إسبانيا تفتقر إلى الكبار…

المشكلة مع اسبانيا ليست توترا عابرا مع بلد جار، ويمكن للمفاوضات الدبلوماسية إيجاد حلول له، ولكن الأمر يبدو كامنا في العديد من النخب السياسية والأمنية والعسكرية والمجتمعية بالبلد الإيبيري، حيث أنها لم تستطع التحرر من عقلية استعمارية وعدائية لكل ما يتصل بالمغرب والمغاربة.
إن الخطوات والقرارات والتصريحات والإشارات في الفترة الأخيرة، لا تعدو كونها تفضح تنامي هذه العقلية الغارقة في العتاقة، وتجسد التعبير العملي عنها.
تواجه إسبانيا منذ سنوات استعصاءات في مشهدها السياسي والانتخابي الداخلي، وحدثت أزمات على هذا المستوى، وعاشت البلاد تحولات، تبقى مستمرة إلى اليوم، وبرزت، في سياق الأزمة الحالية مع المغرب، كما أنها أفرزت إيقاعات سياسية جديدة تميزت بظهور شعبويات من لدن أطراف حزبية مختلفة، والتقت قوى عديدة ضمن عدوانية استعمارية ضد المغرب، وكل هذا ينجم عنه اليوم سؤال جوهري يواجه النخب السياسية والمجتمعية الإسبانية، ويتعلق بكون بلدها الأوروبي والديمقراطي يعتبر قوة استعمارية لأراضي مغربية في هذا الزمان، وتطرح هذه الفضيحة وحدها سؤالا أخلاقيا على الضمير الإسباني والأوروبي، كما تفرض على إسبانيا إحداث ثورة في مرجعيات عقلها السياسي، وأن تقدم على قطائع كبرى شجاعة.
هذا هو المطلوب اليوم من إسبانيا، وباقي تجليات أزمتها مع المغرب تبقى مجرد تفاصيل ناتجة عن السؤال الجوهري أعلاه.
إسبانيا ليس لديها اليوم قادة سياسيون كبار وعقلاء للإقدام على هذه القطائع الجريئة، وكل الشخصيات الممتلكة لبعد النظر  رحلت أو تم تغييبها في السنوات الأخيرة، حتى أن رئيس الوزراء الحالي ووزيرة خارجيته لم يجدا لحد اليوم مدخلا مناسبا للبحث عن حل للأزمة مع المغرب، ولم ينجحا في المناورة الدبلوماسية والتسويقية لهما تجاه الإدارة الأمريكية الحالية، وهذا التيه السياسي لفريق سانشيز باتت له كذلك عناوين وطنية ترتبط بالداخل الإسباني، ما يجعل الأزمة السياسية المتفشية منذ سنوات متواصلة، وقد تقود نحو تحولات أخرى في المرحلة القادمة.
وسواء عبر النظر للراهن السياسي الإسباني من زاوية القضايا والتعقيدات الداخلية أو من خلال الأزمة مع المغرب الجار، فإن خلاصة النظر هي أن الطبقة السياسية والنخبة الحاكمة تفتقران إلى الكبار هناك، وينقصها بعد النظر في إدارة الأزمات والمواقف والعلاقات.
هذا المعطى يفرض على المغرب أخذه بعين الاعتبار، والعمل على ضوء ذلك، والتركيز على تمتين مواقعه ومكتسباته، والانتباه إلى قضاياه الوطنية ومصالحه الإستراتيجية إقليميًا ودوليا، وفِي نفس الوقت تعزيز جبهته الداخلية، والاستمرار في ترسيخ بنائه الديمقراطي والتنموي، والحرص على تفادي الأخطاء في إدارة تفاصيل الأزمة مع مدريد أو مع غيرها.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top