اجتماع في الطريق إلى المؤتمر العاشر

تنعقد غدا الأحد بالرباط الدورة التاسعة للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، وهي محطة تنظيمية هامة في مسار الإعداد للمؤتمر الوطني العاشر للحزب.
الواضح أن اجتماع “برلمان” الحزب يكتسب طبيعة تنظيمية معلنة لا جدال في ذلك، وستتركز أشغاله على موضوع المؤتمر والأوراق التحضيرية والمسطرية المتصلة به، وذلك تكريسا لمنهجية المشاركة الواسعة لهياكل وعضوية الحزب في الإعداد لمختلف استحقاقاته التنظيمية، وصناعة مواقفه وتصوراته، ولكن، مع ذلك، لن يخلو الاجتماع من مضمون سياسي بحكم ظرفية انعقاده وما يحيط بها من وقائع وانتظارات وأسئلة.
لا يمكن أن ينكر أحد اليوم أن العمل الحزبي والسياسة ككل في بلادنا تعيش كثير مشكلات ومآزق واحتباسات، بعضها ربما أنتجته تحولات السلوك والقيم والمقاربات والرؤى، لكن بعضها الآخر فاقمته ممارسات سلبية تلف حياتنا العامة ككل، وتتحدث عنها مختلف مجالس الكلام…
ولا ينكر أحد كذلك أن حالة من الحنق والضيق والحيرة تسود في الأوساط السياسية وداخل نخبنا المختلفة بشأن ما يعانيه الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وما يتصل بالمستقبل ومسار الإصلاح، وهذا كله يفرز، بالنتيجة، انشغالات حقيقية وسط شعبنا اليوم، تستدعي أجوبة ومداخل للحل.
وإضافة إلى هذا، تعاني قوى سياسية مختلفة من مشاكل داخلية وتصدعات تنظيمية، كما أن مؤتمرات أحزاب انعقدت في الفترة الأخيرة لم تسلم من بروز توترات بين مكوناتها، وعاشت تباينات واصطفافات تنظيمية حادة، تهددها اليوم بتعميق تراجع حضورها الميداني والسياسي، علاوة على تنامي عسر العلاقات بين الأحزاب الوطنية، وأفول أي تكتلات أو تحالفات جادة ومنتظمة…
وجميع هذه الوقائع تبرز أن المشكلة في ممارستنا السياسية والحزبية الوطنية هي أكبر من الذوات والكيانات الحزبية، وإنما هي بحجم الوطن، ولها علاقة بالمستقبل، وبالأفق الذي نريد كلنا السير بالبلد في اتجاهه.
إن حزب التقدم والاشتراكية هو، من دون شك، على غرار القوى السياسية الأخرى، جزء من منظومة حقلنا الحزبي، ويتأثر بما يشهده الواقع من تراجعات وعسر واختناقات، ويحيا مشاكل كباقي الكيانات الحية والمتفاعلة مع واقع مجتمعها، ولكنه يملك تاريخا وهوية يميزانه عن سواه، وقد جعلاه باستمرار قادرا على عبور كل الأزمات والصعاب بلا خسائر كبيرة.
وفي الأعوام أو الشهور الأخيرة، ولما تعالت جذبة الصراخ والشعبوية الفجة من كل الجوانب، وباتت تسيطر على الزعامات وعلى الكلام في السياسة والإعلام، تمسك هو بعقله وجديته وتميزه السياسي والفكري، واحتمى بمشروعه المجتمعي الذي يبتعد عن السجالات المتطايرة في الهواء، وعن خطاب المزايدة ورفع سقوف التهريج، وينتصر فقط للوطن.
لم يختر التقدم والاشتراكية اصطفافات الذات الحزبية وحسابات الأنا الضيقة، ولم يراهن يوما على شيء آخر غير إمكانياته الذاتية وتضحيات مناضلاته ومناضليه، بل كان رهانه دائما، ولا زال، هو مستقبل بلادنا وشعبنا.
اجتماع اللجنة المركزية للحزب أو كامل الإعداد السياسي والفكري والتنظيمي لمؤتمره الوطني العاشر هما معا يندرجان ضمن استحضار هذا الثابت العام، وهذا الخيط الناظم المؤطر لسيرة الحزب مُذ كان.
يعني الأمر إذن أن الانشغال اليوم هو بما يحياه البلد برمته، بما يلفه من تحديات جوهرية وعميقة، بما يطرحه الناس من أسئلة لها صلة بالواقع وبالمستقبل، بالممارسات التي تنبعث من هنا وهناك داخل البلد، وقطعا الأمر ليس انشغالا بحساب ذاتي أو رهان تنظيمي داخلي، أو رغبة مزاجية لاستنساخ مشاكل عاشتها أحزاب أخرى أو شهدتها تجارب أخرى، ثم محاولة رسمها عسفا على وجه الحزب.
من يتمنى هذا أو ينتظره من مؤتمر حزب “الكتاب” سيطول انتظاره.
أسئلة هذه المرحلة تنشغل بواقع التعددية في بلادنا ومستقبلها، باستقلال القرار الحزبي، بعدم تبخيس العمل الحزبي والسياسي، بتحسين أوضاع شعبنا، وخصوصا فئاته الفقيرة والمتوسطة، بتحقيق العدالة الاجتماعية والتخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية والمجالية، بتطوير الديمقراطية وحقوق الإنسان والسعي الجماعي لتطبيق مقتضيات دستور 2011، وبعدم التراجع عن الإصلاحات، وضخ نفس ديموقراطي وتنموي قوي ومستعجل في المسار العام لبلادنا…
من المؤكد أن النضال داخل حزب، أي حزب، له إكراهاته واشتراطاته المرتبطة بمنظومة العمل الجماعي، والحاجة إلى تأطير العلاقات والأفكار والتصورات داخل منهجية متفق عليها، ومن المؤكد كذلك أن اختيار النضال من داخل المؤسسات وتحقيق الإصلاحات بشكل تدريجي في إطار توافق سياسي إيجابي وشراكة منتجة، وضمن ما يتيحه الدستور، وبالتعاون مع كل المؤسسات الشرعية في البلاد، له محدداته وسقوفه وبديهياته، ولكن في الظرفيات الدقيقة والحاسمة توجه الأنظار، بالذات، نحو القوى ذات التاريخ والهوية المتميزة لكي تبدع المخارج والحلول والمقاربات التي من شأنها أن تحمي البلاد وتحقق لها استقرارها وتقدمها، وأن ترسخ كذلك وحدة الحزب ومتانته التنظيمية وإشعاعه، وأن يمتلك باستمرار قراره السياسي والتنظيمي، ومبادرته.
في كل المحطات السياسية والتنظيمية، وبرغم دقتها وحساسية ظرفياتها، ينجح مناضلات ومناضلو التقدم والاشتراكية في صنع اتفاقهم ووحدتهم والتفافهم حول حزبهم، ويقدمون للجميع درس الترفع، ودرس الانشغال بالقضايا الكبرى والأساسية.
دورة اللجنة المركزية هذا الأحد، من المؤكد، هي لن تخرج عن هذه الطبيعة “الجينية” التي تميز الرفيقات والرفاق، وسينكب المجتمعون على دراسة نقاط جدول أعمال الدورة بكثير من العمق والتبصر والنظر للمستقبل والتفكير بحجم الوطن، كما أنهم سيصرون، مرة أخرى، على أن حزبهم مختلف، وعلى أن الرهان عندهم لا يوجد في المزايدات البئيسة، ولكنه في… “المعقول”، وهذا الأخير  هو ليس مجرد شعار للدعاية الانتخابية المحدودة، وإنما هو منهجهم السلوكي العام المترسّخ في الأفكار والمواقف والعلاقات…

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top