الأشخاص بدون مأوى.. معاناة يومية

بملابس بالية وحذاء وحيد يستلقي “محمد” (اسم مستعار) أمام إحدى محلات حي يعقوب المنصور بالرباط، بعد إغلاقه المبكر كل مساء، مفترشا قطع الكرطون التي أصبحت سرير ليله الطويل ويغطي جسده بلحاف قديم يقول إن إحدى المارة الطيبين أعطاه إياه.
شاب في الثلاثينيات من عمره بملامح بائسة وعيون ذابلة، يقول محمد “أنا مقطوع من شجرة؛ ليس عندي أسرة ولا بيت وأنا لم اختر العيش في الشارع لكنه الخيار الأقل مرارة من بين الخيارات المتاحة”.
يضيف بعد صمت قصير “الشارع مسرح لكل الأشياء الفظيعة، نصارع فيه من أجل البقاء على قيد الحياة رغم أنها ليست جيدة على أي حال؛ هنا قد يتم قتلنا أو اغتصابنا في أية لحظة، يضربنا السكارى ويسيء المارة إلينا ويرمقونا بنظرات الحنق لأننا نجعل المنظر بالأرجاء سيئا”..
وبكثير من الحسرة قال محمد “أتمنى أن تلتفت إلي إحدى الجمعيات، لأنني بحاجة إلى المساعدة ولا أريد أن أموت كحيوان بائس على إحدى الأرصفة وحيدا”.
في حي أكدال يجلس أحد الأطفال قرب محطة “الطرام” وحيدا مسندا جسده النحيف إلى دعامة حديدية، ملابسه الرثة لا تحميه من برد ولا حر، يقضي معظم الوقت هناك منتظرا مارا كريما يمد له بضع دراهم ليشتري بها ما يسد به جوعه.
وفي الجانب الآخر، بشارع محمد الخامس بالعاصمة حيث تعود المارة على منظر أمثال هؤلاء الأشخاص المتشردين أطفالا وشبابا وعجزة، اتخذت نجمة وهي عجوز في أواخر الخمسينات مكانا لها قرب مقهى “الفن السابع” تحت شجرة تقضي يومها تعتني بقططها أو أبنائها كما تحب أن تدعوها.
تقول نجمة “أنا اخترت الشارع طوعا فليس لدي أسرة، قططي هي كل ما لدي، أشتري لها الطعام من المال الذي يجود علي به المارة”. وتضيف نجمة الرباطية “هناك جمعيات تأتي بدعوى مساعدتنا لكنهم لا يعودون أبدا، يقومون بأخذ الصور ويرحلون، لذا فأنا لست بحاجة إلى المساعدة من أي جهة كانت هنا أحظى باحترام الجميع وأسعد نفسي بالاهتمام بقططي الصغيرة”.

مجهودات مبذولة

“الرباط بدون أطفال في وضعية الشارع”، شعار مبادرة أطلقت سنة 2019 من طرف المرصد الوطني لحقوق الطفل الذي ترأسه الأميرة للا مريم، يقول عبد العالي الرامي، رئيس جمعية منتدى الطفولة “هي مبادرة ملكية إيجابية وبناءة كان الهدف منها القضاء على ظاهرة التشرد في صفوف الأطفال، هذه الأخيرة التي لازالت منتشرة في جل أرجاء المغرب رغم المجهودات التي تبذلها مختلف الأطراف”.
يضيف الرامي “هذه المجهودات غير كافية وبالتالي فنحن بحاجة إلى أرضية مسعفة لتفعيل القوانين من أجل القضاء على الظاهرة وذلك بتوفير مراكز للحماية الاجتماعية والإدماج خاصة بهذه الفئة وتكوين أطر للإشراف على هذه المراكز بدعوى أن إدماج أطفال تعودوا على العيش في الشارع هو تحدي صعب يتطلب مجهودا كبيرا جدا، كما من الضروري أن يتم تجهيز هذه المراكز بشروط خاصة بالشكل الكافي لتكون بيئة حاضنة لهؤلاء الأطفال حتى نضمن عدم عودتهم للشارع”.
ويتابع المتحدث “هنا تجدر الإشارة إلى أن مجموعة من الفضاءات بالعاصمة الرباط لم تعد تحتمل عددا أكبر من الاستقبالات، كما أن مركز الرعاية المحمدية مثلا يأوي مختلف الفئات العمرية وهذا وضع مختل، لذا يجب أن تكون مراكز خاصة بالأطفال وأخرى بالكبار”.
وللقضاء على الظاهرة، يرى الرامي أنه يجب تفعيل إجراءات ميدانية، منها أساسا وضع رقم أخضر رهن إشارة المواطنين للتبليغ عن حالات الأطفال في وضعية الشارع، كل هذا من أجل ترجمة شعار “الرباط بدون أطفال في وضعية الشارع” إلى واقع ملموس، “لأن وجود الأطفال في الشوارع هو وصمة عار على جبيننا جميعا” يقول المتحدث.
وسجل رئيس جمعية منتدى الطفولة أن “المغرب وضع قوانين ومبادرات إيجابية خاصة بحماية الأطفال، إلا أن الواقع والانتظارات لازالت مخيبة للآمال، لكن إذا كانت إرادة سياسية لدى مختلف الأطراف الفاعلة فأثرها سيكون ايجابيا وأكبر مثال على هذا أن السلطات الأمنية والمجتمع المدني في فترة الحجر الصحي قامت بمجهودات لإيواء الأشخاص في وضعية الشارع وقد نجحت هذه التجربة إلى حد ما وهذا مكسب”.
وأضاف الرامي “هدفنا في جمعية منتدى الطفولة هو بالأساس حماية الطفولة، ونقوم بذلك من خلال التواصل مع السلطات المحلية والمصالح الأمنية ومراكز إيواء الأطفال بدون مأوى عند رصد حالات أطفال في وضعية الشارع، ونحن في تواصل مستمر مع مركز الرعاية المحمدية من أجل دق ناقوس الخطر والدعوة إلى انتشال الأطفال من الشارع وإدماجهم في مراكز خاصة، أو إعادتهم إلى أسرهم بتنسيق مع هذه المراكز، لكن ما نسعى إليه بالأساس كمجتمع مدني وجمعية هو وضع برامج وقائية تحسيسية تربوية موجهة للآباء والشباب والأطفال للاهتمام بالطفل ومحاربة الهدر المدرسي، عبر شبكات التواصل الاجتماعي كوسيلة فعالة وقريبة من المواطنين”.

التفكك الأسري

وارتباطا بهذا أعزى أستاذ علم الاجتماع، علي الشعباني الأسباب الاجتماعية لظاهرة الأشخاص بدون مأوى إلى “التفكك الأسري جراء وفاة الوالدين أو احدهما أو الطلاق، بالإضافة إلى الفقر؛ بحيث أن الكثير من الأسر تعيش بين مطرقة ضعف الوضع الاجتماعي وسندان تعدد الأبناء أو العيش ضمن أسر ممتدة، وبالتالي فالحاجة والفاقة تجعل من مسألة احتضان الأبناء تحديا صعبا، مما يدفع هؤلاء الأطفال أو المراهقين إلى البحث عن عمل أو الهروب من المنزل للبحث عن حياة ووضع أفضل أمام مغريات كثيرة يعززها الخلل في التوازن الاجتماعي والفوارق الاجتماعية، ليجدوا أنفسهم في الشارع؛ هذا الفضاء المفتوح على جميع المخاطر”.
ويضيف الشعباني “تتعدد الأسباب المؤدية إلى التشرد وينضاف إليها، ضعف الحماية الاجتماعية والسياسات العرجاء التي تنهجها الجهات المسؤولة، التي لا تضمن الحياة الكريمة للأسرة فكيف يمكن أن تعالج مشكل التشرد إذا كانت لا تستطيع أن تحمي الأسرة والطفل وتحتضنهما؟”.
جدير بالذكر أن هناك غيابا لأرقام ومعطيات رسمية حول عدد الأطفال في وضعية الشارع بالمغرب، وتقدرهم بعض الهيئات المدنية بما بين 30 و50 ألف طفل، فيما تشير معطيات صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط سنة 2017 إلى أنّ ثلاثين في المئة من الأطفال بدون مأوى هم من الإناث.
هذا، وكانت كل من وزارة الأسرة والتضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة، ورئاسة النيابة العامة، قد أطلقا قبل سنتين خطة تهدف إلى حماية الأطفال المغاربة من الاستغلال في التسول، بعدما تزايد عدد الأطفال المستَغَلّين لهذا الغرض.

> إكرام اقدار – صحافية متدربة
> تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top