إفريقيا ما زالت تبحث عن نموذج لتنميتها بعد ستين عاما على استقلال دولها

بعد حوالى ستين عاما على الموجة الكبرى لاستقلال الدول في 1960، ما زالت إفريقيا جنوب الصحراء تبحث عن نموذج لتنميتها، يبدو حاسما لتلبية احتياجات شباب يتطلع بطموح إلى المستقبل.
وحول إمكانية قياس الطريق الذي قطع، يشدد الخبراء على صعوبة تقديم وصف دقيق لتطور قارة تبقى أشبه “بصحراء إحصائيا”.
وتقدم مؤسسة مو ابراهيم في تقريرها للعام 2019 حول حوكمة إفريقيا مثلا “ثماني دول إفريقية فقط تمتلك نظام تسجيل للولادات يغطي تسعين بالمائة على الأقل من السكان وثلاثة فقط تغطي (أنظمتها) وفيات تسعين بالمائة على الأقل من السكان”.
لكن بعض المعطيات التي يتم الحصول عليها من قاعدة بيانات المؤسسات الدولية الكبرى وهي جزئية بالتأكيد، تسمح برسم صورة.
يقول البنك الدولي إن معدل العمر في إفريقيا زاد عشرين عاما في السنوات الستين الأخيرة، مدفوعا بالتقدم في مجال الطب على الرغم من أوبئة الإيدز والملاريا والسل. وارتفع عدد السكان من 227 مليون نسمة في 1960 إلى أكثر من مليار في 2018 وسيبلغ الضعف في 2050، حسب التقديرات. وتأتي نيجيريا وإثيوبيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية في الطليعة في هذا المجال.
وهي القارة التي تضم أكبر عدد من الشباب في العالم. ففي 2015، كان أكثر من ستين بالمائة من النيجيريين تقل أعمارهم عن عشرين عاما، حسب الأمم المتحدة.
ويوضح عالم الاجتماع الكاميروني فرنسيس نيامنجو لوكالة فرانس برس أن “أكبر تغيير” منذ ستينات القرن الماضي هو “ظهور شباب عاطلين”. ويضيف أنهم “سكان شباب مستعدون للانفجار في أي لحظة لأنهم في حالة جوع للحريات السياسية وللفرص الاقتصادية ولتحقيق آمالهم الاجتماعية”.
هذا الشباب الضائع يمكن أن يشكل فريسة سهلة للمجموعات المسلحة وخصوصا للجهاديين، عندما لا يحاول الهجرة سرا ويموت في أغلب الأحيان، باتجاه أوروبا خصوصا.
ارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، أي بأقل من 1,90 دولار يوميا، من 54,7 بالمائة من السكان في 1990 إلى 41,4 بالمائة في 2015 حسب آخر إحصاءات متوفرة للبنك الدولي.
لكن هذا المعدل يحجب فروقا كبيرة بين بلد وآخر، بين الغابون (3,4 بالمائة من السكان في 2017) ومدغشقر (77,6 بالمائة في 2012).
وقال الخبير الاقتصادي التوغولي كاكو نوبوكبو إن “التفاوت بين الدول كبير بالدرجة نفسها التي تسجل في آسيا والتفاوت داخل الدول كبير بالدرجة نفسه التي تشهدها أميركا اللاتينية حيث يتعايش فلاحون لا يملكون أراضي مع ملاكي عقارات كبار”.
ويرى كريستوف كوتيه الخبير الاقتصادي في الوكالة الفرنسية للتنمية أن “قياس حالات التفاوت هذه سيء جدا. ليست هناك خصوصا أي معطيات حول التفاوت في حجم الإرث بينما هذه المسألة أساسية في إفريقيا”.
من لاغوس إلى كينشاسا، شهدت العقود الأخيرة ظهور مدن إفريقية كبرى تحيط بها في أغلب الأحيان أحياء عشوائية يعيش سكانها في فقر مدقع، وكذلك العديد من المدن المتوسطة الحجم.
وبات أكثر من أربعين بالمائة من الأفارقة يعيشون في مناطق المدن مقابل 14,6 بالمائة في 1960، حسب البنك الدولي. وفي 1960، كانت مدينتان إفريقيتان كبيرتان فقط هما القاهرة وجوهانسبورغ، تضمان أكثر من مليون نسمة. وقال مكتب ماكينسي، إن عدد هذه المدن سيرتفع إلى نحو مئة بحلول 2030، وهو عدد أكبر بمرتين من أميركا اللاتينية.
لكن هذا الانتقال إلى المدن لا يعني بالضرورة هجرة من الأرياف.
يرى كريستوف كوتيه أن “حجم سكان المدن يواصل الارتفاع لكن هذا لا يعني أن الأرياف تخلو من السكان، بل إن إفريقيا بأكملها تمتلىء بالسكان، في المدن بوتيرة أكبر بقليل من الأرياف”، مشيرا إلى أن “هناك مشكلة بطالة في المدينة بإفريقيا لذلك لا يهتم كثر بالهجرة إلى المدن”.
شهد اقتصاد القارة مرحلة انعاش حتى بداية ثمانينات القرن الماضي، ثم فترة أزمة لعقدين (أزمة الدين وسياسات التصحيح الهيكلي)، قبل “نهضة” في الألفية الجديدة.
ويدل على ذلك الارتفاع المستمر لإجمالي الناتج الداخلي للفرد الواحد من 1112 دولارا في 1960 إلى 1531 في 1974 و1166 في 1994 ثم 1657 في 2018 حسب البنك الدولي.
لكن جان جوزف بوالو الباحث المشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية يتحفظ على هذه الأرقام لأنها “تغطي القطاع المسجل، الرسمي” وليس “الاقتصاد الواقعي” غير الرسمي إلى حد كبير.
ويضيف كريستوف كوتيه “إذا وضعنا حصيلة لستين عاما نرى أنه حدث أمر خطير في إفريقيا: خسرنا عشرين عاما، لكن يجب ألا ننكر أن ما يحدث الآن يتسم بإيجابية أكبر”.
ويعبر كاكو نوبوكبو مؤلف كتاب “الوضع الإفريقي الملح، لنغير نموذج النمو” عن أسفه لأنه “بالتركيز على ألأمد القصير على حساب الاستثمارات في مجال التعليم والصحة والتأهيل، كسرت برامج التصحيحات الهيكلية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي حيوية التنمية”.
تسعى إفريقيا لإيجاد نموذج تنموي، بينما قطاعها الصناعي الضعيف والقطاع الزراعي مهيمن.
وقال كاكو نوبوكبو “لم نخرج من النموذج الاستعماري. في النهاية تبقى إفريقيا منتجة ومصدرة للمواد الأساسية” من الكاكاو إلى اليورانيوم، موضحا أنها “تستورد موادها الأولية بعد تصنيعها”.
وأضاف أن “هذا واضح بشأن القطن. ف97 بالمئة من ألياف القطن الإفريقية يتم تصديرها بلا تحويل. لكن تصنيع المواد الأولية هو الذين يخلق القيمة والوظائف”.
ورأى جان جوزف بوالو أن “إفريقيا ما زالت في مرحلة البحث عن نموذج اقتصادي للتنمية”.
وأضاف مؤلف كتاب “إفريقيا والصين والهند ستصنع عالم الغد” أن “هناك تطورا ضئيلا جدا للصناعات المحلية. وهذا لا يمكن أن يتم إلا بحماية صناعية قوية جدا لكنه يخترق من قبل القوى الكبرى لمواصلة التبادل الحر”.
وتابع أن “الصينيين والهنود والغربيين يريدون أن يبقوا قادرين على إرسال منتجاتهم”.
قال فرنسيس نيامنجو إن “مسؤولينا السياسيين يجب أن يبذلوا جهودا كبيرة للدفاع عن مصالح الأفارقة وليثبتوا أنفسهم في علاقاتهم مع بقية العالم”.
من جهته، رأى كاكو نوبوكبو أن “إفريقيا لا تتطور لأنها عالقة في فخ الواردات والمستفيدين الأوائل منها أي القادة الأفارقة. يجب تشجيع الديموقراطية وانتخابات حرة وشفافة ليكون هناك قادة شرعيون يهتمون بالمصلحة العامة، وهذا غير متوفر حاليا”.
وبين أكثر أربعين دولة فسادا في العالم في 2018، كانت هناك عشرون دولة في إفريقيا جنوب الصحراء، حسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية للفساد.

Related posts

Top