إسماعيل العلوي في الذكرى الأربعينية لوفاة الزعيم والمناضل الجزائري أيت احمد

تم يوم السبت الماضي، إحياء الذكرى الأربعينية لوفاة الزعيم والمناضل الجزائري أيت احمد بقرية أيت يحيى، بمسقط رأسه بمنطقة القبايل حيث يرقد جثمانه. وشارك عدد من السياسيين المغاربة الذين تربطهم علاقات قوية مع الفقيد في هذه الذكرى، حيث شدوا الرحال إلى منطقة القبايل للقاء عائلته ورفاقه.
وبهذه المناسبة، ألقى إسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، كلمة، استحضر فيها مكانة الفقيد كأحد أبرز مناضلي استقلال الجزائر عن فرنسا وأحد زعماء المعارضة الجزائرية، والدور الذي قام به وسط أفراد شعبه طيلة حياته رغم كل الصعوبات التي اعترضت سبيله، واصفا إياه بأنه كان مدافعا عن وحدة هذا الكيان المغاربي وكل شعوبه الشقيقة من ضفاف نهر السنغال إلى تخوم أرض الكنانة مصر، وأحد صناع الثورة الجزائرية التحريرية الشامخة، في فاتح نونبر 1954. وفيما يلي النص الكامل لكلمته.
السيدات والسادة الأفاضل، السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.

ونحن ملتئمين في هذه الذكرى الأربعينية الأليمة بعد وفاة السي آيت أحمد، لا يسعنا إلا أن نحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

الإخوة والأخوات الأعزاء في جبهة القوى الاشتراكية قيادة ومناضلين،
الأعزاء أفراد أسرة فقيدنا الكبير سي الحسين آيت احمد،

الحضور الكريم،

قبل أسابيع قليلة ودعنا أحد الكبار، أحد روادنا في الحقل السياسي الذين بصموا تاريخ مغربنا الكبير. وهذا الرائد هو السيد الحسين آيت أحمد رحمة الله عليه، والذي كدت ألقبه بالزعيم، لكني أعلم أنه كان يكره مثل هذا النعت وهذا اللقب ولذا لن أزعجه في مرقده. لكن لا أخفي عليكم، أيها السادة والسيدات الأفاضل، أني، خلال جنازة هذه الشخصية المتفردة، انبهرت للحشد البشري الهائل الذي أصر على مرافقة فقيدنا العزيز حتى مثواه الأخير.
ولا غرابة في ذلك، بالفعل، وإن دلت هذه الظاهرة على شيء فإنما تدل على مكانة الرجل وعلى حبه لهذا الوطن وشعبه وعلى الدور الذي قام به بين ووسط أفراد شعبه طيلة حياته رغم كل الصعوبات التي اعترضت سبيله.(ويجب أن أقول نتيجة الشدائد التي تخللت مسيرة اعترضت سبيله منذ نعومة شبابه)، عبر مكوثه في زنازن الاستعمار المقيت، قبل سجونه، ثم في المنفى. لكن صاحبنا مر عبر كل هذه المحن وهو كنبراس ينير الطريق للمناضلين ولشعبه كافة.
وكان، رحمه الله، يتحمل مسؤولياته في كل مواقفه وأنشطته متحليا بجرأة كبيرة في التفكير مدركا للعواقب، دون خشية لومة لائم ويجابه الخصوم بقوة الحجة وبدون هوادة لكن باحترام دائم لنفسه أولا ولغريمه وحتى  لعدوه ثانيا.
ونظرا لتوفر هذه الخصال الأخلاقية السامية لدى “الدا” الحسين كما يلقبه أبناء بلدته وشعبه، أخذت شخصيته تلمع وتكتسي إشعاعا خارج حدود وطنه،  الجزائر ولاسيما بأراضي هذا المغرب الكبير الذي كان الفقيد يخصه باهتمامه المتميز ويدرك أنه مغرب أمازيغي –عربي- إسلامي – متعدد الروافد، متنوع الأصول ، لكن قادرا على المزج بين هذه العناصر كلها.
هكذا كان كل المدافعين عن وحدة هذا الكيان المغاربي وكل شعوبه الشقيقة من ضفاف نهر السنغال إلى تخوم أرض الكنانة مصر، يقاسمونه تلكم المبادئ الوحدوية التي أسر السي الحسين، مع أخوانه الذين أعطوا الانطلاقة للثورة الجزائرية التحريرية الشامخة، في فاتح نونبر 1954، على التأكيد عليها، في أول بلاغ صدر عن هيئة قيادة الثورة، قبل أزيد  من 60 سنة.  وبقي فقيدنا وفيا لمضمون هذا الإعلان التاريخي ولم يتزحزح عنه قيد أنملة.
ومما زاد في تألق نجم السي الحسين أنه أصر، طيلة حياته، على أن لا يفرط في معطى أساسي نوجزه في نقطتين أساسيتين وهما أولا  النضال المستميت من أجل إرساء الديمقراطية الحق في بلداننا المغاربية، تلكم الديمقراطية التي مارسها أجدادنا رغم نوع التشكيلة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تسود أقطارنا وهي الديمقراطية التي لم تكن تنحصر في الانتخاب الحر لمن سيمثل الإرادة العمومية، بل وكذلك تتجاوز هذا المستوى لتهم الجانب الحياتي الذي يقتضي تحمل  تدبير الشأن العام اليومي المعيش من قبل المواطنين والمواطنات بمكان إقامتهم في قراهم وأحيائهم ومدنهم. بعبارة أدق وموجزة، كان السي الحسين، نتيجة انصهاره مع الشعب مصرا على تلبية حاجات هذا الأخير بالتساوي ما بين، ما يسمى بالحقوق- الحريات (les droits-libertés) وما يلقب بالحقوق- الدين (les droits-créances)  التي تهم الجانب الاجتماعي والثقافي.
فلهذه الأسباب كلها استسمحكم، أيها الحضور الكريم، لأعرب لكم باسمي الشخصي وباسم قيادة وجميع مناضلي الهيئة التي انتمي إليها، بل وباسم الهيآت السياسية المغربية المتواجدة في هذه القاعة اليوم، ومن خلالكم لكل مناضلي الجبهة ولجميع الوطنيين الأحرار وللديمقراطيين الأبرار بهذا القطر الشقيق عما خالج ومخالج أفئدتنا من أسى وحزن بعد وفاة هذا الهرم وأن أجدد لكم عبارات التعازي الحارة  والمواساة الصادقة في هذا المصاب الجلل الذي أصابنا جميعا بفقدان السي الحسين آيت أحمد.  
كونوا متيقنين، أيها الإخوة والأخوات، أن فقدانه لم يمثل خسارة لكم وللشعب الجزائري الشقيق فحسب، بل يمثل فقدانه هذا خسارة كذلك لنا ولشعبنا (وشعبكم) في المملكة المغربية، إذ لم يفرق السي الحسين في يوم من الأيام، بين مصير الشعب الجزائري وبين مصير الشعب المغربي.إنه كان يؤمن إيمانا راسخا بوحدة مصير شعبينا العضوية بل بوحدة شعوبنا المغاربية كافة.
وكان يتحسر لوجود العراقيل التي ما زالت قائمة، تحول دون تحقيق هذه الوحدة وتعاكس تطور اقتصاد بلداننا وتحرم شعوبنا من المزيد من الإثراء المجدي النافع.  وكان يجتهد من أجل رفع هذه المعيقات حتى وإن كان بعيدا عن مراكز القرار. لقد كان شعار وحدة مكونات المغرب الكبير وشعوبه هو شعاره المركزي، منذ نعومة أظافره بهذه الأرض المعطاء، أرض بالجزائر.

أيها الحضور الكريم،

لقد تعرفت على فقيدنا الغالي من خلال متابعتي، وأنا شاب آنذاك، لملحمة ثورة التحرير وأدركت المكانة البارزة والمتميزة التي كان يحتلها في صيرورة هذه الملحمة؛ ثم أراد القدر أن أتعرف عليه في إطار أسروي، عائلي، ولمست فيه، منذ اللحظة الأولى،  الرجلَ المؤمنَ بالقضية الوطنية التي لا تنحصر، عنده في الجانب التحريري، المظهري بل التي كانت (ومازالت) تقتضي في جوهرها الإنعتاقَ الكلي من قبضة جميع أنواع الاستلاب مع التشبث بالحرية في مضمونها الشمولي، الذي يهم الفرد (ذكر وأنتى) والجماعة.
إن فقيدَنا العزيز الذي كان ذو أخلاق سامية قل نظيرها ويا للأسف في الحياة السياسية ببلداننا؛ كما كان ديمقراطيا حتى النخاع،  بقي وفيا لهذه الخصال إلى أن ودع هذه الحياة. َ لقد ترك لنا بمغادرته رسالة عظيمة، مكونة من مضمونين أساسيين، علينا، نحن الأحياء وعلى الأجيال اللاحقة، أن نحققهما.  فالأول هو أن للتحرير مفهوماً واسعا يشمل بناءً الديمقراطية في جميع تجلياتها وضمان الحريات وصيانتها ورفضَ كل أنواع الاستبداد، كما يشمل التخلص من كل أشكال الجهل التي لا تؤدي  سوى إلى التعصب والتطرف والعنف الأعمى. أما المضمون الثاني للرسالة فهو أن نسعى جميعا، ورغم كل الصعاب والعراقيل، إلى تشييد كيان مغاربي وحدوي مبني على احترام الاختلاف والتنوع وقادر على ضمان المكانة التي تليق بشعوبنا ومكوناتها الثقافية والحضارية.
تدركون، أيها الأحباء، أن رسالة فقيدنا تلزمنا بالعمل، بتفان، من أجل نصرة قضايا شعوبنا التواقة إلى الوحدة والتقدم في جو من الإخاء والانفتاح على الآخر.
هكذا سنكون أوفياء إلى مثل السي الحسين وسنكون كذلك أوفياء إلى دلالة الكلمة التي تعرف بنا جميعا بين الأقوام والأمم كلمة ” إمزغن” لذا سأضيف : نم قرير العين، دا الحسين، إننا في بلداننا المغاربية على دربك سائرون  حتى نحقق ما ناضلت من أجله، وحدة كياننا المغاربي في كنف الديمقراطية الحق خدمة لشعوبنا وإسعادها.
رحم الله فقيدنا برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم صحبه وذويه الصبر والسلوان و”إنا لله وإنا إليه راجعون”.

والسلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته.

Related posts

Top