اعترافات كاتب

 يكتب قصصا قصيرة، ويراكم المخطوطات والمسودات، ولا يعرف متى ستنشر، قد لا ترى النور أبدا، وهو لا يشتكي على غرار العديد من الفنانين عندما يمرضون، لكن الشيء الذي هو متأكد منه أن تاريخ نشر تلك المخطوطات لن يعكس الزمن الحقيقي لكتابتها.

****

 لا يعير اهتماما لفصول السنة، يمكن له الكتابة في جميع الفصول، يحب فصول السنة كلها، يقول إنه لم يعد يميز بينها، ربما بسبب الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، أو ربما بسبب ضعف بصره، لا يصدق أننا نعيش حاليا في فصل الشتاء، الشتاء في ذاكرته هو تساقط الأمطار. فصول السنة لا تسعفه في الكتابة، بل يسعفه في ذلك التوفر على أوراق بيضاء وقلم حبر جاف ومشهد قصصي، ولا بأس أن تكون هناك موسيقى، والأهم من ذلك كله هو ذلك الدافع الباطني الذي يحثه على الكتابة. فصول السنة لا تلهمه أي شيء في ممارسة الكتابة، بقدر ما تلهمه بعض الجزئيات الصغيرة، من قبيل إيقاع الجملة الأولى، مثلا عندما أراد الشروع في كتابة إحدى قصصه، لم يكن في ذهنه غير هذه الجملة:

 «اسمحي لي أن أقدم لك نفسي..»

  لقد كان إيقاع هذه الجملة كافيا لكي يحفزه على الكتابة بشكل حماسي، أما أن يكون الفصل خريفا أو شتاء أو ربيعا أو صيفا؛ فهذا في نظره، يهم الفلاحين والرومانسيين ولا عبي كرة المضرب أكثر من الأدباء في اعتقاده.

****

 عندما ينتهي من الكتابة، غالبا ما يشعر بأنه تخلص من عبء ثقيل، وصار خفيفا، وذا قوة ذهنية، حيث يغادر في الحال موضع جلوسه، ويرغب في المحادثة والمشاركة في حل مشاكل الآخرين، أما مشاكله..

****

  المتلقي الأول لكتاباته هو ذاته، هذا المتلقي الذي هو ذاته، يعتبره أكثر قسوة من أي متلق آخر، إنه لا يجامل وله سلطة كاملة في إعدام النص إذا لم يعجبه.

 الرقيب الأول لكتاباته كذلك هو ذاته، يعرفان الخطوط الحمراء وكيف يتجاوزانها بدون خسائر. الإشكال يكمن في الجانب الإبداعي والعناصر الجمالية للنص، أحيانا تدور بينهما حرب طاحنة بخصوص ذلك.

****

 في فترة بعيدة من حياته، خصوصا عندما كان ينشر قصصه بشكل منتظم في إحدى الجرائد الوطنية، (بدأ النشر سنة 1987) كان يتساءل باستغراب كيف يتحمل الناس العيش دون كتابة نصوص إبداعية ونشرها.

 كان ينظر إلى وجوه الناس ليرى مدى التأثير الذي أحدثته قصصه فيهم، متوهما أنهم قرؤوها لا محالة.

****

 يعتقد أن الكتابة تساعد على مقاومة الإحباط والجنون، لدرجة أنه يستبعد كثيرا فرضية انتحار الأدباء.

****

 منذ مدة طويلة وعى بأن ما نبدعه، ينبغي أن لا نتسرع في نشره، بل نضعه جانبا، ومن وقت إلى آخر نلقي نظرة عليه، ونصب عليه قليلا من الماء حتى لا يحترق. بالمناسبة إنه يدعو إلى تجنب النشر في الوسائط الإلكترونية؛ لأنها أكبر محفز على النشر السريع.

****

عملية تنقيح النص، عادة ما تنشط في لحظة الإقدام على نشره. لكن المخطوطات تتراكم دون أن تجد طريقها نحو النشر ولا أحد يطلع عليها؛ فليكن.

 عبد العالي بركات

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top