الأديبة المغربية الزهرة رميج: البعد الجمالي يظل هاجسي في نسج النص وبنائه

تعد الأديبة المغربية الزهرة رميج غزيرة الإنتاج في مجال الإبداعي الروائي، في هذا الحوار تتحدث عن روايتها “الناجون” الصادرة حديثا والتي تقول عنها في متن هذا الحوار إنها تعبير عن الواقع العربي من مغربه إلى مشرقه.

 * تتخذ الروائية الزهرة رميج من الواقع منطلقا لتأثيث عملها الروائي، ولكنها تجنح إلى الخيال لإضفاء أبعاد جمالية في نسيج النص وبنائه. هل يعود ذلك إلى ضغط الواقع على الحياة المعاصرة؟ أم أن ثنائية الواقع والمتخيل هي سبيل الإبداع الفني عند الكاتبة؟

– ثنائية الواقع والمتخيل هي سبيل الإبداع عموما، وليس في تجربتي الخاصة فقط، لأن الإبداع لا يأتي من فراغ، ولا ينتمي إلى عالم لا علاقة له بالإنسان. والمبدع إنسان ونتاج واقع معين ساهم في تشكيل شخصيته، وتكوينه النفسي والفكري، ووعيه بذاته وبالعالم من حوله. والواقع الذي يعيش فيه المبدع هو المنبع الأساسي التي يمتح منه مادته، ويستمد منه عناصره الإبداعية. وبما أن الخيال عنصر جوهري في الإبداع، فإن المبدع يستطيع أن يخلق عوالم تخييلية بعيدة عن الواقع لكنها قريبة منه، إذ توهم القارئ بمصداقيتها، وتجعله يتفاعل معها كما لو كانت حقيقية. وهذا ما أقوم به في أعمالي الإبداعية. فرغم انحيازي لمفهوم الالتزام في الكتابة بقضايا المجتمع وهموم الإنسان عموما والإنسان المقهور خصوصا، إلا أن البعد الجمالي يظل هاجسي في نسج النص وبنائه. من جهة، لأن البعد الجمالي شرط أساسي لا يتحقق الإبداع الأصيل بدونه، ومن جهة ثانية، لأنه يحقق للقارئ المتعة الفنية التي بدونها لا يتحقق رهان الأدب في نشر الوعي بالواقع وترسيخ القيم العليا والارتقاء بالذوق العام، ومن ثم، المساهمة في تعبيد الطريق نحو عالم أفضل.  

* الواقع المغربي حاضر في تشكيل الرؤية الفنية والرؤية المضمونية في الرواية، لو تكرمت أضيئي لنا ولو بإيجاز خلفيات المرحلة التي شكلت نص “الناجون”؟

– تحتفي رواية الناجون بجيل مناضلي اليسار المغربي في مرحلة السبعينيات من القرن الماضي. وهي المرحلة التي يطلق عليها اليوم “سنوات الجمر والرصاص” التي حكم فيها النظام المغربي بيد من حديد، ومنع الحريات العامة والحق في التعبير عن الرأي وانتقاد الأوضاع السائدة، وزج بمعارضيه في المعتقلات السرية، ومارس عليهم أبشع أنواع التعذيب. ومنهم من تعرض للاختطاف، واختفى إلى الأبد. وكانت حركة اليسار المغربي في تلك المرحلة تتزعم النضال ضد النظام، وتسعى إلى تغييره منطلقة من الجامعة. وكانت كلية الآداب ظهر المهراز بفاس معقلا لهذه الحركة لدرجة أنها سميت بجمهورية فاس. وهي الكلية التي تخرجت الشخصيتان الرئيسيتان في الرواية: عبد المعطي وسامية.

ورغم كوني خصصت أكبر قسم في الرواية لمرحلة السبعينيات وهو “زمن الغضب والثورة”، إلا أني تطرقت أيضا إلى الحاضر، أي إلى ما بعد قضاء النظام على حركة اليسار التي كانت تعمل بشكل سري، وتؤمن بالعنف الثوري. وتتبعت مسار الشخصيات في الألفية الثالثة بعد خروج حركة اليسار إلى الشرعية، وانخراط المناضلين في الأحزاب وفي جمعيات المجتمع المدني.

* من خلال قراءتنا للرواية، وتفاعلنا مع شخصياتها كعبد العاطي وسامية وحسناء والرفيق سعد وغيرهم اكتشفنا أنهم مؤمنون وبشدة بمبادئ الاشتراكية، حيث حاولوا جاهدين نشرها في المجتمع المغربي. هل بإمكاننا اعتبار أن الروائية تتبنى نفس أفكارهم؟

– نعم. أنا أومن بأهمية الفكر الاشتراكي وبالقيم التي يدعو إليها والتي تتمثل أساسا في ضمان الحريات العامة والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروات، وتضييق الهوة بين الطبقات الاجتماعية، ونبذ الاستغلال والاحتكار، ومحاسبة الفاسدين والمفسدين. فهذه القيم التي يدعو إليها الفكر الاشتراكي ما هي إلا قيم إنسانية تطلع إليها الإنسان منذ فجر التاريخ، وصارع من أجل تحقيقها وما يزال. ولذلك، فهذه المبادئ هي ما أومن به، ولا يهم الاسم الايديولوجي لمن يسعى لتطبيقها سواء كان اشتراكيا أم ليبراليا أم غيره من الأسماء.   

 وهذه الرواية بمثابة تقييم شخصي لتجربة اليسار المغربي بما لها وما عليها، وما آلت إليه بعد انكسار حلم التغيير الجذري الذي نظرت له في السبعينيات من القرن الماضي. وهي أيضا احتفاء بالمناضلين الصادقين الذين لم يتوقفوا عن الحلم والنضال بطرق مختلفة من أجل مجتمع أفضل تتحقق فيه تلك القيم التي ما زلنا نحلم بها.

* هل يمكن اعتبار أحداث الرواية معبرة عن الواقع العربي ككل، وليس المجتمع المغربي فحسب؟

– الواقع في العالم العربي واحد رغم تراجع فكرة الوحدة العربية في زمننا الحاضر. ذلك أن المد الثوري في مرحلة السبعينيات لم يكن في المغرب وحده وإنما عم العالم العربي كله. والقمع الذي مارسه النظام المغربي على معارضيه وعلى حركة اليسار مارسته بقية الأنظمة العربية على مناضلي بلدانها. وواقع اليسار بإيجابياته وسلبياته متشابه في كل البلدان العربية. وأحلام المناضلين هي نفسها في كل مكان. والدليل على ذلك أن الحلم الذي عبرت عنه في رواية “الناجون” بأن يحمل الشباب المشعل، وأن يحلم مثلما حلم جيل السبعينيات بالتغيير، وأن يسعى إليه بطريقة سلمية بدل العنف الثوري الذي دعا إليه مناضلو السبعينيات، تحقق بشكل مفاجئ وبمجرد ما انتهيت من كتابة الرواية، في ثورة الشباب التونسي وما تلاها من ثورات في الدول العربية أسقطت حكاما ديكتاتوريين استبدوا بالسلطة عشرات السنين. وهذا ما دفعني إلى كتابة تنويه في الرواية أحتفي فيه بثورة الياسمين، وأهدي الرواية للشعب التونسي. فالواقع العربي واحد والحلم العربي واحد. ولذلك، تعبر رواية “الناجون” بالتأكيد تعبيرا عن الواقع العربي من مغربه إلى مشرقه.

حاورتها: سليمة عباس

Related posts

Top