إطلالة سريعة على مسرحية «أخذ الكلمة» Prise de parole

> بقلم: عبد اللطيف فردوس
دعوني أقتسم معكم لحظة إشراق
العرض المسرحي: “أخذ الكلمة”  Prise de parole.
 تأليف: عصام اليوسفي.
 إخراج: محمود الشاهدي.
سينوغرافيا: طارق الربح
زمان العرض: 25 يناير 2016. الثامنة ليلا.
المكان: المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط.

بمجرد ما أن أنهى التسجيل الصوتي لمسرح محمد الخامس، الترحيب والتذكير بإبقاء الهواتف المحمولة في وضعية عدم الإزعاج، خفتت الأضواء في القاعة وعلى الخشبة، لتتقدم إلهام لوليدي متقمصة دور الصحافية، إلى الرقعة المستطيلة التي حددها الإخراج لتنقلاتها. خلف هذه الرقعة انتصبت لوحات متفاوتة الأبعاد، استعملت كشاشات لعرض التشكيلات البصرية التابثة والمتحركة.) فيديو كرافيزم إلياس مزواري)                                                                                                                  
على اللوحة الرئيسية / الشاشة، ينفتح باب لتبدأ عملية الدخول إلى بيت أسرة الصحافية التي جاء على لسانها: “أعود هنا لأنفض الغبار عن ذكريات مدفونة بين أغطية وستائر منزل ولدت وترعرعت فيه”، العودة نبش في الذاكرة، نفض غبار عنها، واستحضار لأحداث، محطات تاريخية وأسماء بقيت حاضرة وإن غابت. العودة استحضار لمقولات وأقوال ترددت بين جدران المنزل: “كانت أمي لا تكف عن ترديد، عليك أن ترفعي صوتك عاليا، أصرخي، صيحي لكي يسمعك الآخرون، الناس مصابون بالصمم أو على الأقل يتظاهرون بذلك، ليبقوا جامدين، لكي لا يتحملوا أية مسؤولية أو تبعية للأشياء، مادام الأمر لا يهمهم”. يتواصل الغوص ويتواصل معه البوح والتساؤلات والمفارقات، لنكتشف أن الشخصية (الصحافية) قليلة الكلام، رغم أنها تمتهن حرفة الكلام والكشف والفضح، ونعرف أن الأم تستعيض عن الكلام بالإشارات، أم لا تثقن فن الإنصات، وأب لا يفهم إلا ما يريد. أم تؤمن بضرورة احترام قوانين الحياة. وأب يعشق الاستثناء.                                                                                                               الصحافية تعرج في حديثها على واقعة الصخيرات، بل على الأصح على حالة الخوف والشك التي سادت وعمت النفوس والأمكنة وتحكمت في العلاقات عقبها.                                   
نبش الذاكرة يقود الصحافية إلى الباكالوريا وهي رهينة أحداث 1981: “الدبابات تنتصب حاجزا بين نافذتي والقاعة التي سأجتاز فيها الامتحان”، فتساءلت عن الجنديين وعما يدور في رأسيهما طيلة تلك الليلة، أكانا يتحدثان عن مهمتهما، أم عن زوجتيهما وأبنائهما؟ أم كانا يكتفيان بمتابعة أخبار الإذاعة تلك الليلة. ككرة ثلج تكبر الأسئلة وتتناسل لتحط في الأخير حول مغزى حياة الجندي في الحرب والسلم. يتحول السؤال إلى رد فعل يسعى إلى أن يفهم الجنديين أن تخندقهما كان في الجهة المعاكسة.
 1995 وقصة لحلايقي المؤلمة، رجل الفرجة الذي تجرأ في نهاية عرضه على الدعاء جهرا في تجمع بشري بشفاء الملك. استجاب أصحاب الحال لدعوته، فاستضافوه في معقلهم: “طلبت من رئيس التحرير إن أنجز مقالا حول الموضوع، فكان الرفض الصارم بدعوى أنني أستبيح المقدسات”.. “ماذا يعني أن أكون صحافية في هذا البلد؟”.                                                                                           حكت عن أختها الممثلة التي بعد أن قضت سنة في مدرسة للتمثيل، أصابها إحباط وخيبة أمل وتردد بين الاستمرار وشجاعة التوقف. حكت لنا عن رجل السلطة الذي أعماه الحب ليطلب يد أختها الممثلة: “زواج الفن بالسلطة” تساءلت عن إمكانية تعايش منطقين متباعدين، ليكون الجواب في النهاية أحبك لكن لا استطيع الإجابة.                                                                                                                   حب بدون حب، أو كيف يمكن أن تحب من لا يحبك؟ إنها حكاية أخيها نيابة عن شباب منهم من قادته قبلة إلى السجن.
في سلاسة ورقة، تحركت الفنانة إلهام لوليدي فوق الخشبة، وتحدثت، وأعطت روحا لشخصيات وحوارات حاملة حمالة محبوكة بصنعة “لمعلم/ المؤلف” وإضاءة تخفت وترتفع في تناسق هارموني مع الحركة ومع الحالات المرئية والمحسوسة. كل هذا ما كان له أن يتأتى من دون مؤلف خبر الكتابة إلى حد الثمالة، ومن مخرج أثقن إدارة عازفي السمفونية الرائعة فوق فضاءات أبدعها سينوغراف متمكن من رؤيته وأدواته، ومن محرك العروض المبتوثة على شاشات العرض، لتتحقق مقولة الأستاذ أحمد مسعاية حول الفرق بين نص مسرحي للعرض ونص مسرحي أدبي.

Related posts

Top