أربعون سنة من الوجود

لمؤسسي موسم أصيلا الثقافي وعلى رأسهم الأمين العام لمنتدى أصيلا محمد بنعيسى أن يفتخروا بالحفاظ على استمرارية حضور هذه التظاهرة الثقافية والفنية العالمية على مدى أربعة عقود.
ليس ذلك فحسب، بل يمكن القول إن موسم أصيلا الثقافي ظل يتنامى ويتحسن سنة بعد أخرى، ارتباطا وموازاة مع التحولات الإيجابية التي ما فتئت تقع في هذا المكان الساحلي على مستوى البنيات التحتية والخدمات وغير ذلك من وسائل وظروف فن العيش، إلى حد أنها استحقت لقبها المتمثل في مدينة الفنون.
لقد ظل موسم أصيلا الثقافي حاضنا لمختلف أشكال الفنون والإبداع والمعرفة والفكر، حجت إليه أبرز الأسماء الفاعلة في الميادين المذكورة آنفا، من الصعب حصر قائمة الأسماء، اعتبارا لأنه في كل دورة، تحضر العشرات من مختلف بقاع العالم، وفي هذا السياق، لا بد من توجيه التحية إلى جنود الخفاء الذين يشتغلون بدأب على مختلف الجوانب التنظيمية واللوجيستيكية، ولعل كل من خبر ميدان التنظيم الثقافي يدرك ما معنى أن تنظم تظاهرة دولة على مدى ثمانية وعشرين يوما متواصلة، تشمل مختلف أشكال الثقافة والفن بمشاركة أسماء بارزة ووازنة من مختلف القارات. إنه الكورفي بالتعبير الفرنسي.
حقا، إن المدن الهامشية، من قبيل أصيلا، أكدت على حقيقة أن المركز ليس وحده الكفيل بلعب أدوار طلائعية في ما يخص التنشيط الثقافي، بل إن هذه المهمة يمكن أن تضطلع بها مدن صغيرة وهامشية، وأبرز دليل على ذلك، مدينة أصيلا، من خلال موسمها الثقافي السنوي.
لقد كان لهذه الدينامية انعكاس إيجابي على المدينة، من حيث البنيات التحتية والجوانب المرتبطة بالبيئة وجمالية الفضاء العمراني ككل، وحتى على السلوك الإنساني الذي اندمج في هذه الدينامية الراسخة.
بفضل هذا الموسم الثقافي السنوي، صارت مدينة أصيلا ذات ارتباط وطيد بالثقافة والفنون، يظهر ذلك من خلال حجم الموسم في حد ذاته والوضع الاعتباري والرمزي لضيوفه وللمشاركين في فعالياته، كما يظهر البعد الثقافي، من خلال تشييد حدائق وفضاءات ثقافية حاملة لأسماء بعض الأدباء والمفكرين: محمد عابد الجابري، الطيب صالح، تشيكايا أوتامسي.. وغيرهم. كما يتجلى انعكاس البعد الثقافي للموسم على الفضاء العام للمدينة من خلال الجداريات التي يتناوب على إنجازها كل سنة فنانون تشكيليون مرموقون من داخل الوطن وخارجه، إلى جانب مجموعة من المواهب الصاعدة، إلى غير ذلك من المظاهر الإيجابية التي ساهمت في خلق إشعاع للمدينة.
لقد كان هذا الموسم الثقافي السنوي سباقا إلى طرح قضايا فكرية للنقاش، من قبيل العولمة في إبان بروزها كمفهوم، وهو اليوم يستمر في هذا المسار الريادي عبر طرحه للنقاش لما بعد العولمة باعتباره طرحا جديدا لهذا المفهوم الإشكالي.
أربعون سنة من وجود الموسم الثقافي لأصيلا، له أكثر من دلالة، إنه عمر النبوءة، ولعل قيمة الأسئلة التي يطرحها للنقاش من خلال لقاءاته الفكرية، ترجمة فعلية لهذا التحول في مساره.

عبد العالي بركات

[email protected]

Related posts

Top