أمنيتي خدعة وأحلامي واحات من سراب

هناك ألم يطفئ فينا الثقة بالبشر، ويجعلنا محاولة صغيرة في غمرة هذا الغرق.

نقشر رتابة الوقت بأظافر الشوق، فنحب الحياة بالتقسيط المريح، لأن قانون العشق لا يحمي المغفّلين عند دفع فواتير النهايات، وهناك ألم يُبقينا في حالة اشتعال، لا تهدأ معه نيران قلوبنا، ليصير الألم كوهج التنور صاعقة تضربنا فجأة .

حتى وإن لم يكن من المتوقع حدوثها، نبدٌد عفونة الضجر برشٌة حلم، من هنا إلى هناااااك،  لندرك أنّ الحب منذور بالتّرك والمغادرة، ويبقى الألم تحدٍّ كبير بحاجة لقرار عدم الالتفات للوراء في لحظات التعب مهما تعالى صراخ النّداء..

فالهدف الضائع يا صديقي ومُجمل العلاقات في شباك هذه الحياة ما عادت في زماننا هذا كما عهِدناها، أصبحت معظم العلاقات مصالح شخصية والحب صار في خبر كان..

فماذا بقي بعد أيتها المحاولة؟

تمُر أيامٌ علينا نفقِد شغفنا فيها اتجاه كل شيء لتظل مرمية، لا نرغب فيها بشيء مهما بحثنا بداخلها  فنبقى عالقين على سطح الأشياء كلها، لا نقترب، لا نتعمّق، لا نتحرّك ولا نخاطِب أحد أبداً، نريد أن ننسى ببساطة كل ما حدثَ معنا، أن نتناسى أمنياتنا وأحلامنا المحبَطة، نحتاج فقط للتوقّف عن البحث عمّا نريده في وجودنا المُرهق..

لدي فكرة جميلة في رأسي، أهتم بها وكأنها فتاتي الصغيرة، أراقبها منذ مدة طويلة طويلة جدا.

ربما منذ اللحظة الأولى التي خلقت فيها، أراقبها وكأنها من صلبي، وأستيقظ معها عندما تستيقظ جائعة في الليل، أربت على ظهرها وأهزها لتنام وهكذا أستطيع العودة للنوم،

لدي فكرة جميلة وفاتنة في رأسي، أحبها وكأنها حب حياتي الذي لطالما أبحث عنه، وكأن أجمل ما يمكن أن يحتويه هذا الكون، أنتظرها بشغف كل يوم حين تمر مسرعة أحياناً، فقط لألمحها للحظات، لحظات قليلة، كحظي.

ومتى أتوقف عن التذمّر من الذكريات التي لم أُسهِم في صناعتها؟

ولم يكن لي يدٌ فيما حدث .

لقد كنتُ الحدث !

وحين قررت أن أبوح لها بحبي، انتظرت ككل العشاق في المكان المعهود فاردا ابتسامتي كجناحي عصفور، عصفور وحيد سعيد، و لم تأتِ.

فأقسى أنواع التجمّد. يا صديقي ..هو تجمّد مشاعرنا في الأعماق..لا نحب… ولا نكره!

لسنا من السعداء ولا من التعساء.. وقوف في المنتصف.. فلا ضحكتنا لها رونقها…. ولا بكاؤنا له غصة.. فقط اختناق..

وحينما تتجمّد تلك المشاعر.. حينها فقط نصبح بقايا مزقتها مرارة الفشل ومرارة الخذلان وشتتها وبعثرتها خيبات الآمال..

ما بالُها أيامنا باتت ثقيلة، لا الشهور شهور ولا السنين أعواماً، حتى الوقت ما عادَ ينقضي سريعاً ولا اللحظات ما عُدنا نستعذِب مرورها، كل دقيقة نحمِل هواتفنا بأيدينا بأعين متثاقلة وأنامِل متعبة باحثين عن شيء لا ندري ما هو، نعيش نفس الأيام بأحداث متشابهة ولحظات مُكرّرة مُعادة، اجتاح الملل حياتنا وتجذّرَ في أوطاننا، قتلنا الكلل وأبعدَنا عن الحياة، سرقنا من أنفسنا حتى أصبحنا يتامى، نمضي بخطوات متثاقلة، ننظر بجمود اتجاه كل شيء، أمسَينا كجثث تُرِكَت بينَ الرّكام، نعيش نفس اليوم في أيام أخرى، لا شيء يتغيّر، المكان هو المكان والحدَث نفسه.. كأنّ الحياة تُعيد السيناريو علينا، أو أننا اعتَدنا أن تُعاد أيامنا دونَ اعتِراض منّا، دونَ أن نشعُر أننا نفقد جزء من أنفسنا عند كل لحظة إعادة..

خلقنا الله أحراراً وتمَّ استعبادَنا. فلا تلومونا على هذا، فنحنُ في واقع يحكمُهُ قانون الغاب

أحبَطونا في آمالِنا وسرقوا منّا أحلامنا..

لم نجد منهم تشجيع واختاروا لنا حياتنا..

ضحكاتنا البريئة افتقدناها.. إيماننا بأنفُسَنا تلاشىَ..

ترى، ماذا نقول للذين صفّقوا دون أن نراهم في المُدرّجات الخلفيّة ..

عندما قرأنا عليهم قصائدنا؟

أصبحنا نشُك بكُل خطوة في حياتنا.. لم نر منهم سوى اللوم والتذمّر من أفعالنا.. لم يسألونا يوماً عمّا كتمناهُ وأبكانا..

عشنا ما لا نُريد ونِلنا ما لا نستحِق.. ما عُدنا نشكو وحدة كي لا يُسجّل علينا عاراً..

حياتنا لم تأتِ يوماً على هوانا..

نسألُ الله الكريم أن يكون لنا في الجنة مكانا..

قَسَونا على ماضينا حين خجِلنا من المجاهرة فيه، فأطفَأنا أنواره ومنعنا أحد الاقتراب منه، وحظَرنا التجَوّل في تفاصيله وحوّلناه إلى محطة سرية ليسَ فيها أحد سِوانا.. أرهَقنا أرواحنا بسبب الحزن المُتَبقّي بداخِلنا وحمّلنا أنفسَنا فوقَ طاقتها في أشياء لم يكن لنا ذنباً فيها، لجَأنا للصمت والكتمان وتعلّقنا بكل شيء يُؤذينا، الآن نحنُ نحتاج أن نترك كل شيء، فالمكسَب في الانسحاب.. ما عُدنا نحتمِل أي خسائر جديدة.. فاتَ ما فات، ومضى ما مضى ونحن على عتبة الماضي نتأَوّه من حنين الذكريات..

غادرتني دون أن أعي أنّني أُطعِم النار من أضلعي وتركت نفسي تسحَر بأحلامي !

بعد مِئات الطرق المقطوعة، المشاعر المذروفة، الكلمات النابعة من أعماق القلب بصدق؛ اعتكفتُ على نفسي واجِمة الفِكر متبلّدة الشعور، يعتريني بعضاً من الخِذلان المُبهم ممزوجاً بشيءٍ من الأسف على أيام عُمري التي انقضت بلا فائدة.. كنت أتورّط في شعوذتها بملئ قلبي.

بمكابرة مُقامرة، وكبرياء كولونيل لا تهزم. كنت أخسر معاركي على أرضي أُعجَب بها وأنقُم على إعجابي بها !

في البدء أردت أن أكرهها ..

ولكنّي أحببتها !

الآن ما عُدتُ أشرح شيئاً، لقد اكتفَيتُ بمشاهدة كل الأشياء وهي تأتي وتذهب، أدركتُ عدم أهميّتي حينَ لم يلاحظ أحد لحظات الانطفاء بداخلي..

لدي فكرة جميلة ومثيرة في رأسي، أكرهها وكأنها عدوي الأوحد، وكأنها من ارتكبت كل هذا الدم، كلما رأيتها ينتصب الشعر في جسدي، بركان من الغضب يضرب صدري، أريد أن أمزقها، أن أحرقها، أن أنتهي من وجودها المزعج في هذا الكون، وعندما قررت وحسمت أمري.

ذهبت إلى المكان الذي يمكن أن أجدها به .

لقمت السلاح الذي لدي

ضغطت على الزناد

وانتهيت.

لا أدري فعلا ….

كيف استطاعت النجاة؟

حدّقت بالموتِ طويلاً، بصمت يعادله الذعر والحنان ثم حدّقَت بهِ حتى رَمَشتْ عينُ الموت.

هند بومديان

Related posts

Top