احتجاج الفنيدق

الوقفة الاحتجاجية التي شهدتها الفنيدق والتداعيات التي نجمت عنها تفرض الانتباه إليها والإنصات إليها بلا شد أو نرفزة أو سعي للاكتفاء بإسكات الاحتجاج وإغلاق القوس كأن شيئا لم يقع.
هناك وضع اجتماعي صعب فعلا تعاني منه آلاف الأسر بالمنطقة بسبب إغلاق معبر»باب سبتة»، وذلك على غرار معاناة ساكنة المناطق الحدودية مع المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، وخصوصا بعد قرار المغرب إغلاق المعابر نحو الثغرين السليبين.
المعبر يمثل شريان الاقتصاد المحلي، وفئات واسعة من المواطنات والمواطنين تعيش من التجارة المعيشية مع المعبر، وعقب الإغلاق تفاقمت معاناتها الاجتماعية، وتفشى الفقر والبطالة وسطها، ومع الجائحة اقتربت المنطقة من المأساة، وحرمت آلاف الأسر من مصدر القوت اليومي، وذلك جراء التوقف شبه التام للحركة التجارية عبر الثغرين.
هذه المعاناة الاجتماعية هي التي أخرجت الناس في الفنيدق مساء الجمعة الماضي للاحتجاج، وسبق أن برزت هناك مبادرات مدنية للترافع وللفت الانتباه، لكن لم يجر التفاعل معها في الوقت المناسب.
من المؤكد أن الظرفية الوطنية صعبة بسبب الجائحة، ومن المؤكد أن بلادنا قامت بجهد متميز لمواجهة تفشي الوباء وتفعيل برامج اجتماعية للمواكبة على الصعيد الوطني، ومن المؤكد أن الإجراءات المعلن عنها لخفض الاستيراد ودعم المنتجات الوطنية وتشجيع المغاربة على استهلاكها، ومحاربة التهريب وشبكاته، كل هذا يخدم الاقتصاد الوطني ويساهم في تمتين ديناميته، ولكن ذلك يتطلب أيضا العمل ضمن مقاربة شمولية وتكاملية والتقائية، والحرص على تقديم بدائل اقتصادية واجتماعية عملية وملموسة للسكان تؤمن شروط عيشهم وتضمن كرامتهم، وألا تتركهم عزل ومحرومين من مصدر القوت اليومي طيلة شهور.
المخططات التي تعلن عنها الحكومة والبرامج الإستراتيجية التي تعني الاقتصاد الوطني بشكل عام، وخصوصا المدن الحدودية أو التي ترتبط تجارتها بسبتة ومليلية، تخدم، بدون شك، الاقتصاد الوطني والمستقبل التنموي للبلاد، ولكن الساكنة المحلية تريد إجراءات وبرامج مستعجلة وملموسة لتحسين عيشها، ومواجهة الأوضاع الاجتماعية المتردية التي تعاني منها هنا والآن، وهذا ما عجزت الحكومة والسلطات المحلية عن إقناع المواطنين به أو حتى التواصل المباشر معهم بخصوصه.
بعض «لفهايمية» اليوم لا يرون فيما حدث إلا أن الساكنة خرجت للشارع بعد أن لم تجد مؤسسات وساطة تؤطر حراكها المحلي، وبدأوا في تحاليل الساعة الخامسة والعشرين وهلم إسقاطات وتقيؤات.
الأمر يتعلق أولا بواقع اجتماعي صعب ومحبط حقيقي وملموس، وتعاني منه آلاف الأسر، ويدرك تفاصيله الجميع.
الأمر يتعلق بغياب استحضار هذه المعاناة أثناء التخطيط واتخاذ قرارات إستراتيجية كبرى، برغم أهميتها الواضحة.
الأمر يتعلق بضرورة تقديم بديل عملي ومقبول للساكنة المحلية، وهذا يتجاوز الوساطات والتأطير ووووو…..، 
يعني ما سبق، أن شروط وبيئة السياق الاحتجاجي واقعية وموضوعية، ويجب الوعي بها لكي لا تكون المقاربة وأسلوب العمل خاطئين من البداية.
وعندما لا توفر السلطات العمومية بدائل عملية وجدية، ولا تنزل عند الناس المعنيين لتتواصل معهم بخصوصها وتقنعهم بها، هنا ينمو الفراغ، ويبرز من يستغله أو يمتطي ظهره لتحقيق مصالحه أو تصريف حساباته، وهذا معروف وبديهي، ويفرض مواجهته بالتوجه نحو الناس ومنحهم البديل والاهتمام بمعاناتهم الاجتماعية، وتعبئتهم حول برامج للدعم الاقتصادي والمواكبة والتمكين الاجتماعيين، وبالتالي طرح بدائل تستوجبها الأوضاع الصعبة الحالية للساكنة.
لما يتحقق هذا ويقوم المسؤولون بدورهم، حينها سيتيسر التأطير والوساطة، وسيفشل كل من يسعى للركوب على معاناة الناس البسطاء، ولن يكون داع لأي مقاربة زجرية لن تحقق أي نتيجة، وفقط ستزيد من حدة الاحتقان في هذه الظروف الصعبة على الجميع.
سواء في الفنيدق أو في باقي المدن الحدودية للمدينتين المحتلتين سبتة ومليلية، الساكنة المحلية تحتج على ظروف عيشها الصعبة والقاسية، ولا تطلب سوى تحسين أوضاعها اليومية بشكل مستعجل.
لنحسن الإنصات إذن.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top