اختفاء النحل ببعض مناطق المغرب يهدد الأمن الغذائي للبلاد

أثار اختفاء النحل من المناحل ببعض المناطق خلال الأيام الماضية، دهشة وجدلا بين مختلف الفاعلين في القطاع الفلاحي والمسؤولين القائمين عليه، محدثا تخوفا كبيرا بين منتجي ومستهلكي العسل.
وفي ظل التحريات التي تقوم بها الجهات المختصة للبحث في أسباب هذه الظاهرة التي عرفتها العديد من الدول قبل سنوات، والنقاش المثار حول إمكانية تراجع إنتاجية العسل، يجب الإشارة إلى أن للنحل دور هام في عملية تكاثر النباتات بشكل عام، وفي عملية تكاثر نبات مغطى البذور بشكل خاص، مما يدق ناقوس الخطر لمستقبل الفلاحة، ويهدد الأمن الغذائي.

 

إنتاج الغذاء

وفي هذا السياق، أبرز الخبير الفلاحي محمد الهاكش، أن ثلث الأكل الذي نتغدى عليه، حسب الخبراء، لولا النحل وتلقيحه ما وجدت، مؤكدا أن 80% من الفواكه والخضر إذا لم يقم النحل بعملية التلقيح لن تتواجد من قبيل “الإجاص، التفاح، الجزر، البصل…”.
وأشار الهاكش، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن هناك عملية حسابية تقيس قيمة الخدمة الايكولوجية التي يقدمها النحل إلى جانب تلقيحه لثلث طعام البشر، تقدر بـ 153 مليار دولار سنويا، “لأنه من يقوم بعملية التلقيح “pollinisation”.
وأكد الخبير نفسه أنه للنحل أهمية وقوة تأثيره، موضحا أنه لا ينتج العسل فقط بل الغداء، مشيرا إلى أن الصين أضحت تقوم بعملية التلقيح الذاتي، وفي أمريكا يعتمدون على الطائرات المسيرة “الدرون” ليرموا اللقاحات على الأشجار، في ظل تراجع نسبة المناحل.

ظاهرة قديمة

وسجل الهاكش أن هذه الظاهرة قديمة، برزت سنة 2007 في أوروبا والولايات المتحدة، وتسمى بظاهرة انهيار خلايا النحل syndrome d’effondrement des colonie d’abeille، موضحا أنها ظاهرة تدفع النحل لمغادرة الخلية.

وشدد الهاكش أن الأمر لا يتعلق بموت النحل في مكانه أو قتله من طرف الحشرات المفترسة “العت”، بل النحل يغادر الخلية، مشيرا إلى أنه في كرواتيا في وقت سابق ضاعت 5 ملايين من النحل في غضون 48 ساعة، دون معرفة إلى أين اتجهت.

 

الفلاحة الصناعية

وعن أسباب هذه الظاهرة، استبعد الخبير الفلاحي محمد الهاكش ترجيح احتمالية الحشرات المفترسة، مرجعا هذه الظاهرة إلى إشكالية الفلاحة الصناعية. وشدد على أن الفلاحة الصناعية تعتمد بشكل كبير على المواد الكيماوية، وتقتل مفهوم التنوع البيئي، مردفا: “عندما نقوم أيضا بزراعة واحدة على امتداد آلاف الهكتارات الوضع مختلف عن الفلاحة التي تنوع بين الخضر والفواكه وبالتالي تترك مجالا للزهور والنباتات حيث يمكن للنحل أن يتحرك ويقتات”.
وأوضح الهاكش، أنه للحصول على كيلوغرام من العسل حسب أهل الاختصاص تقطع النحلة ما مجموعه 40 ألف كيلومتر، وبالتالي فهذه النحلة يجب أن يكون لها رأس يوجهها عند الذهاب وأيضا كي تستطيع العودة”، إلا أن النحلة حسب الخبير الفلاحي، تفقد هذه الحاسة بسبب المبيدات الكيماوية، خاصة مادة pesticide “الابيستيسيد”، مما يحجب هذا للتوجيه وبالتالي لا تتذكر كيفية العودة، فتضيع.

المواد الكيماوية

وشدد الخبير الفلاحي ذاته، على أنه يجب إعادة النظر في الطريقة التي تقيم بها الفلاحة، وترشيد استعمال المواد الكيماوية الخطيرة جدا “والتي تستعمل مع الأسف ومنها ما هو محظور دوليا”.
وأضاف الهاكش، أن تساقط الأمطار لن يغير من الوضع، معتبرا أنه إذا استمر التعامل مع قضية الزراعة بهذا الشكل الاصطناعي سيكون الأمر خطيرا وسنضطر كما يفعلون الآن في أمريكا إلى استعمال “الدرون” للتلقيح لأن لن يتبقى هناك أي نحل.
وأشار الهاكش، إلى أن “فرنسا مثلا كل سنة تفقد 30% من النحل، وهذا مرتبط بالصناعة الفلاحية وبالمواد والأسمدة الكيماوية خصوصا “البيستيسيد” التي يقتلون من خلالها الحشرات والأعشاب الضارة، داعيا إلى اعتماد الزراعة الايكولوجية واحترام الطبيعة واستخدام أسمدة وأدوية طبيعية بدل الكيماوية.
من جهة أخرى، لا بد من الإشارة، إلى أن هذه الظاهرة، تسبب خسائر بملايين الدراهم لمربيي النحل، خاصة أن قيمة الخلية الواحدة تتراوح بين 800 و900 درهم.

 

ظروف مناخية

هذا، وأكد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أونسا) أن اختفاء النحل من المناحل ببعض المناطق هو ظاهرة جديدة، مشيرا إلى أن التحريات الأولية استبعدت أن يكون سببها مرض ما.
وأوضح المكتب، في بلاغ الجمعة الماضي، أنه في إطار تتبع الحالة الصحية للمناحل على الصعيد الوطني وعلى إثر اكتشاف ظاهرة اختفاء طوائف النحل عند بعض المربين ببعض المناطق، قام على الفور، عبر مصالحه البيطرية الإقليمية، بالتحريات الميدانية بتعاون مع ممثلي الفيدرالية البيمهنية المغربية لتربية النحل، للوقوف على مدى انتشار هذه الظاهرة غير المسبوقة والعمل على تحديد العوامل المسببة لظهورها.

وأبرز أن النتائج الأولية للزيارات الميدانية المكثفة التي قامت بها الفرق التابعة للمصالح البيطرية الإقليمية لحوالي 23.000 خلية نحل بمختلف العمالات والأقاليم، خلصت إلى أن اختفاء النحل من المناحل ظاهرة جديدة تشمل بعض المناطق بدرجات متفاوتة.
وحسب المصدر ذاته، استبعدت نتائج التحاليل المخبرية، التي أجريت على خلايا النحل والحضنة، بأن يكون مرضا ما يصيب النحل هو الذي تسبب في حدوث ظاهرة اختفاء النحل في بعض المناطق.
كما تواصل مصالح (أونسا)، يضيف البلاغ، القيام بالتحريات والدراسات الميدانية اللازمة بتنسيق مع مختلف المتدخلين من أجل معرفة الأسباب والعوامل المساعدة لهذه الظاهرة.
وأشارت (أونسا) إلى أن هذه الظاهرة التي تعرف أيضا “بانهيار خلايا النحل” قد لوحظت أيضا بدول أخرى بأوروبا وأمريكا وافريقيا، معتبرة أن الأبحاث والدراسات التي تم إجراؤها في هذا الصدد ربطت هذه الظاهرة بوجود أسباب متعددة تتدخل فيها مجموعة من العوامل خاصة منها المرتبطة بالظروف المناخية كقلة التساقطات المطرية، والبيئية كقلة المراعي، والظروف المتعلقة بالحالة الصحية للمناحل والطرق الوقائية المتبعة.

 عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top