أول قمة عربية أوروبية.. نتائج متواضعة وسط تحديات كبيرة

عُقدت القمة العربية ـ الأوروبية الأولى في شرم الشيخ بمصر (24 و25/2)، تحت شعار «الاستثمار في الاستقرار». وسيطرت عليها أجواء دبلوماسية مرنة، فلم تبرز فيها خلافات وتوترات كبرى. كما لم يخرج بيانها الختامي عن التوقعات والصيغ التقليدية بشأن أهمية الشراكة وتعزيز التعاون بين الجانبين، على رغم الاختلاف في وجهات نظرهما.
وركزت القمة على نقاط عدة أهمها؛ «الأمن، كيفية تحقيق الاستقرار في المنطقة، مخاطر الإرهاب، الهجرة غير الشرعية وتدفقات اللاجئين إلى أوروبا، التبادل التجاري، وما يسمّى عملية السلام في الشرق الأوسط».
وعكس الحضور الأوروبي المميز، في نظر المراقبين، تغيّراً في الموقف الأوروبي تجاه مصر. ووصف مسؤول أوروبي حضور زعماء 25 من أصل 28 من دول الاتحاد، بأنه دليل واضح على «الأهمية الكبيرة والقيمة التي رأتها أوروبا في هذه القمة».
ففي الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام الأوروبية تضجّ بالتقارير عن حقوق الإنسان في مصر وغيرها من الدول العربية، كان الرؤساء والمسؤولون الأوروبيون المشاركون منخرطين في مناقشة القضايا الاستراتيجية والأمنية، ومركّزين على ملف الهجرة والتعاون مع الدول العربية.
لكن وعلى رغم ذلك، فقد رأى محللون أنّ «تاريخ العلاقات العربية الأوروبية لم يفض إلى تعاون حقيقي بين الجانبين وفقاً لتجارب سابقة، مثل الاتحاد الأوروـ متوسطي، والتعاون العربي (الرسمي) المتزايد مع حلف الناتو..». كما لفت المحللون إلى أنّ النظام الدولي الراهن يعيش «حالة سيولة في موازين القوى» التي يعاد تشكلّها في ضوء المتغيرات الإقليمية التي تحصل هنا أو هناك، وما يرافقها من صعود قوى جديدة، حيث يسعى كل طرف لتأكيد نفوذه وقدرته على التأثير في الأزمات والساحات الساخنة.
هذا كلّه يطرح، حسب هؤلاء المحللين، مزيداً من التحديات على الدول العربية، في وقت تتعدّد فيه المؤتمرات (الدولية) ذات الطابع الأمني التي تُعقد، ويظهر فيها مقدار التباين بين العواصم الدولية (بين الولايات المتحدة والأوروبيين مثلاً)، إزاء العديد من الملفات الأمنية العالقة، من قبيل الموقف العدائي الذي تتخذه أميركا من إيران، مقابل مواقف مختلفة، إلى هذا الحد أو ذاك، من دول أوروبية وعربية تربطها مصالح محدّدة مع طهران!.

الأمن والسياسة!

لكن وعلى العموم، فقد تمكنّت القمة من نقل «رسائل مهمة بشأن الوضع الإقليمي والدولي، وبشأن مستقبل التعاون والعلاقات الاستراتيجية بين ضفتي المتوسط»، لكنها أعادت رسم العلاقات العربية الأوروبية على قاعدة أمنية أكثر منها سياسية، حيث أولت اهتماماً رئيسياً للتعاون الاستخباراتي بين الجانبين، في ظلّ الملفات الساخنة في غير ساحة عربية، وما تطرحه من تداعيات وتبعات تمسّ دول أوروبا مباشرة مثل الهجرة غير الشرعية والإرهاب، وكذلك مشكلة العائدين من مناطق الصراعات والتوترات، وأهمية التبادل المعلوماتي بشأن تأمين منطقة المتوسط، وكلها موضوعات تحتاج إلى مشاورات مضنية، مع الهوة الواضحة في الحلول والمقترحات المطروحة بين العرب والأوروبيين، فضلاً عن تباين الرؤى تجاه هذه الملفات حتى داخل المنطقة الواحدة.
وذكر في هذا الصدد، أنّه بذلت جهودٌ كبيرة للتفاهم على خطاب عربي يُحدّد أولوية القضايا، ويضع النقاط الخلافية جانباً، ويركز على الملفات التي تمثل هاجساً مشتركاً لجميع الدول العربية، من منطلق أنّ بلورة رؤية مشتركة تجاه الملفات الأساسية يمكن أن يساهم في تعزيز القدرة العربية على مواجهة التحديات المتزايدة للأمن الإقليمي، من جهة، مثلما يُعزّز القدرة على مواجهة التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة، من جهة أخرى.
وقال محللون إن الحوار العربي الأوروبي يُفترض أن يشكل «فرصة» لحضّ الدول العربية على المزيد من التقارب فيما بينها، لأن المرحلة الراهنة والمستقبلية تشهد رغبة من قبل غالبية الأطراف لغلق بعض الأزمات والملفات الإقليمية المفتوحة، التي كانت أغلب الدول، الإقليمية والأوروبية، انخرطت فيها على نحو غير مثمر وغير مفيد!.
وخلال القمة، أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على ضرورة المقاربة المشتركة بين الدول العربية والأوربية تجاه الأزمات التي تتهدّدهما، وأهمها الإرهاب والتطرف، إضافة إلى الملفات والأزمات الأخرى الساخنة في ليبيا واليمن وسورية، فضلاً عن ملف القضية الفلسطينية.

احترام الخصوصيات

كما أكد السيسي على أهمية الأخذ بعين الاعتبار «مدى تباين الثقافات الأوروبية والعربية وخصوصية المجتمعات، وعدم تنزيل أحكام مسبقة وشعارات قد تناسب دولاً، لكنها لا تتماشى مع خصوصية دول أخرى». وقال: «نحن ثقافتان مختلفتان، وكل منطقة لها ظروفها الخاصة بها.. الأولوية في الدول الأوروبية هي تحقيق الرفاهية لشعوبها، بينما الأولوية عندنا هي الحفاظ على بلادنا ومنعها من السقوط والدمار والخراب كما ترون في دول كثيرة موجودة بجوارنا».
وفي هذا الصدد، لاحظ مراقبون أن تأرجح المواقف الأوروبية بين «التدخل تارة، والنأي بنفسها تارة أخرى عن التدخل لوقف المآسي في بعض بلدان المنطقة»، أفضى في محصلته إلى أنّ «مشكلات اللاجئين والإرهاب أصبحت في حضن أوروبا ومدنها»!.

المصلحة الأوروبية

أما بالنسبة إلى أوروبا فإن ما يشغلها بشكل رئيسي يتصل بـ«القضايا الإقليمية والأمن والتبادل التجاري». وفي هذا السياق، قال مسؤول أوروبي إن «الاتحاد الأوروبي هو بفارق كبير الشريك (التجاري) الأهم لدول الجامعة العربية»، موضحاً أن حجم هذه التجارة «يوازي التجارة مع الصين والولايات المتحدة وروسيا مجتمعة».
ورأى مراقبون أن أوروبا باتت تعي أن استقرارها مرتبط بشكل عضوي بالتطورات الحاصلة في العالم العربي، وأن الهجرة والإرهاب والوضع الاقتصادي وشؤون الحرب والسلم مسائل تهمّ العالمين الأوروبي والعربي، على حدّ سواء.
كما يهم الأوروبيون أيضاً أن تساهم القمة في «تعزيز التعاون مع الدول العربية من أجل تثبيت الحضور الأوروبي في المنطقة، في مواجهة روسيا والصين اللتين تسعيان لملء الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأميركي المحتمل منها»، وهو ما عبر عنه غير مسؤول أوروبي.
فلسان حال الأوروبيين يقول: «القمة فرصة للمحافظة على مصالحنا الأمنية والاقتصادية، كما لا نريد لقوى أخرى أن تملأ الفراغ الذي قد تتركه الولايات المتحدة في المنطقة»!.

> فيصل علوش

Related posts

Top