أكاديميون ومترجمون يبحثون بالدوحة إشكالات الترجمة والمثاقفة

انكب أكاديميون ومترجمون يمثلون مجموعة من الدول من بينها المغرب على مدى يومين بالدوحة على بحث مختلف جوانب “الترجمة وإشكالات المثاقفة”.
 وتطرق المشاركون في الدورة التاسعة للمؤتمر الدولي حول الترجمة وإشكالات المثاقفة الذي نظمه منتدى العلاقات العربية والدولية يومي السبت والأحد على سبر أغوار عدد من المحاور، من أهمها، الترجمة العربية/ التركية، الترجمة العربية من وإلى اللغات الكازاخية والفيتنامية والرومانية والسواحلية وبهاسا إندونيسيا، ترجمة المؤلف لأعماله.. إشكالات الترجمة الذاتية، رواد الترجمة العربية في نصف القرن الأخير: دراسات تقييمية/ تقويمية.
 كما انكب المشاركون على بحث المفاهيم الفلسفية الغربية والعربية المعاصرة، وترجمة روائع الأدب العالمي إلى العربية، والحاجة إلى إعادة ترجمتها (دانتي، سرفانتس، شكسبير، دوستويفسكي، بودلير، غوته، جويس، بيكيت، حكمت، باموك)، وأخطاء المستشرقين في ترجمة التراث الفكري العربي وضرورة تصويبها، وترجمات الحديث الشريف والحاجة إلى إعادة ترجمته، وعثرات المترجمين وضرورة إيجاد هيئة علمية متخصصة لإجازة الترجمات النوعية، والترجمة وصناعة القواميس والذكاء الاصطناعي، والترجمة في زمن الجوائح والأزمات والحروب.
 وفي مداخلة له خلال الجلسة الثانية من الندوة والتي عالجت موضوع “الترجمة الشخصية” أبرز الكاتب والمترجم المغربي، الأستاذ بكلية الآداب بالرباط، عبد السلام بنعبد العالي من خلال مداخلة بعنوان “عندما تغدو النسخة أصلا، الترجمة الشخصية: ترجمة أم إعادة كتابة؟” أن الترجمة الذاتية لاتكفي بأن تعيد النظر في ما يسمى باللغة الأم بل إنها تضع موضع سؤال التمييز بين المؤلف والمترجم بين الإبداع والترجمة بين الأصل والنسخة، أو لنقل، على الأقل إن مفهوم الأصل يفقد فيها القيمة التي كانت تعطى إياه.
 وقال إنه عندما يدخل المؤلف تعديلا على نصه عند نقله إلى لغة أخرى “لا نقول إنه يخون النص في هذه الحالة، بل نكتفي بالقول إنه يعدله، أو يعيد كتابته. كأن النسخة هنا لا تتقيد بأصل. أو لنقل، على الأقل، إن النسخة تفقد هنا دونيتها كي تغدو مكافئة للأصل. لعل ذلك ما دفع ببعض الدراسين إلى القول إن الأصل في هذا النوع من الترجمة يوجد بين لغتين وهم يستدلون على ذلك بحالة صامويل بيكيت “إذ عندما ما قدمت له الأكاديمية السويدية جائزة نوبل فإنها أخذت بعين الاعتبار مؤلفاته جميعها الفرنسية والإنجليزية فكأنما اعتبرت النص الأصلي بين اللغتين”.
  وبخصوص اللغتين اللتين يعتمدهما المؤلف أوضح الأستاذ بنعبد العالي أن بعض المؤلفين يلجؤون إلى نقل مؤلفاتهم إلى لغة أخرى لما يلمسونه بين اللغتين من فروق كما هو الحال بالنسبة للترجمات الذاتية لصامويل بيكيت موضحا أن الكاتب الايرلندي لم يكن ليختار لغة الأصل جزافا أو لأسباب بعيدة عن الكتابة . وقال إن كان بيكيت “ينطلق في رواياته من الفرنسية فلجماليتها المتقشفة كما بين احد النقاد وإن كان في مسرحيته ينطلق من اللغة الإنجليزية فلبراعة خطابها، هذا إن سلمنا أنه ينطلق من نص أصل كما سبق أن رأينا إذا انه وكما بين بعض المهتمين بإعماله لم يكن يتعامل مع النصين واللغتين كمترجم ولم يكن يشعر في الحالتين كلتيهما أنه أمام نصوص مكتملة فهو كان يعيد الكتابة حتى وهو يترجم ولم تكن الترجمة الذاتية عنده إلا إعادة كتابة”.
 وقال إن الأمر يتعلق إذا بمكانة اللغة، والقيمة التي تعطى إياها أدبيا والتي تعود لعراقتها وقيمة أشعارها، ورقي إبداعاتها وتقاليدها، والمفعولات الأدبية المتوقفة على مترجميها.
 أما عمر التاور الأستاذ الباحث بجامعة ابن زهر فتوقف خلال الجلسة الخامسة عند “معضلات ترجمة بعض المفاهيم الفلسفية الغربية المعاصرة إلى اللغة العربية” مؤكدا أن أولى هذه المعضلات يتمثل في الترجمة الحرفية لبعض المفاهيم الغربية التي زاغت بها عن دلالاتها في سياقتها الفلسفية.
 وأضاف أن ثاني المعضلات يتجلى في الترجمة التقابلية للمفاهيم الفلسفية الغربية بالبحث عما يقابلها في اللغة العربية أو التراث العربي، فيما المعضلة الثالثة هي الترجمة البلاغية للمفاهيم الفلسفية الغربية والتي تسعى إلى إضفاء بعد جمالي على اللفظ لا إلى نقل المعنى.
 وبين الأستاذ التاور في بحثه أن إعمال الترجمة الحرفية والتقابلية والبلاغية “ليست بالضرورة ترجمات سلبية بل قد تكون ايجابية في مجالات أخرى غير مجال نقل المفاهيم الفلسفية، لأن للفلسفة وضع خاص” موضحا أن مفاهيمها لغتها، ولغتها معان لا ألفاظ والأصل أن ينقل المترجم المعاني لا الألفاظ إذ اللفظ غير مقصود لذاته في الفلسفة.
 كما بين من خلال بحثه أن الباعث على إخفاق بعض النماذج الترجمية هو عدم عنايتها بدلالة المفاهيم الفلسفية، مبرزا أن لمفاهيم الفلسفية ليست مجرد كلمات أو ألفاظ نضع لها مقابلا في اللغة المنقول إليها “بل هي ألفاظ حاملة للمعاني ويفترض في الترجمة أن تنقل هذا المعنى وهو ما لايمكن أن يتأتى إلا بالجمع بين التكوين الفلسفي والخبرة الترجمية”.

Related posts

Top