أدب الطبقة العاملة

احتفل العالم في مفتتح الشهر الجاري بالعيد العمالي، رفعت فيه شعارات بطبيعة الحال، تنادي بوجوب تحسين ظروف العمل وتعزيز كرامة العمال، إلى غير ذلك من المطالب.
 لكن ما مدى حضور هذه الهموم والقضايا في الأدب المغربي على وجه الخصوص؟ إلى أي حد يعكس الأدباء المغاربة الواقع المغربي المرتبط بظروف عمل الموظفين والحرفيين والفلاحين والممرضين والأطباء وغيرهم من العمال؟
 إذا اجتزنا فترة السبعينات وما قبلها من القرن العشرين، حيث كانت هناك فورة إذا جاز التعبير للنصوص الإبداعية التي تعكس هموم الواقع وتقارب ظروف عمل فئة من المواطنين، خاصة الكادحين والمقهورين منهم، وبالتالي إنتاج أدب يمكن اعتباره تحريضيا، أدب تهيمن عليه الصبغة الإيديولوجية. أستحضر بهذا الخصوص بعض روايات عبد الكريم غلاب وأشعار عبد الله زريقة ومسرحيات حوري الحسين وبعض النصوص القصصية لابراهيم بوعلو.. إلى غير ذلك من النماذج. المثير أن العديد من الأدباء المغاربة الذي سعوا أو بالأدق تجرأوا على عكس الواقع المرير للمجتمع المغربي في ذلك الإبان، كانوا قد تعرضوا للاعتقال.
  لكن ذلك لا يعني أن التجربة الإبداعية المغربية سواء في هذه المرحلة أو غيرها، استطاعت أن تتعمق في عالم تلك الفئة من الكادحين الذين يحفرون الصخر بأظافرهم – وهو تعبير مجازي كما هو واضح- من أجل الحصول على لقمة عيش، وهذا ناتج بطبيعة الحال عن كون أغلب الأدباء المغاربة يكتبون ليس انطلاقا من تجربة حية، ولكن من مقروئهم ومما يتناهى إلى علمهم وسمعهم. في حين هناك نماذج من آداب أجنبية كانت موفقة في إيصال صوت العمال والكادحين، بالنظر إلى أن أصحاب هذه النماذج الأدبية كانوا يعيشون التجربة التي يكتبون عنها، كانوا ينزعون بذلة الكاتب، إذا صح أن للكاتب بذلة خاصة، ويرتدون لباس العامل أو الفلاح أو الحرفي أوغيرهم من العمال الذين آثروا أن ينقلوا معاناتهم بصدق وإخلاص، دون الانزياح بطبيعة الحال عن الجانب الفني والجمالي الذي يتطلبه الإبداع الأدبي: رواية، قصة قصيرة، قصيدة، مسرحية.. إلى غير ذلك من فنون الإبداع الأدبي. أذكر رواية جرمنال لإميل زولا، حيث ذلك العامل الذي تعرض للطرد من العمل، لأنه تجرأ على التمرد على مشغله.. أذكر رواية الأم للروسي مكسيم غوركي حيث تشكل الأم تلك العاملة الثورية التي ناضلت من أجل إيصال ظروف العمل التي كان يفرضها نظام سياسي متسلط.. أذكر كذلك الشاعر الروسي مايكوفسكي الذين كان يفضل أن يتلو أشعاره على العمال والفلاحين والذي تعرض للإعدام.. إلى غير ذلك من النماذج التي استطاعت أن تتغلغل في العالم العمالي بالنظر إلى أن أصحابها كانوا في عمق هذا العالم وخبروا خباياه وتجرعوا مراراته، على عكس أولئك الذي ينحصر تنقلهم بين المكتب المكيف والبيت والمقهى، طبعا فإن إنتاجهم الأدبي لن يخرج عن أن يكون أدبا ناعما، إذا صح التعبير.       
  وحتى أولئك الأدباء الذين ينتمون إلى الطبقة العاملة البسيطة، وأنا أعرفهم وقرأت الكثير من إنتاجهم الإبداعي، لا نكاد نعثر في هذا الإنتاج على واقعهم المعاش الصعب في ورشة العمل، كأنهم يسعون ما أمكنهم ذلك إلى الهروب عن هذا الواقع بعدم الكتابة عنه بالمرة، ولو على سبيل التلميح.
 لعل فاتح ماي الذي يقترن بالعيد العمالي والذي احتفلنا به مطلع الأسبوع الجاري، يكون مناسبة للفت نظر، ليس فقط الباطرونا، إلى الوضع المعيشي المزري لقطاع واسع من الطبقة العاملة، بل كذلك نظر الأديب المغربي للعمل على معالجة قضاياها في إنتاجاته الإبداعية.   

عبد العالي بركات

[email protected]

Related posts

Top