احتضار القراءة الورقية

كانت أسواق الكتب في مختلف المدن المغربية تشهد رواجا ملحوظا، لم يكن ذلك مقتصرا على محلات التجارة المنظمة، بل كانت بعض الساحات العمومية العشوائية ينتشر بها باعة الكتب المستعملة.
كانت بضاعتهم رائجة.
لكن إلى حدود بداية الألفية الثالثة، صار من الملحوظ أن هذه التجارة في تراجع مستمر.
هذا التراجع نجد له انعكاسا في الواقع، فقد صار من النادر أن تجد شخصا ما يحمل بين يديه كتابا ورقيا، حتى أولئك الذين ينتسبون إلى الأجيال السابقة، تخلوا تدريجيا عن القراءة في الكتب الورقية، لقد أصبح ينظر إلى هذا المنتوج المصنوع من الورق باعتباره مظهرا من مظاهر زمن بائد، ويعد من يعتمد عليه في التحصيل المعرفي والثقافي متأخرا عن الركب الحضاري، وبالتالي فإن النظرة نحوه أصبح يشوبها نوع من التنقيص والشفقة.
«ما لهذا الأحمق يحمل كتابا بهذا الحجم الكبير وبهذا الوزن الثقيل، وهو بمقدوره أن يخزنه في شاشة بحجم الكف؟»، هكذا أصبح يتساءل الكثيرون حين يصادفون من يقرأ في كتاب ورقي.
العزوف عن القراءة الورقية، لم يعد مقتصرا على الكتب، كبر حجمها أم صغر، بل امتد حتى إلى الصحف والمجلات التي بات يتم تناقلها عبر الوسائط الإلكترونية: الواتساب وغيره، كما يتم تناقل الرسائل النصية القصيرة التافهة.
وبالتالي بات كذلك من النادر أن تجد شخصا يحمل بين يديه جريدة أو مجلة.
حتى وقت قريب، كنت حين أصعد إلى القطار، أجد أغلب الركاب يحملون بين أيديهم جريدة وطنية بعينها، وكنت أغبط أصحاب هذه الجريدة على توفرها على نسبة كبيرة من القراء بالرغم من أنها فارغة من المحتوى، اليوم حتى تلك الجريدة الواسعة الانتشار اختفت من بين الأيدي، لعلهم يقرؤونها عبر هواتفهم الذكية، من يدري؟
في اعتقادي أن اختفاء الصحف والمجلات الورقية من بين أيدي القراء، عرف حدته ابتداء من الإعلان عن انتشار وباء كوفيد- 19، حيث كان المسؤولون عن الصحة ينصحون بتجنب لمس هذه الأوراق لأجل تفادي انتقال العدوى، وتم بالفعل توقيف إصدار هذه المنتوجات الورقية لمدة طويلة، وتم تعويضها بالنسخ الإلكترونية، وعندما تقرر استئناف صدورها ورقيا، خلال تخفيف القيود الاحترازية، بدا أن نسبة كبيرة من قرائها اكتسبوا بصفة لا رجعة فيها؛ عادة قراءة النسخة الإلكترونية، إلى حد أنه بات من الصعب استقطابهم نحو الورقي، سيما وأن حصولهم على تلك النسخ، عادة ما يتم بدون عناء وبدون كلفة تقريبا.
في ظل هذه الظروف، يبدو أنه بات محتما على كافة المعنيين بهذا القطاع: الوزارة الوصية على قطاع الثقافة، الناشرون، الكتاب المفكرون، الكتبيون، الوراقون.. وغيرهم؛ أن يجتمعوا في ما بينهم، في يوم دراسي، للتفكير بجد في مستقبل المنتوج الورقي، هل اختفاؤه لا محيد عنه، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف يمكن الحفاظ على الوضع الاعتباري لما تم إنتاجه ورقيا في السابق، وكذلك لما سيتم السماح له بالخروج إلى الوجود مستقبلا.

> عبد العالي بركات

Related posts

Top