أدباء مغاربة وعرب وضعوا حدا لحياتهم..

إن من ينتحر ليس بالضرورة إنسانا يكره الحياة، بل إنه يحبها بشدة، غير أنه لم يجدها كما كان يتمناها. العديد ممن اختاروا أن يضعوا حدا لحياتهم تركوا رسائل ذات معنى بليغ، ومنهم من لم يترك أي رسالة، لكن انتحاره كان في حد ذاته خطابا
. بليغا إلى من يهمه الأمر
العديد من الأدباء والمبدعين المغاربة والعرب وجدوا أنفسهم ذات لحظة يأس
. وإحباط؛ مرغمين على توديع الحياة رغم حبهم الشديد لها
ضمن هذه الفسحة الرمضانية، سيرة لمجموعة من هؤلاء المعذبين على الأرض، إلى
جانب نماذج من إنتاجاتهم الإبداعية، تكريما لأرواحهم الطاهرة

الشاعر عبد الرحيم أبو ذكرى

قفز من نافذة غرفته في الطابق الثالث عشر ليرتطم برصيف الشارع

بتاريخ 5 نوفمبر 1989، قفز من نافذة غرفته في الطابق الثالث عشر من مبنى الأكاديمية الروسية للعلوم؛ ليرتطم برصيف شارع “أوسترافيتيانوفا”. وقبل وفاته، كان قد أحرق بعض أعماله.
عبد الرحيم أحمد عبد الرحيم المعروف بأبو ذكرى، من مواليد سنة 1943. هو كاتب سوداني وشاعر ومترجم، خريج الجامعة الروسية لصداقة الشعوب سنة 1969 التحق بالمدرسة الأولية ثم المدرسة الوسطى بمدينة كوستي، والثانوية بمدرسة خورطقت، أرسل في بعثة للدراسة بالاتحاد السوفييتي فالتحق بالجامعة الروسية لصداقة الشعوب في موسكو. حصل على درجة الماجستير في اللغة الروسية وآدابها، ودبلوم في الترجمة بين الروسية والعربية (1971)، ثم درجة الدكتوراه في فقه اللغة (1987) من الأكاديمية الروسية للعلوم.
عمل سكرتيرًا للتحرير ومشرفًا على مجلة الثقافة (السودانية): 1976 – 1978، وعمل أستاذًا – غير متفرغ – بكلية الآداب – جامعة الخرطوم.
عُرف عبد الرحيم بأعماله المكتوبة في الستينات والسبعينات، نشر في العديد من الصحف والمجلات السودانية، من شعراء الحداثة في حركة الشعر بالسودان، اتخذ من قصيدة التفعيلة شكلاً ومن الرمزية أسلوبًا لمعالجة قضايا العصر.
يعد من شعراء الواقعية (دون مناقضة لأسلوبه الرمزي) لاهتمامه بمعاناة مجتمعه، ولما يلوّن به مشاهده وصوره فتبدو على جانب من القتامة والقسوة. في قصائده موقف حضاري ورؤية سياسية، ظلت شعرية صافية لم تفسدها الشعارات أو الهتافات.
له ديوان: «الرحيل في الليل» – جامعة الخرطوم 1973 (طبعة ثانية – عزة للنشر والتوزيع – الخرطوم 2001).] عُرف عنه تميّزه في الترجمة، حتى وصفه أستاذه في “الأكاديمية الروسية للعلوم”، البروفيسور شاغال، بالذكاء النادر والموهبة الرفيعة، وهو ما جعل “دار التقدم” في موسكو تختاره لترجمة “معجم المصطلحات الأدبية” من الروسية إلى العربية، إلا أنّه رحل قبل إنجاز هذا العمل.
مرّ أبو ذكرى سريعاً بالحزب الشيوعي السوداني. لم تمض فترة قصيرة من انتمائه إليه حتى استقال بلباقة، مبرّراً الاستقالة بـ “ظروفه الصحية غير المواتية”، وإن ظلت له مواقف مساندة لقضايا اليسار.

***
من أشعاره:

الرحيل في الليل

أيها الراحل في الليل وحيدًا
ضائعًا منفردًا
أمس زارتني بواكير الخريف
غسلتني بالثلوج
وبإشراق المروج.
أيها الراحل في الليل وحيدًا
حين زارتني بواكير الخريف
كان صيفي جامدًا
وجبيني باردًا
وسكوتي رابضًا فوق البيوت الخشبية
مخفيًا خيرته في الشجر
وغروب الأنهر
وانحسار البصر
لوّحت لي ساعة حين انصرفنا
ساعة حين انصرفنا
ثم عادت لي بواكير الخريف:
حين عادت
وثب الريح على أشرعتي المنفعلة
سطعت شمس الفراديس على أروقتي
ومضت تحضنني الشمس الندية
والتي ما حضنتني
التي ما عانقتني
في الزمان الأول
في الزمان الغائب المرتحل:
انتظرني
فأنا أرحل في الليل وحيدًا
موغلًا منفردًا
في الدهاليز القصيات انتظرني
في البحر انتظرني
انتظرني في حفيف الأجنحة
وسماوات الطيور النازحة
وقت تتنهد المدارات
وتسود سماء البارحة
انتظرني.

> إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top