أرفود:الجائحة وقساوة المناخ يعمقان جراح الأشخاص بدون مأوى

استبشر المواطنون خيرا بالأمطار والثلوج التي شهدتها معظم جهات المملكة، إلا أن المشردين و شريحة مهمة من المتسولين لازالوا يعيشون أوضاعا مزرية، تزيد من نكأ جراحهم وعذابهم موجة البرد الذي يعرفه إقليم درعة تافيلالت، ولا من قلوب رحيمة تخفف عنهم وطأة التشرد والتسول في زمن الوباء .
أرصفة الشوارع باردة ومرتع خصب للجراثيم والفيروسات الشرسة يفترشها المنسيون، والخوف الشديد من وباء قد يفتك بصدورهم كما أودى بحياة الكثير من البشر حول العالم، فالفقراء لا يتم تذكرهم إلا عند حلول الانتخابات حيث أصواتهم تثلج صدور أشباه السياسيين.
هي مشاهد تدمي القلب لمشردين ومتسولين ومرضى عقليين يجوبون شوارع مدينة أرفود في هاته الظروف الاستثنائية والمتمثلة في انتشار فيروس كوفيد ،19 غير مبالين لسلامتهم الصحية، العيش كالعلقم، تحولت حياتهم إلى جحيم لا يطاق، البعض منهم فر بحثا عن مأوى يقيه من قساوة الظروف المناخية في أعالي جبال املشيل والضواحي حيث الثلوج والصقيع يقتل، لكن هذا الحلم بعيد المنال .
مظاهر تحكي وتختزن بين طيات يومياتها المعذبة جراحات متسولين وأشخاص دون مأوى يشكلون لوحة محزنة نخرها الفقر والتشرد، فبعدما تم إيواؤهم في الأشهر الأولى من بداية انتشار الوباء، تم التخلي عنهم بعد الحجر الصحي وتركهم يعودون من حيث جاؤوا أرصفة الشوارع الباردة التي استقبلتهم بصدر رحب .
بيان اليوم اقتربت من هؤلاء المعذبين في الأرض في مدينة أرفود، واستمعت إلى بعضهم حيث على مقربة من البنك الشعبي كانت هناك سيدة تلتحف إزارا أسود اللون كظلمة ليل باردة تفترش الكارطون جالسة القرفصاء بجانبها طفلة صغيرة في عمر الزهور تنتعل حذاء نخرة، قرب شباك سحب الأموال تستعطف المارة للحصول على بعض الدراهم.
في حديثها لجريدة بيان اليوم قالت خديجة إنها لم تختر حياة التسول عن إرادتها وإنما ظروفها المادية المزرية كانت السبب الرئيسي في خروجها للشارع لاسيما وأنها سيدة أرملة توفي زوجها وترك لها طفلة صغيرة، كما وتخلى عنها أقرب المقربين ،
ما أقسى الفقر في زمن الوباء تقول خديجة، فهو يجعل المرء يتخلى عن آدميته في سبيل إعالة فلذات كبده، مضيفة في كلامها المتلعتم أن بعض المحسنين قاموا في بداية الوباء بمساعدتها ماديا، لعلمهم أنها لم تتلق الدعم الذي خصصته الدولة لدعم الفئات الهشة .
مشهد مماثل لسيدة أخرى وطفلة صغيرة كانتا جالستين على مقربة من قيادة عرب الصباح، كانت المرأة تترصد كل من هب أو دب أمامها، تستجدي المارة، هي الأخرى لها قصة مختلفة لكن تجمعهما نفس المعاناة من الفقر والعوز.
حالة مشابهة رصدتها جريدة بيان اليوم قرب مركز الشرطة ومحطة الطاكسيات، كان هناك متشرد بثياب رثة، يقبع خلف شجرة باسقة اتخذ من كثافة أغصانها ملجأ له، حيث افترش الكارطون وبعض الأثواب البالية وتوسد نعليه المهترئتين، كان ينفث دخان سيجارته الأنيس الوحيد في أيامه الموحشة والباردة .
أحد سائقي المحطة الطرقية، قال إن هذا الرجل البئيس يعيش منذ سنوات في نفس المكان، مضيفا أنه لا يغادره سوى للبحث عما يسد به رمقه ثم يعود لينام فيه ليلا.
وتساءل عن دور المسؤولين والجمعيات الخيرية إن لم يلتفتوا إلى هذه الشريحة التي تعاني في صمت وعلى مرأى الأعين، ويحسنوا إليها من خلال تأمين مأوى لها في هذه الظروف القاسية.
داخل سوق المخصص لبيع الخضر والفواكه صادفت جريدة بيان اليوم سيدة مسنة أرهقها الهرم والعوز وأناخ عليها بؤس الأيام بكلله، كانت ترتدي جلبابا أسود باليا وحذاء من البلاستيك تجوب سوق الخضر والفواكه بخطوات واهنة تستند إلى عكازها، صامدة في معترك الحياة رغم هوان الصحة، تعلو محياها نظرة بائسة، ترمق المارة بنظرات حزينة وتمد يدها للمارة ليجودوا عليها ببعض الدراهم المعدودات كي تشتري ما تسد به رمقها ، مشهد درامي حزين لسيدة مسنة تعاني وهي في أرذل العمر بدل أن تحظى بالدفئ الأسري، في حديثنا معها صرحت السيدة المسنة أنها لم تختر حياة التسول وإنما أجبرت على فعل ذلك بعدما تخلى عنها أبناؤها، مشيرة أنها كانت تجوب شوارع مدينة الرشيدية قبل مجيئها إلى مدينة أرفود، وأضافت أن الفقر صعب للغاية .
هذه مجرد نماذج قليلة لمستضعفين جار عليهم الزمن، رصدتها بيان اليوم في حين أن هناك الكثير من الأشخاص دون مأوى والمرضى العقليين الذين يتسكعون في أحياء وأزقة المدينة، ويتخذون من الأسواق وقرب المقاهي والأبناك والمساجد أماكن للتسول .
في الواقع إن ظاهرة التشرد تعكس فشل السياسات الاجتماعية، في مجال الرعاية الصحية والإدماج الاقتصادي لفئة عريضة تعاني الفقر في المجتمع. والأنكى من ذلك، انه في غياب الحلول، تتسع الظاهرة لاسيما مع انتشار الجائحة التي تزيد من تعميق جراح هذه الشريحة المهمشة. فلابد من اعتماد مقاربة صحية اجتماعية مندمجة ينخرط فيها كل المعنيين من سلطات محلية ومنتخبة ومصالح خارجية “الصحة والتعاون الوطني والتضامن والأسرة ..” ومجتمع مدني، كما ولابد من توفير مركز اجتماعي فيه شروط الحياة الكريمة، وتمكين هذه الفئات من العيش في ظروف حسنة بعيدا عن افتراش الطرقات .

< فاطمة الهورشمت

Related posts

Top