورج واشنطن الأب المؤسس)، كان حكام المستعمرات الموالين لبريطانيا يتمتّعون بحق النقض (الفيتو) في مواجهة أي قانون يصدر عن تلك الجمعية ويتعارض مع المصالح العليا (كانت تأمل بريطانيا من تلك المُستعمرات الحفاظ على مصالحها الاقتصادية) خاصة إذا ما تعلق الأمر بصنع المواد والسلع المنافسة لمثيلاتها البريطانية كالرصاص والأدباغ والورق والشاي، وهي أمور شكلت مُخالفات للتعهدات البريطانية وسياساتها التي بدأت بريطانيا بتغييرها بعد الحرب الفرنسية الهندية وأضحت تشدّد قبضتها على مستعمراتها الشاسعة في أمريكا، فأصدرت بذلك قوانين تلزم المُستعمرات بتأمين الثكنات والتجهيزات للجيش البريطاني المُرابط في أمريكا الشمالية وتخصيص أراضي واقعة غرب جبال الأبلاش للسكان الهنود ومنع البيض من إنشاء مستوطنات لهم في تلك المناطق وتعيين الحراس لإبعاد المستوطنين عنها، الشيء الذي دفع أصحاب تلك المستعمرات إلى التمرّد رافضين السياسة البريطانية الجديدة قائلين: “لا يحق لها (أي بريطانيا) بأن تمنعنا من الاستيطان خاصة وأننا نطمع في تحقيق الأرباح جراء شراء الأراضي في مناطق الغرب”، إلا أن الإمبراطورية البريطانية رفضت تلك المطالب التي نادى بها سكان المُستعمرات، بل زادت من الطين بلّة حيث عمدت إلى ضرورة مشاركة أهل المستعمرات في تحمل نفقات جيوشها في أمريكا بناء على تعليمات القانون الجديد الذي سمي بـ “قانون الطابع”، وبموجبه يدفع سكان تلك المُستعمرات رسوما على الصحف وورق اللعب والشهادات الجامعية العلمية والعديد من المُستندات الرسمية على غرار ما كان معمولا به في بريطانيا، حتى زادت مثل هذه القوانين الجديدة حنق وغضب سكان المستعمرات الذين انطلقوا يجولون تلك المناطق مُحملين بأعمال الشغب احتجاجا على هذا القانون مُطالبين بحقوقهم (المساواة والعدل والحرّية والسعادة) ورفض القوانين الجائرة التي ما فتئت تصدرها الحكومة البريطانية، داعين في نفس الوقت إلى رفض السماح ببيع هذه الطوابع أو شرائها مُتعللّين بأن لا حق لمجلس البرلمان البريطاني في فرض ضرائب على المُستعمرات لأن ذلك حق من حقوق هيئتهم التشريعية التي انتخبوها فقط، فقرّر التجار مُقاطعة البضائع البريطانية ما لم يقم المجلس البريطاني بإلغاء ذلك القانون الذي سرعان ما خضع لمطالبهم وتم إلغاؤه في السنة الموالية، مُوازياً مع إصدار قانون جديد يجعل للملك والبرلمان الحق التشريعي في إصدار القوانين الخاصة بالمُستعمرات في كل المسائل..”.

مذبحة بوسطن

استعرت الاحتجاجات من جديد من طرف سكان المُستعمرات الذين رفضوا جملة وتفصيلا تلك القوانين السافرة بحقهم، لكن البرلمان صمّ آذانه وسارع إلى إصدار قانون آخر حمل إسم “قانون تاونزهند” الذي نسب إلى وزير الخزانة البريطانية آنذاك، وفرض بموجبه ضرائب جديدة على الرصاص والأصباغ والورق والشاي الذي أسند جبايتها لمكتب الجمارك الذي أسس لهذه الغاية في مدينة بوسطن الأمريكية، وتسببّت تلك القرارات الجديدة (القانون الجديد) في تجدّد الاحتجاجات التي ألغيت على أثرها الضرائب باستثناء الضريبة المفروضة على الشاي، وخرجت المُظاهرات مرة أخرى ولا سيما بمدينة بوسطن فتصدّى لها الجيش البريطاني وقتلوا خمسه أشخاص وأطلق على ذلك الهجوم “مذبحة بوسطن” التي قاد على إثرها الأمريكيون حملة لتهريب الشاي من هولندا لتلافي دفع ضريبة الشاي، ممّا أصاب الشركة الهندية البريطانية المُنتجة والمُمولة للشاي للمُستعمرات بأضرار بالغة نتيجة لتلك المقاطعة، والتمست من البرلمان تخفيض الرسوم، لكن المستوطنين استمروا في المقاطعة ورفض التجار بيع الشاي وقام عدد من أهالي بوسطن مُتنكرين بأزياء هندية بالهجوم على السفن المُحملة بالشاي في الميناء وألقوا بشحناتها في البحر وعرفت هذه العملية “عملية بوسطن تي بارتي”.
القوانين غير المحتملة

يروي لنا حسين علي في ترجمتة لكتاب (التاريخ السري للإمبراطورية الأمريكية) بالقول عن تلك الفترة: “…..كان من آثار حركات التمرد التي قادها سكان المستعمرات البريطانية أن زادت من غبطة وغيظ الملك البريطاني ووزرائه حتى أمر برلمانه بإصدار جملة من القوانين الجديدة التي أثقلت معها كاهل سكان المستعمرات حتى نعتوها بالقوانين غير المحتملة التي خرجت للتنفيذ يوم الثالث من شهر سبتمبر من العالم 1774، وكان من بينها قانون يأمر بإقفال ميناء بوسطن إلى أن يدفع أهاليها قيمة الشاي الذي أتلفوه، وقانون آخر أوقف فعاليات الهيئة التشريعية في (ماساشوسيتش) ووسّع صلاحيات حاكمها البريطاني، وعلى الجانب الآخر كان الكونجرس القاري الأول قد عقد اجتماعا في فيلادلفيا في الخامس من سبتمبر 1774 وصوّت لصالح قطع العلاقات التجارية مع بريطانيا ما لم تقم بإبطال القوانين القسرية مصوّتين بالإجماع على جورج واشنطن أحد قادة الجيش القاري الذي تأسّس للتحضير للثورة الأمريكية ضد الوجود البريطاني والمُطالبة بالاستقلال ليقودها إلى الاستقلال عن بريطانيا بعد اقتراحه بقيام المستعمرات بتدريب رجالها على فنون الحرب حتى بدأت مع ذلك شرارة الثورة الأمريكية التي قادت إلى الاستقلال التام عن الإمبراطورية البريطانية تحت قيادة جورج واشنطن عام 1776”.

بين الثورة والاستقلال

ولد جورج واشنطن في الثاني والعشرين من فبراير 1732 (توفي يوم الرابع من ديسمبر 1799) وبدأ مشوراه السياسي والعسكري في صفوف الجيش الأمريكي ضمن المستعمرات الأمريكية الخاضعة لحكم الإمبراطورية البريطانية حتى سار معها إلى تحقيق الانفصال والاستقلال يوم الرابع من يوليو 1766، ليحمل بذلك اللقب الجماهيري الذي منحه إياه الشعب الأمريكي ووصفه بالأب الروحي للبلاد، بعد أن اعتبر الرئيس الأول للولايات المتحدة الأمريكية وواضع الدستور والقائد العام للقوات المسلحة للجيش القاري أثناء الحرب الأمريكية الثورية التي أدت إلى إعلان الانفصال عن بريطانيا، ومهدت لاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، وفي هذا يستطرد لنا الكاتب حسين علي بالقول: “…الثابت تاريخيًا أن الجيش الأميركي الوليد لم يكن مؤهلاً لخوض الحرب مع أقوى الجيوش في العالم، وبالتالي لا بد من قيادة موحدة قوية تسير به إلى مهد الاستقلال وإنهاء الاحتلال البريطاني عن البلاد، ووقع الاختيار على جورج واشنطن الذي كان يعتمد على تطوع الشباب بالجيش لفترات محددة حتى تتاح الفرصة لجميع سكان المستعمرات ليتعلم ويتقن حياة الجندي الأمريكي، وأخذ على عاتقه مسؤولية قيادة الجيش نحو الاستقلال بعد أن رفع معنويات جنوده التي تتعرض باستمرار للضغوط الشديدة بسبب الهزائم المتتالية للجيش القاري أمام المنافس البريطاني الأقوى، فاستطاع أن يعبر مع جيشه بعد أن تعلم من الظروف المحيطة بالحرب واستطاع أن يؤقلم جيشه ونفسه عليها تدريجيا حتى بدأت الحرب بانتصارت للجيش القاري بالقرب من مدينة بوسطن لتعود السيطرة من جديد لبريطانيا وجيشها بقيادة الجنرال هاو الذي لقن الجيش القاري الأمريكي سلسلة من الهزائم المتتالية كادت أن تعصف به لولا القيادة الرشيدة من طرف جورج واشنطن..”.

العبور الكبير.. والاستقلال العظيم

سرعان ما تنبه جورج واشنطن لقوة الجيش النظامي البريطاني الذي قد يسقط هدفه القاضي بالإبقاء على الجيش الأميركي الوليد بعيدًا عن بطش البريطانيين، واضطر واشنطن إلى اتباع سياسة أشبه بحرب العصابات مبنية على (الكر والفر) كي لا يواجه خصومه في الميدان المفتوح، وعندما انخفضت الروح المعنية للجيش أصبح عليه اتخاذ خطوة جريئة لشحنه معنويا من جديد، وهو ما عرف في التاريخ العسكري الأميركي بـ “العبور الكبير”، حين قرر واشنطن أن يعبر نهر الديلاوير ديسمبر 1776 بعيدًا عن أعين الجيش البريطاني ليدمر التشكيل العسكري من (الهيسيين) المتمركزين في ترينتون عاصمة ولاية نيوجيرسي، لينجح في نهاية المطاف من العبور بجيشه تحت جنح الليل وفي جو قارس البرودة، هزم القوات الألمانية بيسر شديد وقُتل قائدها وأجبر ما تبقى منها على الاستسلام، وتستمر بالتالي شرارة الثورة الأمريكية في التاسع عشر من أبريل لحظة اصطدام البريطانيين بالثوار الأمريكيين في مدينة (لكسنجتون) و(كونكورد) في ماساشوسيتش، والتي امتدّت لثماني سنوات من المناوشات العسكرية الطويلة التي أطلق عليها “معارك ساراتوجا” بقيادة جورج واشنطن، وانتهت في الثالث من سبتمبر 1783 بعد توقيع معاهدة باريس بين بريطانيا والولايات المتحدة التي اعترفت فيها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، حتى حظي بفرصة المشاركة في احتفالاتها وصياغة الدستور وإقراره في العام 1787 بفيلادلفيا، ويؤدي في نهاية المطاف والرحلة القسم الدستوري الأول في تاريخ الولايات المُتحدة الأمريكية في شرفة مبنى مجلس الشيوخ يوم الثلاثين من أبريل 1789 ويحكم بموجبه الولايات المتحدة لفترتين متتاليتين من 1789 إلى 1797 بعد أن اتخذ واشنطن عاصمة لها، وهي العاصمة التي شهدت وفاته بتاريخ الرابع عشر من ديسمبر 1799 عن عمر ناهز السابعة والستين.

>معادي أسعد صوالحة

الوسوم ,

Related posts

Top