أشياء لا نتعلمها في المدرسة

بعد رحلة تدوم لأكثر من خمسة عشر عاما في شرنقة التعليم النظامي نطلق أجنحتنا للريح لنكتشف حقولا شاسعة لما نذق رحيقها بعد، ذاك الوقت المنصرم يمثل ما يقارب ربع عمرنا، وهو المتحكم بنسبة كبيرة في جودة حياتنا في الباقي منه.
هناك العديد من المهارات الحياتية المؤثرة التي لم نتعلمها في المدارس بالقدر الكافي، بل تعرفنا عليها لاحقا من خلال تجاربنا الحياتية والمهنية. ولذلك سيكون من المفيد تمريرها لأبنائنا منذ بدء وعيهم على العالم من حولهم.
نتعلم كيف نتعلم

هل فكرتم يوما لماذا يعرض المنهج معلومة بعينها دون غيرها؟ لماذا يسهب في وصف غابات السافانا بينما لا يتعرض مثلا لغابات مونتفيردي بكوستاريكا؟
لطالما حفظنا تلك المعلومات النظرية لنجيب بها ورقة الاختبار النهائي، ثم ننساها لنفسح المجال لغيرها في العام التالي.
ربما قد يكون من الأفضل والأفيد ألا تكون معرفة المعلومات هي غايتنا، بل كيفية الحصول عليها، البحث عنها وتحليلها ومقارنتها واستنتاجها وعرضها هي المهارات التي يجب أن نسعى لها، وفي طريقنا لاكتساب هذه المهارات نتعرض بطبيعة الحال لمعرفة معلومات جديدة كوسيلة مساعدة للوصول لغايتنا، وليست هي الغاية في حد ذاتها، لذلك فطريقة عرض المعلومات واختبارها في التعليم التقليدي لم تنجح في صقلنا بتلك المهارات.
ولكي نتعلم كيف نتعلم علينا بداية أن نتعرف على جهاز التعلم لدينا، المخ، كيف يعمل وكيف يخزن المعلومات، والتقنيات المختلفة لتعلم موضوع ما، والاحتفاظ به في الذاكرة واسترجاعه لعرضه.
علوم الحاسوب

هناك فجوة مريعة بين المنهج المتعلق بعلوم الحاسوب في المدارس وبين ما توصل له العالم في الآونة الأخيرة، حتى مع تطوير المناهج المستمر وما يستلزمه من إجراءات روتينية يظل المنهج متأخرا كثيرا عن اللحاق بتحديثات علوم المعلوميات المتسارعة.
أن يتعلم الطفل كيف يعمل الإنترنت وكيفية إنشاء تطبيق على المتجر الإلكتروني هو بنفس أهمية تعلمه عن عملية التمثيل الضوئي وكيفية توصيل دائرة كهربائية، لا يعني ذلك أننا سنخرج للعالم أفواجا من المبرمجين، فبالرغم من أن مجال البرمجة وهندسة الإلكترونيات يكاد يصل لقمة المهن الأكثر طلبا وانتشارا حول العالم الآن، لكن حتى لو لم يكن هذا هو الهدف الوظيفي فإن تعلم التفكير كعالم كمبيوتر هو مهارة تفيد أي شخص كتعلم الفيزياء أو النحو.
المذهل في الأمر أن المصادر المتاحة لتعلم البرمجة كثيرة، وهناك العديد من الجهات العالمية تدعمها.

القراءة السريعة والكتب المسموعة

البصر والسمع من أهم قنوات استقبال المعلومات لدينا، لذلك نجد ضمن أنماط التعلم النمط البصري والنمط السمعي، أيا كان نمط التعلم لدينا فهناك فرصة بالتأكيد لشحذ مخنا نحو أداء أفضل.
لا شك أن قراءة الكتب من أحد أهم مصادر التعلم والتثقف، الاطلاع على أوراق الأبحاث العلمية والمقالات الموثقة أيضًا مصادر ثرية، لكن مع وتيرة حياتنا المتسارعة لا يكفي أن يستطيع المرء منا أن يقرأ فقط – وهو ما يتم التركيز عليه بالمدرسة – بل أن يقرأ أسرع ويفهم ما يقرأه ويحتفظ به في عقله، ومهارة القراءة السريعة مثلها مثل أي مهارة يمكن اكتسابها بالتدريب وبتعلم تقنيات القراءة السريعة المختلفة وتطبيقها، وهي من المهارات التي من المهم جدا أن يكتسبها الطفل ليس فقط توفيرا للوقت والجهد، بل أيضا لأنها تساعد على تحسين الذاكرة والتفكير المنطقي وزيادة التركيز والثقة بالنفس.
بنفس الأهمية يأتي التعود على الاستفادة من الكتب المسموعة، تخيل قدر التأثير الجيد على حياتك إذا استهلكت وقت مواصلاتك على الأقل في الاستماع إلى كتب أو دورات مفيدة بدلا من السرحان في اللاشيء، أغلب الكتب نجد لها حاليا نسخة مسموعة بجانب المقروء، ويمكننا الاستفادة من هذا الأمر بتعويد أطفالنا على الاستفادة من كليهما.
هناك العديد من الدورات الإلكترونية المجانية المتاحة على الإنترنت عن القراءة السريعة وتقنياتها، كما توفر بعض المواقع اختبارات تقييم وتمارين لاكتساب هذه المهارة.
مهارات البقاء على قيد الحياة

هل شاهدت فيلما عن شخص تعطلت سيارته وانقطعت إشارة هاتفه وسط الغابة؟ أو عن تلوث بيئي أجبر المواطنين على التزام منازلهم لعدة أشهر؟
سواء كنا نعيش في مناطق ريفية أو مدن متحضرة فنحن لا نعرف أبدا ما يمكن أن نتعرض له، هناك العديد من الكوارث الطبيعية التي محتمل التعرض لها، ومن الضروري جدا تعلم المهارات الأساسية للبقاء على قيد الحياة ومساعدة الآخرين، مهارات حقيقية وليس تلك الخدع التي نشاهدها في الأفلام، أن نتعلم كيفية إيجاد الماء أو كيفية إعداد طعام بموارد محدودة، كيف نشعل النار أو نؤمن مأوى، طرق تحديد الاتجاه بدون بوصلة أو تنقية المياه، كل هذه المهارات لم نتعلم عنها في المدرسة، ربما نجدها في المناهج الكشفية، لكن كم منا أتيحت له فرصة الالتحاق بفريق الكشافة؟ هذا بالإضافة لمهارات الإسعافات الأولية والدفاع عن النفس، سيكون جيدا أن يعيش أطفالنا مطمئنين إلى حد ما بمعرفتهم لهذه المهارات المختلفة وسط عالم مليء بالمفاجآت التي ربما تكون غير سارة لهم.
يمكننا تعلم العديد من هذه المهارات من مصادر مفتوحة مثل الأفلام الوثائقية والكتب، أو من دورات وفعاليات متخصصة، لكن الأهم هو التدريب العملي عليها، أنت لن تعرف قدرتك على السباحة ما لم تقفز في المحيط!
إدارة الأموال

في المرحلة الابتدائية في المدرسة نتعلم أن الدرهم يساوي مائة سنتيم، ونتعلم جمع وطرح القيم المختلفة للعملات، وفي مراحل لاحقة قد نتعلم في مادة الاقتصاد عن الميزانية العامة للدولة وتداول الأسهم والسندات، وما بين المرحلتين تكون علاقتنا بالأموال هي أن نشتري بها ما نريد وكفى.
وعندما نكبر نصبح مطالبين بتخطيط ميزانية معيشتنا، بقراءة الفواتير وسدادها، بإدارة حسابنا البنكي وبطاقات الائتمان، دفع الضرائب، سداد القروض والتعامل بالعقود الموثقة، فضلا عن الحصول أصلا على مصدر دخل مناسب وادخار جزء منه واستثمار جزء، كل هذه المتطلبات وأكثر لم نتعلم عنها شيئا في المدرسة، بل وجدنا أنفسنا في مواجهتها بعد أن انقطع مصروفنا اليومي والشهري لأننا أنهينا دراستنا، والآن علينا العمل والاعتماد على أنفسنا.
تعليم إدارة الأموال للأطفال ليس بالشيء الصعب، دمجهم في تخطيط ميزانية المنزل وقراءة الفواتير معهم، تشجيعهم على إيجاد مصدر دخل وإدارة مشاريعهم الصغيرة الخاصة، كيفية الادخار والاستثمار له أثر كبير في إدراكهم لما سيكون عليه الأمر في المستقبل.
التعامل مع الإنترنت

لن نتطرق هنا للحديث عن السن المناسبة للسماح لأطفالنا باستخدام الشاشات الإلكترونية أو التعامل عبر الإنترنت، لكن الواقع يقول إن أغلب الأطفال في سن ما قبل المدرسة يتعاملون مع أجهزة متصلة بالإنترنت بأريحية، وفي سن أكبر بقليل يمتلكون حسابات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك فالتوعية بكيفية التعامل مع المجتمع الإلكتروني هو بنفس أهمية التعامل مع المجتمع الواقعي، بل يمكن أن يفوقه أهمية كون فرصة التخفي في هوية مزيفة أكبر، وكون فرصة الوصول لشرائح متعددة أسهل.
يجب أن يتعلم الأطفال الطريقة الآمنة لمشاركة البيانات، الحد المسموح مشاركته من الحياة الخاصة، أخلاقيات الحوار والرد والتعاطف، وفي المجمل كيفية الاستفادة مما يمتلكه لتحسين حياته ومهاراته بدلا من التأثير عليها سلبيا.

أساسيات الطبخ

رغم أنه شائع أن نفخر بطفل صغير عندما يعد لنفسه لأول مرة شطيرة مربى أو يصب الحليب على حبوب الفطور، لكن هذا لن يكفيه مستقبلا، فحين يلجأ للوجبات الجاهزة للتسخين في الميكرويف أو المعجنات الصينية سريعة التحضير فلن يكون ذلك مصدر فخر أبدا.
لا نريد أطفالا من مستوى برنامج «ماستر شيف جونيور»، لكن هناك أساسيات في الطبخ يمكن تعليمها للأطفال مبكرا تمكنهم من إعداد وجبات مغذية لهم مستقبلا، يمكنكم البدء بتعليمهم مهارات أساسية مثل استخدام أدوات وأجهزة المطبخ المختلفة، ثم تعليمهم بعض تقنيات الطبخ الأساسية مثل السلق أو القلي أو الشواء أو التسوية على البخار، وتأكدوا من معرفتهم لعدة وصفات بسيطة يمكنهم إتمامها بأنفسهم.

الصيانة المنزلية

فقط عندما نصيح أمهات وآباء في منازلنا ندرك تماما أهمية تعلم مهارات صيانة المنزل والإصلاحات البسيطة التي توفر الكثير من الوقت والمال، كما أنها تزيد شعور الانتماء للمنزل والإحساس بالمسئولية.
إصلاح الأخشاب بالغراء والحديد بجهاز اللحام، تسليك بالوعات الصرف أو تغيير محبس الصنبور وغيرها كثير من المهارات التي يمكن أن يكتسبها الأطفال بسهولة إذا قدمناها لهم بطريقة عملية.

Related posts

Top