ألعاب إلكترونية تنقل الإدمان من العالم الواقعي إلى الافتراضي

انتشرت في السنوات الأخيرة العديد من الألعاب الإلكترونية، سواء على الحواسيب أو الأجهزة الخاصة بالألعاب، أو على الهواتف الذكية، وأغلبها مجانية مما أصبح يجعلها متاحة للجميع وسهلة الولوج، خاصة في ظل وفرة الهواتف الذكية وتناسب قيمتها المادية مع القدرة الشرائية لمختلف فئات وأفراد المجتمع.
وتواكب الألعاب الإلكترونية بدورها التطور التكنولوجي والمعلوماتي. وفي ظل انتشار الإنترنت وإمكانية الولوج من طرف الأغلبية على الأجهزة الإلكترونية، تم إنتاج وتصميم ألعاب إلكترونية تتيح اللعب بشكل مباشر، ويمكن من خلالها اللعب مع أشخاص آخرين من نقاط مختلفة عبر بقاع العالم، يجمعهم العالم الافتراضي.
ووصل تطور الألعاب الإلكترونية إلى درجة إنتاج لعب يتم فيها اللعب على شكل مجموعات، يمكن من خلاها دخول أصدقاء من العالم الواقعي على اللعبة الافتراضية وتشكيل فريق، ليدخل الجمبع إلى اللعبة ويلعبوا جماعة ضد فرق أخرى ليكون التحدي حول البقاء إن كانت لعبة حربية، أو الفوز إن كانت لعبة سباق أو غير ذلك، بل يمكن أيضا لمجموعة الأصدقاء هاته التواصل بالصوت أثناء اللعبة التي تجعلهم إلى حد كبير يشعرون أنهم في عالم آخر غير عالمهم وكأنه واقعي بدوره، حيث يتفاعلون مع اللعبة بشكل كبير.
وإذا كانت الألعاب تعد إلى حد ما مسلية ووسيلة لملئ الفراغ والترويح عن النفس، فإنها قد تصل إلى إدخال الإنسان بمختلف فئاته العمرية في حالة إدمان، تجعله غير قادر عن الابتعاد على جهازه الإلكتروني، ويأخذ أغلب وقته، مما يؤثر بشكل واضح على حياته الطبيعية، بل يمكن أن يصل التأثير إلى صحته النفسية والجسدية…
تحارب فيها أزيد من خمسين شخصا يلعبون بدورهم بشكل مباشر en ligne على اللعبة عن طريق اتصالهم بالشبكة العنكبوتية. وسيطرت هذه اللعبة على مجموعة من الشباب المغاربة الذين أصبحوا مهووسين بها، ولا يستطيعون الابتعاد عنها، حيث يتصلون باللعبة خلال دوامهم بالعمل، ووسط أسرتهم، وفي المقهى رفقة أصدقائهم، مما وفي هذا السياق، انتشرت بشكل كبير لعبتين تحت اسم فري فاير» Free Fire» وبوبجي PUBG على أجهزة الهواتف، سواء التي تعمل بنظام الأندرويد أو ios، وهي لعبة تركز على النجاة والبقاء كآخر شخص يقف على قدميه على جزيرة جعل الأمر يدخل إلى خانة الخطر، مما يستلزم معه التطرق لمثل هذه الألعاب والتحذير من خطورتها على الجميع، مهما اختلفت الأعمار.
وحاولت جريدة بيان اليوم تقديم تفاصيل عن هذه اللعبة تحذيرا من الإدمان عليها، كما تم التواصل مع مختصين في المجال النفسي والصحي للوقوف على الأخطار المحدقة بمدمني هذه الألعاب.

سجن افتراضي للشباب والأطفال يدر الملايير على السجان

دخل مجموعة ممن قاموا بتثبيت اللعبتين على هواتفهم، بغض النظر عن أعمارهم، في حالة إدمان كبير على هذه اللعبة، خاصة منهم عشاق المغامرة والتحدي، مما جعلهم متصلين بجهاز الهاتف لساعات طويلة غير آبهين بخطورته على صحتهم وحياتهم الاجتماعية والمهنية.
وعاينت جريدة “بيان اليوم” بشكل مباشر نموذجين لهؤلاء المهتمين باللعبة أحدهما شاب عشريني عازب، والآخر ثلاثيني متزوج.
بحكي الشاب الثلاثيني الموظف والمتزوج، رفض الكشف عن هويته، أن هذه اللعبة أغنته عن الاتصال بمواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل الفوري، مشيرا إلى أن جل وقته أصبح مخصصا لهذه اللعبة حتى أنها دفعته إلى اقتناء هاتف جديد بخصائص جيدة بحثا عن الاستمتاع بشكل أكبر بهذه اللعبة.
وأضاف الشباب نفسه، أنه أثناء العمل ينتظر فقط الفرصة السانحة ليسترق بعض الوقت حتى يتصل بعالمه الافتراضي المتمثل في هذه اللعبة الإلكترونية، مضيفا أنه حتى داخل البيت أصبح يعتكف أمام هاتفه ويزعجه كل من حاول إخراجه من عالمه الافتراضي للعودة به إلى العالم الواقعي. وأكد الشاب ذاته، أن هذه اللعبة شكلت له بعضا من المشاكل في عمله وفي حياته الأسرية أيضا.
من جهته، عبر الشاب العشريني عن ارتباطه الشديد واهتمامه بهذه اللعبة في حديثه مع جريدة “بيان اليوم” وهو منهمك في مقاتلة الأعداء الافتراضيين على هاتفه.
وتابع أن هذه اللعبة تأخذه إلى عالم آخر، خاصة أنه يمكن أن يتواصل من خلالها مع من يلعب معهم ضمن المجموعة.

أضرار صحية

لا غرو أن الاستعمال غير المعقلن للأجهزة الإلكترونية، ومن بينها الهاتف يؤثر على صحة الإنسان، مما يمكن معه تصنيف هذه اللعبة ضمن خانة الخطر على صحة الإنسان نظرا لأنها تجعلك ترتبط بالهاتف لوقت طويل وغير محدد، وبالتالي فهي مضرة بالصحة.
وتجدر الإشارة إلى أن الهاتف المحمول له عدة أضرار على صحة الإنسان من بينها الشعور المستمر بالصداع، وضعف التركيز، ودخول الإنسان في حالة هستيرية عصبية نظرا لتركيزه الزائد على اللعبة.
وكشفت مصادر صحية أن للهاتف أضرارا على صحة القلب والأوعية الدموية حيث إن الإشعاعات المنبعثة من الهاتف تؤثر على كريات الدم الحمراء الحاملة للهيموجلوبين وبالتالي تزيد من خطر الإصابة بالأمراض إضافة إلى التسبب بحدوث اضطرابات بالجهاز العصبي، كالتأثير على حاسة التذوق، ثم التغيير في مستويات الهرمونات.

نشر العنف

يبدأ العنف مع هذه الألعاب الإلكترونية مع الارتباط الشديد بها، الذي يجعل المدمن عليها يرى كل من حوله مزعجا له باعتباره يفصله عن عالمه الافتراضي، ويفقده تركيزه مع اللعبة، وبالتالي قد يرى کل المحيطين به أعداء له.
من جهة أخرى تشجع هذه الألعاب الإلكترونية نفسها على العنف، حيث أن اللاعب يقاتل أشخاصا واقعيين تلتقيهم على اللعبة الافتراضية وبالتالي تتربى في داخل الإنسان الرغبة في القتل وممارسة العنف إضافة إلى زرع ملكة البقاء والاستمرار على حساب الآخر، خاصة أن اللعبة تقوم على مبدأ القتل حتى تستمر في الحياة على الجزيرة.

استنزاف للجيوب وتحقيق إيرادات طائلة

لا غروة أن لعبة “فريفاير” و”ببجي” هي من أكثر الألعاب تسببا في إدمان المراهقين والشباب على الإنترنت. وبالرغم من كونها مضيعة للوقت، وتسببت بالكثير من المشاكل بين الآباء وأبنائهم على غرار مشكلة المراهق الهندي من مدينة بنجاب الذي أنفق 2500 دولار على لعبة ببجي بدون إذن والديه. إلا أنها تدر أموالا طائلة على الشركات المنتجة لهذه الألعاب من جهة، أو بعض الشباب مالكي القنوات على اليوتوب.
وتشير الإحصائيات على موقع Sensor Tower إلى تجاوز أرباح ببجي 1.3 مليار دولار من النسخة الصينية والنسخة الأصلية أما المجموع الكلي للأرباح فبلغ 3 مليار دولار من جميع النسخ هذا فقط منذ بداية سنة 2020.
وتعود هذه الزيادة في الأرباح إلى إنفاق اللاعبين على اللعبة من خلال الشراء الداخلي لشحن الرويل باس وكذلك الإنفاق على المشتريات الأخرى، حيث أن أغلب اللاعبين هم من فئة الأطفال والمراهقين والذين يجبرون آبائهم على الشراء من داخل اللعبة كما فعل المراهق الهندي والذي أنفق 2500 دولار دون علم والديه.
وكما تمت الإشارة إليه آنفا، فمعظم محبي ألعاب القتال عبر الهواتف الذكية تجد في هواتفهم إحدى لعبتين، فورت نايت أو PUBG، إن لم تكن كليهما. وهذه الألعاب ضمن أعلى ألعاب القتال إيراداً عبر الهواتف الذكية، وبحسب إحدى الدراسات الصادرة سنة 2019، فإن أعلى 5 ألعاب قتال حققت عائدات تفوق ملياري دولار خلال أقل من عامين!.
وحسب شركة sensor tower لأبحاث تطبيقات الموبايل فإن لعبة Knives Out حققت 643 مليون دولار منذ إطلاقها في نونبر 2017 وهي لعبة ذات شعبية كبيرة في السوق الصيني.
وفي المركز الثاني جاءت لعبة فورت نايت. ووفق تقديرات متجر iOS حققت أكثر من 630 مليون دولار.
وفي المركز الثالثا، حلّت لعبة PUBG بإيرادات تفوق 438 مليون دولار بفضل 100 مليون لاعب نشط، وبعدها تخطت لعبة Garena Free Fire عتبة 250 مليون دولار، وأخيراً لعبة Rules of Survival التي تقترب من 100 مليون دولار.
وعن الفترة الحالية من السنة وخلال الأشهر الخمسة الأولى منها حققت هذه الألعاب الخمسة 476 مليون دولار، ثلثها فقط تعود للعبة PUBG، وبهذا تكون قد نمت عائداتها 63% مقارنة بالربع السابق.
الجدير بالذكر أن أكبر هذه الألعاب مازالت غير متاحة في واحد من أهم وأكبر الأسواق في العالم وهو الصين، فمثلا لعبة فورت نايت قد تطلق هناك بحلول نهاية العام الجاري، أما لعبة PUBG فقد أصبحت متاحة باسم Game for Peace وبالكاد بدأت بتحقيق الأرباح.
ورغم أن هذه الألعاب متاحة بالمجان، إلا أن عدد من الخصائص تطرحها بمقابل مادي، والتي لا يتردد مدمني هذه الألعاب في شرائها، إشباعا لشغفهم ورغباتهم في تطوير قدراتهم القتالية على العالم الافتراضي، وهو ما كشفه عدد من الشباب والأطفال المغاربة، حيث تتراوح نفقاتهم المادية على اللعبة منذ تثبيتها من 1000 إلى 5000 درهم.
من جهة أخرى وكما تمت الإشارة إليه، في الوقت الذي يخسر فيه مدمنين على اللعبة أموالا طائلة، فقد استغل شباب آخرين الاهتمام الكبير على هذه الألعاب، وأطلقوا قنوات على اليوتوب خاصة بشرح هذه الألعاب واستعراض إنجازاتهم، والتي باتت تصل إيراداتها إلى 10000 درهم شهريا على أصحابها.

***

الدكتور مصطفى مودن: جائحة كورونا وفرض الحجر المنزلي كانت لهما آثار سلبية على الحياة الاجتماعية للأفراد تجلت في قتل الوقت بالهروب للألعاب الإلكترونية والإدمان عليها

الدكتور مودن مصطفى

قال الدكتور مودن مصطفى، طبيب عام مجاز في علاج داء السكري والتغذية العلاجية، إنه مع ظهور التكنولوجيا الحديثة أغرقت الأسواق بالعديد من الألعاب القتالية التي أصبحت في متناول الأطفال بجميع فئات أعمارهم خصوصا لعبة الفري فاير التي انتشرت بسرعة في شتى أنحاء العالم حتى أصبح الشباب،إلى جانب الأطفال مدمنين عليها.
وتابع الدكتور مودن، في تصريح خص به جريدة “بيان اليوم، أنه إلى جانب هذه اللعبة هناك لعب أخرى كالبابجي أو الفورتنيت أو غيرها من اللعب التي تعتمد على الفنون القتالية والمغامرة حيث تقوم بإنزال مجموعة من اللاعبين في مكان واحد بحثا عن الموارد والأسلحة للتربص وقتل الخصوم الذين يعترضونهم في محاولة للبقاء كآخر شخص حي على أرض المعركة، موضحا أن هذه الألعاب يمكن أن يلعبها الإنسان لوحده أو ضمن مجموعته الخاصة.
وأبرز الدكتور مودن أن “هذه الألعاب استطاعت التحكم في عقول كل من يلعبها ببصمة طابع عنيف مما يجعلنا نصنفها من الألعاب الخطيرة المسببة للإدمان حيث يتشبع المدمن بالقسوة والعداء والتعطش لغلبة خصمه وقتله”.
وأوضح الدكتور مودن أن هذا الإدمان يتمثل في الاعتياد المستمر لدى الشخص على ممارسة اللعبة عبر هاتفه الذكي أو لوحته الالكترونية بشكل دائم، ويؤثر على نشاطه الطبيعي بحيث يفصله بصفة دائمة عن الحياة الطبيعية مخلفا حالة من التعلق الشديد بتلك الألعاب التي تحتل وجدانه في يقضته ونومه مما تجعله في حالة سلوكية ونفسية ينتج عنها العديد من الآثار السلبية التي تخلف العديد من الإضرار النفسية، والاجتماعية والصحية شديدة الخطورة على الفرد والمجتمع.
وقال المتحدث نفسه إن الحديث عن إدمان الألعاب الإلكترونية يجرنا إلى الحديث على أسبابه وأخطاره وبالتالي إيجاد الحلول له، مشيرا إلى أنه من أسباب الإدمان عند الطفل إحساسه بالقوة ونشوة الانتصار التي طالما يفتقدها في حياته الواقعية فتجتاحه فرحة قوية كلما قتل الخصم وانتصر عليه، ثم وجود فراغ في الوقت اليومي وسوء استغلاله في الأمور النفعية، إضافة إلى الهروب من عالم واقعي تثقله المشاكل إلى عالم افتراضي يحقق فيه ذاته المرحة.
وأضاف الدكتور مودن أنه من بين الأسباب أيضا غياب التواصل العائلي وانشغال الآباء بحياتهم اليومية دون الاهتمام بأطفالهم، ومحاولة تخلص الامهات من أطفالهم للقيام بأعمالهم سواء داخل أو خارج المنزل.
أما أضرار الإدمان على الألعاب الإلكترونية فتكمن حسب الدكتور مودن، في تكوين شخصية عنيفة مع سلوك عدواني يضر بالصحة النفسية للمدمن ويكون له انعكاسات اجتماعية خطيرة تؤدي للانحراف، ثم التركيز الطويل على الشاشة الالكترونية التي تستعمل تقنية الضوء الأزرق يؤثر سلبيا على العين بجهادها مع توتر واضطراب في النوم “وهنا لايفوتني استعراض حالات لأطفال ينهضون من النوم في وضعية التسديد وكأنهم يحملون مسدسا يريدون قتل الخصم”.
وأشار الدكتور مودن أيضا إلى الخمول وغياب الحركة الذي تترتب عليه السمنة وضعف العضلات، وضعف في عضلات المثانة الناتج عن إمساك البول لمدة طويلة، ثم ظهور أعراض الاكتئاب الذي قد يؤدي إلى الانتحار..، إلى جانب ضعف التحصيل الدراسي، وإهمال الفروض والواجبات المدرسية.
وأكد الدكتور مودن أنه مما لاشك فيه أن جائحة كورونا وفرض الحجر المنزلي كانت لهما آثار سلبية على الحياة الاجتماعية للأفراد تجلت في قتل الوقت بالهروب للألعاب الالكترونية والإدمان عليها من طرف الأطفال والكبار، مستطردا أن عدد اللاعبين ارتفع من 60 مليون لاعب يومي في شهر مارس إلى 80 مليون لاعب في شهر ماي، وأن هذا الارتفاع في العدد لم يأت من فراغ، فالشركات المنتجة لهذه الألعاب تطور منتوجها لجعل الأفراد يدمون عليها بطريقة خطيرة مما أدى بالمنظمة العالمية للصحة لتصنيف هذا النوع من الإدمان في خانة الأمراض العقلية.
وشدد مصطفى مودن على أن العلاج من هذا الإدمان يستدعي وعي الشخص ومعرفته على أنه مدمن بعدها يحتاج للاستعانة بالغير للخروج من أزمته، مؤكدا على أن أفضل طريقة تكمن في استثمار الوقت الفارغ في أنشطة حياتية أخرى كالرياضة وإنشاء علاقات اجتماعية واقعية بعيدة عن العالم الافتراضي.
وأضاف الدكتور مودن أنه بالنسبة للأطفال يجب تجنيبهم الشدة والعنف من خلال العمل على إخراجهم من الإدمان، وربط علاقة صداقة نعهم يسودها التفاهم والاطمئنان المتبادل مع دفعه لترشيد الوقت اليومي واستغلاله في الوسائل المفيدة.

> إنجاز عبد الصمد ادنيدن / رضا إد القاضي / إناس الدوا

Related posts

Top