أساتذة وتلاميذ مجرد ضيوف ووزارة التعليم تردد سنويا.. من أنتم؟

ككل موسم دراسي، تلتحق الأطر الإدارية والتربوية بمؤسساتها التعليمية ومعها التلاميذ، وكأنهم مجرد ضيوف، يلجون تلك المدارس والثانويات لأول مرة. حيث يفرض على كل أستاذة أو إداري التوقيع على محضر استئناف العمل، وتذكير إدارة مؤسسته بسيرته الذاتية والمهنية. كما يفرض على كل تلميذ سلسلة من الوثائق.
كتب على الأطر الإدارية والتربوية أن تنعش ذاكرة وزارة التربية الوطنية، وتذكرها سنويا بمعلومات تختزنها الوزارة داخل حواسيبها ودواليب أقسامها ومصالحها ومديرياتها. كما كتب على تلامذتها أن يعرفوا بأنفسهم، ويدققوا في هوياتهم التي أدلوا بوثائقها عند ولوجهم السنة الأولى ابتدائي. تبادر الوزارة مع بداية كل موسم دراسي أو جامعي إلى طرح سؤال ممل ومحبط (من أنتم؟؟). توحي لهم وكأنها مصابة بمرض النسيان (الزهايمر). وتحملهم مسؤولية الخطأ في معلومات شخصية أو مهنية تخصهم. وهي معلومات تتوفر عليها الإدارة محليا وإقليميا وجهويا. بداية كل موسم دراسي يرغم الأساتذة والإداريين على تذكير الوزارة بكل المعلومات التي تخصهم، سواء منها الشخصية أو المهنية وكل المحطات التي مروا بها داخل مرافق الوزارة ومؤسساتها التعليمية. وهي معلومات تتوفر عليها الوزارة الوصية. ويمكن أن تعود إليها في أي لحظة دون علم أو استشارة موظفيها. لكنها تصر على أن تصلها مع جداول الحصص الزمنية الأسبوعية لكل مدرس وإداري بداية كل موسم دراسي. وتصر على تحميل صاحبها مسؤولية الخطأ في أية معلومة. كما يطلب من الإداري أو المدرس أن يملأ وثائق أخرى تخص بعض الإحصاءات الحكومية. وهو ما يثير استغراب وغضب الشغيلة التعليمية. إزاء ما تعتبره تجاهل الوزارة لها. بل إن ذلك التجاهل يستمر حتى عند حصول الموظف على التقاعد العادي أو النسبي. حيث يطلب منه معلومات تختزنها حواسيب الوزارة. ليرغم الموظف الذي قضى عقود من الزمن داخل دواليبها، على التنقل كالغريب والمجهول بين رفوف الوزارة من أجل تسوية تقاعده والبحث عن معاشه.. التجاهل والتهميش يطال حتى هويات التلامذة. لدى كل تلميذ ملفا خاصا به يحتوي على مجموعة من الوثائق والبيانات الخاصة به، ضمنها عقود الازدياد التي تتضمن تواريخ ميلاد التلامذة وأسمائهم الكاملة. تتواجد تلك الملفات لدى إدارات المؤسسات التعليمية التي يتابعون فيها دراستهم. وبإمكان تلك الإدارات الرجوع إليها من أجل التدقيق في المعلومات الخاصة بكل تلميذ، وتصحيح الأخطاء التي تتضمنها حساباتهم داخل موقع (مسار). لكن الوزارة تبادر إلى إصدار مذكرات تطلب فيها من التلامذة الدخول إلى موقع (مسار) لتصحيح الأخطاء. مجموعة من التلامذة الذين تعرضوا للطرد أو الانقطاع عن الدراسة، حرموا من اجتياز مباريات التوظيف أو التكوين المهني. بسبب احتواء شواهدهم المدرسية على أخطاء في تواريخ الميلاد أو الأسماء.. ووجدوا صعوبة في تصحيحها. بسبب مساطر التصحيح التي تتطلب تدخل الوزارة ولا يحق للمؤسسات التعليمية تصحيحها.
المفروض أن إدارات المؤسسات التعليمية والمديريات الإقليمية للتعليم وأكاديميات التربية والتكوين وأقسام ومصالح الوزارة الوصية.. تحتفظ بكل وثائق وأرشيف أطر وموظفي القطاع. وأن تكون هي ذاكرة الموظف والتلميذ وليس العكس. بل المفروض أن يكون لدى الوزارة الوصية ومرافقها ملفات دقيقة عن كل موظف وتلميذ. لا يتضمن فقط الوثائق المهنية الخاصة بالقطاع. بل تضاف إليها دفاتر صحية وثقافية ورياضية وسلوكية.. دفاتر لتسجيل كل مستجد لدى الموظف والتلميذ.
الدفتر الصحي الخاص بالتلميذ مثلا، والذي يقدمه ولي أمره إلى مدير المدرسة الابتدائية، بمجرد ولوجه إلى القسم التحضيري. مبادرة جادة لكنها تبقى حبرا على ورق بدون أدنى تنفيذ على أرض الواقع. للأسف يتم إهماله طيلة سنوات تدريس التلميذ بالسلكين الابتدائي والثانوية بسلكيه الإعدادي والتأهيلي. حيث لا يتم تسجيل ما يتعرض له التلميذ من أمراض وأعراض وحوادث وأوبئة.. ويضطر بعض التلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا إلى تزوير محتوى الدفتر الصحي لتقديمه ضمن وثائق الخاصة ببعض المدارس والمعاهد العليا.
يلزم التلميذ دفتر ثقافي وفني ورياضي، يؤرخ لمساره الإبداعي في كل المجالات الثقافية والفنية والرياضية. وهو دفتر يمكن الأطر التربوية من متابعة أنشطة التلاميذ وصقل مواهبهم.
نفس الدفترين، يجب أن يتوفر عليهم كل أستاذ أو إداري داخل المؤسسات التعليمية. وأن يكونا لدى إدارة المؤسسة. حتى يتسنى للإدارة معرفة مستوى صحة أطرها. وما يمكن أن يبدعوا فيه مع التلاميذ في إطار الأندية الموازية. التي يجب على كل مؤسسة تعليمية أن تحدثها.. أندية (ثقافية، فنية، بيئية، إعلامية، …). تمكن من الإدماج الجيد والدائم للتلاميذ بالوسط التعليمي. عوض الاكتفاء بتوزيع الحصص المدرسية على الأطر التربوية والتلاميذ. والاكتفاء بفرض الالتزام بها طيلة الأسبوع. بدون أدنى متنفس ثقافي أو فني أو رياضي. فالمدرسة والثانوية لن تكون منتجة إذا ما اكتفت بتقديم البرامج والمناهج التعليمية فقط. وإذا ما استمرت في التعامل مع الأطر التربوية والتلاميذ بمنطق الضيوف والغرباء.. وإذا ما ظلت تصوب مدفعية (من أنتم ؟؟؟)، مطلع كل موسم دراسي..

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top