أدباء ومفكرون أداروا ظهورهم للنشر الورقي

أدباء ومفكرون أداروا ظهورهم للنشر الورقي هناك علاقة وثيقة بين الكتابة والنشر. أي كاتب سواء كان أديبا أو مفكرا أو باحثا، لا يكتب من أجل أن يحتفظ بما يكتبه لنفسه، غالبا ما يبحث عن منفذ لإيصال منتوجه الفكري والأدبي إلى عموم القراء.
من قبل كان الورق هو الوسيط الأساسي بين القارئ والكاتب. حين كان يصدر عمل جديد، كان يعتبر ذلك حدثا، وكان كل كاتب يفتخر بعدد الطبعات التي بلغها إصداره. كان مقياس نجاح إصدار ما يقاس بعدد طبعاته المتزايدة، وبطبيعة الحال كان الإعلام يلعب دورا أساسيا في التعريف بكل إصدار جديد والتحفيز على قراءته، أحيانا قد نجده يبالغ في التنويه بالقيمة الإبداعية والفكرية لهذا الإصدار أو ذاك. لكن الحقيقة تنكشف حتما، ويعود الإصدار المنفوخ فيه إلى حجمه الطبيعي.
في الوقت الحالي، تراجعت وظيفة الورق في إيصال المنتوج الثقافي إلى القارئ، بالنظر إلى محدودية انتشاره مقارنة مع الدور الذي باتت تضطلع به الوسائط الرقمية.
الكتاب والناشرون على حد سواء، باتوا واعين تمام الوعي بهذه الحقيقة، ولذلك تقلص ظهور عناوين جديدة، وفي اعتقادي أنه لولا تدخل الدولة ممثلة بالخصوص في وزارة الثقافة، لكان التقلص أكثر حدة.
يمكن القول بشكل حاسم، إن دور النشر لم تعد تتجرأ على تحمل تكاليف طبع الكتب، حتى لو تعلق الأمر في بعض الأحيان بمؤلفات كتاب مرموقين.
وقد رأينا أخيرا كيف أن دار نشر مغربية ذائعة الصيت، كانت متخصصة في النشر للأسماء المعروفة، لم تعد تقوى على الاستمرار في هذا النهج، خصوصا عندما تكتشف أن إصداراتها الجديدة يتم تحويلها إلى نسخ رقمية وعرضها للعموم بدون تكلفة تذكر.
بعض الكتاب صاروا يتفاوضون مع الناشر لخفض عدد النسخ إلى حدود المائة. فبعد أن كنا نعتبر الألف نسخة من كل إصدار تعد ضئيلة جدا مقارنة مع عدد القراء المحتملين من الأساتذة والطلبة وغيرهم من الشغوفين بنهل العلم والمعرفة والإبداع من بطون الكتب الورقية، صارت المائة نسخة تعد مجازفة حقيقية.
لم تعد الغاية تصب في تعميم النشر على نطاق أوسع، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالنشر الورقي، بقدر ما أصبحت الغاية ترتكز على الرغبة في توثيق ما نكتبه وتوزيعه على عدد محدود من الأصدقاء والأقارب.
وربما هناك من يسعى من وراء تحمل تكاليف طبع إصداره الجديد إلى المشاركة في مسابقة ما، وهذا أقصى طموحه.
في مقابل ذلك، صارت الوسائط الرقمية ذات سيادة. هناك من الكتاب، كبر شأنهم أم صغر، انشغلوا بالنشر في صفحاتهم الاجتماعية الإلكترونية، وتركوا النشر الورقي خلف ظهورهم. لقد وجدوا في هذا الفضاء فرصة يسيرة لإشباع رغبتهم في النشر.
هل لذلك تأثير على قيمة ما ينتجونه؟ حتما هناك تأثير، أخذا بعين الاعتبار أن النشر الرقمي يتم بشكل مباشر وبوتيرة متعجلة ومنفعلة. 

> عبد العالي بركات

Related posts

Top