إعلامنا اليوم…

في سياق النقاش المواكب لانطلاق جلسات لجنة النموذج التنموي، اهتمت كتابات وبلاغات وندوات بواقع إعلامنا الوطني وأدواره المجتمعية والأسئلة المطروحة عليه وعلى الدولة تجاهه.
من المؤكد أن تحولات تيكنولوجية وسوسيولوجية وقيمية يحياها الإعلام في كل الدنيا، وضمن ذلك الإعلام المغربي، لكن واضح أيضا أن عديد اختلالات يعاني منها قطاع الصحافة والإعلام ببلادنا لها خصوصية مغربية ترخي هي كذلك بثقلها لينضاف إلى تحولات السياق المهني العالمي.
وفي هذا الإطار، يتمثل التحدي الأول في التراجع المهول للقراءة وسط شعبنا وشبابنا ونخبنا، ولا يعني الأمر فقط قراءة الصحف المكتوبة أو الالكترونية وحدها، وإنما أيضًا الكتب، وواقع القراءة في منظومتنا التعليمية ككل، وهنا المسؤولية شاملة وتعني الدولة أيضًا من خلال قطاعات التربية والتعليم والثقافة والشباب وغيرها.
وترتيبا على هذا، فلمًا أطلق المجلس الوطني للصحافة مؤخرا حملة تحسيسية واسعة بشأن قراءة الصحافة المكتوبة والإلكترونية المــــــغربية تحت شعار:(لندعم الصحافة المهنية والأخلاقية)، لم يكن القصد تجاريا بسيطا أو بهدف البيع في المدى القريب، وإنما كان القصد التنبيه إلى واقع مختل وخطير، وعندما انخرطت عشرات الوسائل الإعلامية، مكتوبة وإلكترونية وسمعية بصرية، للترويج لهذه الحملة بالمجان، فذلك كان التجسيد لوعي مهني جماعي بضرورة انخراط المهنيين مع الدولة ومع مختلف الشركاء الآخرين ضمن تعبئة وطنية لتنمية القراءة، ولتفعيل”الخطة الوطنية لتنمية قراءة الصحف”، والتي تشمل، فضلا عن الحملة التحسيسية، شقا متعلقا بالتربية على الإعلام وبرامج إجرائية أخرى تروم تقوية ثقة المجتمع في إعلامه الوطني.
أما التحدي الثاني، فيتصل بالمنظومة القانونية، ذلك أن الممارسة اليومية وبروز بعض الحوادث بين الفينة والأخرى تفيد أن المغرب مطالب بمراجعة العديد من التشريعات  ومنظومات العمل، وتغيير عقليات وسلوكات في علاقة السلطات بالإعلام، وأساسًا الحسم مع قضية اللجوء إلى القانون الجنائي بدل قانون الصحافة والنشر في متابعة الصحفيين.
وهذه الممارسات بالذات هي التي تنجم عنها الإساءات لصورة المغرب، ويتراجع ترتيبه لدى المنظمات الدولية.
وصلة بما سلف، لا يمكن، في المقابل،  إنكار  تنامي استغلال التطور التكنولوجي ويسر استعمال أدوات التواصل في الدعوة إلى الكراهية والحث على التعصب، ونشر التضليل والأخبار الكاذبة، وتعميم البذاءة والتفاهة، والمس بأعراض الناس وكرامتهم، والتهجم المجاني على الأشخاص بدون دليل.
وكل هذا يعتبر تحديا حقيقيا أمام الممارسة الإعلامية في المغرب وفي كل العالم، ويمكن مواجهة تداعياته وسلبياته عبر تطوير أخلاقيات المهنة وتقوية التكوين المستمر وسط المهنيين، وتحسيس القراء والجمهور من خلال التربية على الإعلام، وهذه مهام التنظيم الذاتي للمهنيين، والمتمثل اليوم في:”المجلس الوطني للصحافة”، الذي ينكب على هذه القضايا، ويجب دعمه في هذا المسار من لدن السلطات العمومية وباقي الشركاء المؤسساتيين والمهنيين لكسب الرهان، أو على الأقل التقليل تدريجيا من التداعيات السلبية، وتمتين حضور الصحافة المهنية والأخلاقية الوطنية.
ويحضر التحدي الرابع من خلال الحاجة إلى دعم المقاولات الصحفية وتطوير نموذجها الاقتصادي وتيسير شروط المنظومة التمويلية والإدارية المرتبطة بمحيطها التجاري والمؤسساتي، وذلك بما يعزز الاستقرار التدبيري لمقاولات القطاع، خصوصًا في الصحافة المكتوبة والإلكترونية الجادة والمهنية والممتلكة للحرص المهني والأخلاقي.
أما التحدي الخامس فيعني مؤسسات الإعلام العمومي، والفضاء السمعي البصري بالخصوص، حيث أنه علاوة على أهمية تطوير التدبير وتقوية المهنية والقدرة على التنافس، فهي مدعوة الى تعزيز  الخدمة العمومية التي تقدمها، وتوضيح الأدوار المهنية والوطنية المنوطة بها.
إن واقع بلادنا وما يعانيه من اختلالات وتجليات هشاشة، وانتظارات شعبنا في التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كلها تفرض اليوم تقوية دور وسائل الاعلام في تفعيل النقاش العمومي وجعل شعبنا يهتم بقضاياه الحقيقية وينخرط في شؤون بلاده وتتعزز ثقته في بلاده وفي المستقبل.
وهذا التحدي الأخير لا يمكن ربحه من خلال تشجيع إشاعة التفاهة والابتذال أو الاستغلال الفج للإعلام لتصفية الحسابات، ولا يمكن كذلك ربحه عبر النفخ من بعض الظواهر العابرة وإنما من خلال الاهتمام بالقضايا المجتمعية الجوهرية الحقيقية والمساهمة في نشر قيم التحديث والانفتاح والتنوير .
من أجل كسب كل هذه الرهانات، يعتبر انخراط الدولة أساسيًا، ويعتبر دعم مهنيي القطاع ومنظماتهم التمثيلية ومؤسستهم الوطنية المجسدة للتنظيم الذاتي من الشروط المطلوبة للنجاح، أي أن الإعلام يجب أن يكون في عمق الرؤية التنموية الاستراتيجية لمغرب الغد.

 محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top