إذاعات مهددة بالانقراض وأخرى تتحدى متطلبات العصر

أصبح باديا للعيان أن الإذاعة المغربية، وأخص بالذكر تلك التابعة للقطاع العمومي، قد تراجع مستواها إلى حد كبير، سيما وأنها لم تواكب مستجدات العصر سواء من حيث الآليات التقنية أو العمل الإعلامي بحد ذاته، حتى أنها باتت مهددة بالانقراض، مع العلم أن العديد من الكفاءات غادرت هذه المحطة الإذاعية، وهي في أوج نضجها وعطائها.
مع تحرير قطاعنا السمعي، ظهرت محطات إذاعية مغربية تابعة للخواص، غير أنه بسبب محدودية إمكانياتها المادية، ظلت عاجزة عن تقديم منتوج إعلامي في مستوى التطلعات، صحيح أن هناك إنتاجات إذاعية تنم عن بذل مجهود على مستوى الإعداد والتقديم، غير أنها تظل محدودة جدا، فعلى مدار أربع وعشرين ساعة من البث، قد لا تصادف سوى منتوج واحد، لكل واحدة من هذه الإذاعات، هو ما تتوفر فيه نسبة من الجودة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مدته قد لا تتجاوز في الغالب ستين دقيقة. في حين أن باقي ساعات البث نجدها موزعة على العروض الغنائية، بصرف النظر عن قيمة هذه العروض، بالإضافة إلى فقرات تنشيطية يطغى عليها الضحك والكلام الأجوف.
يمكن أن نستثني من إذاعاتنا الوطنية، إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، حيث هناك برمجة تنم عن مسؤولية في الأداء الإعلامي، سواء من حيث البرامج الحوارية التي يستدعى لها علماء في الفقه الديني، أو المحاضرات العلمية التي تشكل فقرات قارة ضمن خريطة برامج هذه المحطة، إلى غير ذلك من الإنتاجات، ولهذا السبب ليس مفاجئا أن تحصل على على المرتبة الأولى في ما يخص قياس الاستماع، خلال عدة سنوات متتالية، مع ذلك فإن هذه المحطة لا تزال بحاجة إلى بذل مجهود أكثر سواء على مستوى إعداد البرامج أو آليات الاشتغال؛ لأجل مواكبة التطورات التي يشهدها الإعلام المعاصر.
لا بأس كذلك من الإشارة إلى إذاعة أخرى خاصة، هي إذاعة ميدي 1، ففترة البث الصباحي، خاصة بين الخامسة والسادسة، تعد قوية، في وقت نجد فيه إذاعاتنا تغط في نوم عميق، مع أن الفترة الصباحية المبكرة تعتبر أهم فترات البث الإذاعي على الإطلاق.
غير أن المحطة الإذاعية التي أود الإشادة بها في هذه الورقة، هي إذاعة سوا، طبعا هذه الإذاعة ليست جديدة في مشهدنا الصحافي، بل يمكن اعتبارها من بين أوائل الإذاعات الخاصة التي جرى الترخيص لها بالبث عبر فضائنا الإعلامي حتى قبل فترة تحرير القطاع السمعي.
لم يكن لهذه الإذاعة في البداية ذلك الحضور المؤثر الذي من شأنه استقطاب عدد أوفر من المستمعين، حيث أن منتوجها الإعلامي كانت تطغى عليه الوصلات الغنائية وبعض الفقرات الإخبارية الخفيفة، من قبيل سوا شات، الذي كان يعتمد بالخصوص على آراء المستمعين حول قضايا اجتماعية معينة وكان يتم عرضه على مدار ساعات البث بشكل متكرر إلى حد الملل، إذن لم يكن هناك مجهود يذكر على مستوى إعداد البرامج وتقديمها.
غير أنه خلال الآونة الأخيرة، عادت هذه المحطة الإذاعية بشكل أقوى، ويمكن القول إنها قدمت درسا بليغا لمسؤولي إذاعاتنا، سواء تلك التابعة للقطاع العام أو الخاص، في ما يخص إعداد البرامج، حيث المواكبة الآنية لمختلف الأحداث التي تجري عبر العالم، والحرص على الحصول على المعلومة من مصادرها الموثوقة، ومحاورة الخبراء ذوي الاختصاص، ويرجع الفضل في ذلك إلى إسناد المسؤولية الإعلامية إلى كفاءات مشهود لها بالجدية والتفاني في العمل. كما لا بد من الإشارة في هذا السياق إلى الآليات التي يتم الاشتغال بها، حيث يجد المستمع سهولة في التقاط هذه الإذاعة حيثما وجد، وبجودة عالية، الشيء الذي يساهم في تقديم منتوج إعلامي متكامل قادر على تحدي المنافسة، في عصر ثورة تكنولوجيا الاتصال، إذن برافو لإذاعة سوا، وإياك أعني واسمعي يا جارة.

عبد العالي بركات

Related posts

Top