أسئلة حارقة تتناسل دراميا حول المغرب العميق

> فاطمة علواني / الجزائر
في إطار تظاهرة الويكاند المسرحي للشباب المنظم على مدى ثلاث أيام من 27 إلى 29 بالمركز الثقافي كمال الزبدي بالدار البيضاءالمنظم من طرف مسرح أبعاد، استمتع الجمهور يوم السبت 28 نوفمبر 2015 بالعرض المسرحي «علاش» لفرقة كواليس من تيط مليل، الذي ألفه ووقع إخراجه المبدع عبد الفتاح عشيق، وحركت النص ركحيا وجوه مسرحية واعدة من الجيل الجديد سجلت حضورها القوي وأبدعت في شد انتباه الجمهور إليها ليبحث هو الآخر عن الإجابة على السؤال المطروح الذي اتسم به عنوان المسرحية «علاش؟»، وهو السؤال الذي يخالج أذهاننا في كل حركة، في كل كلمة، وكل مشهد يمر على حياتنا، سؤال يرافق الإنسان منذ ولادته.. هذا ما طرحه العرض لنبدأ في رحلة البحث عن الجواب..  ويعتبر هذا العرض تجربة جديدة تعكس الواقع الحقيقي لمناطق في المغرب العميق والمهمش، حيث تدور أحداثه بإحدى القرى المغربية الأمازيغية النائية إذ عاش أهل القرية مرارة العيش وقسوة الحياة وانتشار أنواع الغبن والحرمان والظلم والجهل الذي أعمى بصيرة سكان القرية. ولب الموضوع يحكي قصة بنت الجبل، الجنس الأنثوي الوحيد في تلك القرية «عايشة» التي تتعرض للتحرش تاركة وراءها ثلاثة أطفال للبحث عن أبيهم المجهول، لتغرق في بركة الدعارة والفساد. وحسب ما كشف الحوار بين الشخصيات فطبيعة الحياة القاسية التي حولت الرجال إلى قطيع من ذئاب متعطشة لا تروي عطشها سوى «عايشة» التي كانت وجهة لإشباع غرائزهم الحيوانية، وإفراغ المكبوتات التي ولدت وعاشت معهم، وتعرية وجه السلطة المستبدة التي تمثلت في غطرسة الفقيه وحرمان الشباب من صنع الحلم.
ما لمسناه من خلال العرض هو أن الممثلين قاموا بتحريك لوحاته بتلقائية محافظين على استحضار ذاكرة الماضي بتسليط الضوء على الجرائم البشعة التي ارتكبها ثلة من الجاهلين في حق المرأة الريفية، وقد اختار المخرج أن يمنح لهم الحرية في الارتجال على الخشبة، ما جعلهم يتمردون على النص ليعكسوا الحقيقة المرة لفظا وفعلا على الخشبة، رغم تجاوز الخط الأحمر في كشف المستور بلغة عامية مغربية، مما قد يجعل الجمهور ينغمس في حيائه، إلا أن هذا الأخير أبدى استحسانا للحضور الركحي للممثلين حيث بدت لغة الحوار إثر تجربة الأولاد الثلاثة مع الفقيه المستبد تجسيدا لمخاوفهم عبر التنفيس عن رعبهم وحرمانهم من الحلم، لهذ الجأ المخرج الكاتب إلى تقنية الحوار الذي يعتمد اللحظة الراهنة في كشف مدى أزمة البطلة «عايشة» التي لم تظهر إلا قليلا، حيث تداول الحوار بين الشباب الذين سيطروا على الخشبة كما يكشف الصراع بين الجنسين )الرجل والمرأة( وبين الجنس الواحد )رجل ورجل(.
ثمة نوع من الترتيب، رغم لجوء الكاتب إلى العبث باللغة والزمن، فقد لاحظنا أن حديث «عايشة» عن الماضي من خلال سرد قصتها للمذيع قد سبق حديثَها عن المستقبل، فالمدة بين الزمنين أظهرت تسلسلا منطقيا في الأحداث من خلال ما جسده أولادها الثلاثة، وهنا يريد المخرج أن يقدم للمتلقي ماضي الشخصية وما عاشته تحت الأنياب البشرية المستذئبة مما انعكس على قراراتها في ترك أبنائها، وإهمالهم رغم أن هذا يتنافى مع الأمومة.
الشيء الجميل في العرض، هو أنه رغم تصوير معاناة المرأة والشباب المختبئ تحت هيمنة الفقيه المتغطرس وتحت طائلة الفقر المذقع والجهل المنتشر، إلا أن الفكاهة كانت حاضرة، حيث خلقت جوا من الفرجة وزادت من جمالية العرض تقنية الإضاءة والموسيقى المرافقة، وحسن توظيف الديكور البسيط الذي تمثل في ستائر شفافة تظهر خيال الممثلين، وأربعة دلاء مفتوحة استعملت في وضعيات عديدة، وميكروفون وظفته «عائشة» في بداية ونهاية العرض في حديث مع المذيع، الشيء الذي دفع الجمهور إلى الانصهار مع مشاهد العرض.
ما يجذب في العرض أن الممثلين في بداية مشوارهم الفني، تظهر طاقاتهم جليا من خلال حضورهم المميز على الخشبة، وتقمصهم الأدوار بدقة وحرفية رغم حدوث بعض الشوائب التي تغلبت عليها جماليات العرض. إلا أن كفة الإيجابيات أثقل من كفة السلبيات، مما يدل على أن للشباب مستقبلا زاهرا في مجال المسرح، فهم لا يمثلون بل يتقنون التمثيل وهذا حبا له وفيه، فحب المسرح يبرق في أعينهم.

Related posts

Top