أحداث الحي الحسني نموذج فقط…

لا تزال أحداث سوق الأضاحي بالحي الحسني بالدار البيضاء، والتي تناقلت مشاهدها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، تثير الأسئلة والكثير من الانشغال.
فعلا، هي أحداث تفضح حجم الحاجة والفقر والعوز وسط شعبنا، وتكشف أيضا عن ضرورة جعل الأسعار ملائمة لقدرة الناس، وتعري واقع المنظومة التدبيرية المحلية في عديد مستوياتها…، ولكن هي كذلك تكشف على أن الاحتجاج يمكن أن يكون عندنا نحن أيضا بلا تنظيم أو تأطير أو أي حرص سلوكي أو أخلاقي…
أي أن يكون الاحتجاج عشوائيا وفوضويا وبدائيا، ومقترنا بالنهب والسلب والسرقة.
الصور التي وصلت إلى كل بقاع الكون تنبه إلى هذا المنحى الخطير و… المنفلت.
إن الكتابة هنا ليست تجنيا على المواطنات والمواطنين، وليست في مقام جلد الغاضبين، ولكن هي دعوة لحسن قراءة فعل الغضب والاحتجاج، وتأمل مجرياته ومآلاته.
هل سيتحول غضبنا الاجتماعي واحتجاجنا ضد الخصاص والهشاشة وكل الاختلالات الأخرى، إلى سلوكات النهب والسرقة والانفلات؟
هل يمكن لمجتمعنا أن يطبع مع هذا الذي وقع؟ ومن سيوقف حينها الامتدادات؟ وكيف سيكون عيشنا المشترك في المقبل من شهور أو أعوام؟ ومآلات الإستقرار حوالينا؟
بقدر ما أنها أسئلة خطيرة تتصل بالمستقبل، فهي أيضا تحيلنا مباشرة على حاضرنا اليوم، وعلى ما أفضت إليه السياسات الماضية، والتي أنتجت لنا مواطن اليوم.
نحن أمام أجيال لم تستفد من حقها في تعليم كامل وجيد، وحرمت من الشغل، ومن مقومات الحد الأدنى للعيش الكريم…
الحي الحسني يعتبر نموذجا فقط لأحياء ومناطق توجد في مختلف جهات ومدن المملكة، تؤثثها الخيبة والهشاشة والحاجة، ويعاني داخلها مئات الآلاف من الفقر والعوز، وأيضا من الإحباط والحنق واليأس.
وإذا أضفنا إلى كل هذا، افتقاد هذه الأجيال لأي تأطير سياسي أو جمعوي او نقابي أو وعي ثقافي، ولو في الحدود الدنيا، فإن الأمر يتحول فعلا إلى”بؤر”خطيرة.
من خلال الصورة المصغرة التي جسدتها أحداث سوق الأضاحي بالحي الحسني، يمكن أن نفهم إذن خطورة ما تعانيه المدرسة من انهيارات، وما ينجم عن الجهل والأمية وتفكك الأسر، ويمكن أن ندرك كذلك حجم الكارثة التي حلت بنا جراء التفريط في مؤسسة دار الشباب، وبعد”قتل” الجمعيات الجادة،  وبعد سنوات من محاصرة وتبخيس عمل الأحزاب الديمقراطية الجادة، ودور النقابات، والصحافة الوطنية الرصينة والعقلانية وذات التاريخ والمصداقية…
مئات الآلاف من الشباب وغير الشباب في كل مدننا وبوادينا لم تعش كل هذا ولم تسمع به ولم تتأطر ضمن منظوماته وسياقاته، ولهذا لفنا كلنا اليوم التيه والتدني والبدائية واللاعقل.
إن ما حدث في الحي الحسني إشارة إنذار وتنبيه وجهت لنا كلنا صفعة لنستيقظ، ودعتنا إلى إحداث القطيعة، وتغيير حال دار لقمان، قبل أن نفيق على كون كامل الأوان قد فات.
المسألة الاجتماعية وواقع عيش شعبنا، أولوية وطنية اليوم.
تطوير الاقتصاد الوطني ومحاربة الريع والفساد، أيضا يمثل أولوية المرحلة الحالية.
ترسيخ دولة القانون والمؤسسات، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وتمتين الأمن والاستقرار والوحدة، هي كذلك مرتكزات الأجندة الوطنية الحالية.
إشعاع نفس التفاؤل والثقة لدى شعبنا وشبابنا في بلادهم وفِي المستقبل، هو المقصد والمسعى وراء مختلف هذه الإصلاحات والأولويات المطلوبة اليوم.
المغرب، في بدء الكلام ومنتهاه، يجب أن يدرك ضرورة أن تستعيد كل مؤسسات الوساطة والتأطير أدوارها وحضورها، وأن تستعيد السياسة والعملية الديمقراطية نبلها ومصداقيتها، وأن تقطع البلاد مع ممارسات”تشناقت” ولوبيات الريع وحسابات الصغار.
فقط ما حدث في سوق الأضاحي بالحي الحسني  يمثل لوحده حكما بالفشل والهزيمة في وجه كل السياسة الريعية التي لا ترى أبعد من أنوف منظريها.
البلاد، وترتيبا على كل ما سبق، تستدعي اليوم فتح العيون للنظر الواقعي، وللتحليل الملموس للواقع الملموس، ولدفع حليمة لتغير كل عاداتها وسياساتها القديمة.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top