الأطر المرجعية للامتحانات: أي دلالة لاستمرار العبث في تدبير منظومة الإشهاد؟

بالنظر إلى التراكمات المسجلة في تحسين المنهاج المغربي منذ سنوات تلت بالخصوص العمل بمشروع تطوير النموذج البيداغوجي ضمن مشاريع الرؤية الاستراتيجية ثم في إطار المشاريع الملتزم بها أمام جلالة الملك وصولا إلى تنزيل مشاريع القانون الإطار 17-51، ومن خلال تتبع الساحة التربوية وآراء مجموعة من المهتمين بنظام الإشهاد بالمغرب وكذا التقويم المدرسي عموما، يتضح لنا بالملموس قصور هذا النظام عن مواكبة ركب التنزيل وخير دليل على هذا القصور ما عاشته منظومة التربية والتكوين هذه السنة بخصوص الأطر المرجعية لامتحانات الباكالوريا. فقد تم تسليم موضوعات الامتحان الوطني لمدراء الأكاديميات يوم 3 يونيو 2022 ليتم إصدار الأطر المرجعية الخاصة بهذا الامتحان يوم 4 يونيو 2022. هذا الحدث لوحده، والذي أشرف عليه الوزير الوصي على القطاع، يعتبر بمثابة الضربة القاضية لمنظومة الإشهاد بالمغرب. فرغم كل التدابير التنظيمية التي يتم العمل بها خلال الامتحانات الإشهادية، بغية تحسين وضع الشهادات المغربية ضمن مجالات المنافسة مع نظيراتها العربية والإفريقية لضمان مقاعد للمتعلمين المغاربة ضمن كبريات الجامعات والمدارس الدولية، نجد كل ما يتعلق بالأطر المرجعية للامتحانات وسط دوامة من الإشكالات المنذرة بانهيار منظومة الإشهاد برمتها في أي وقت، وبالتالي فقدان الجدوى من محاولات تطوير النظام التعليمي ككل وما يترتب عن ذلك من إشكالات مجتمعية خطيرة. فالحدث المشار إليه آنفا يجعل الشخص العادي قبل العامل في قطاع التربية والتكوين يطرح العديد من الأسئلة من قبيل: أي التقائية وتكامل بين المركز الوطني للتقويم والامتحانات ومديرية المناهج وما يترتب عن ذلك من تموقع الامتحان ضمن الوسائل الأساسية لقياس مدى ملائمة الهندسة المنهاجية والمعارف والمهارات المدرسة لواقع المتعلم ومستوى قدرته على بلوغ مرحلة توظيف التعلمات ضمن سيرورات النقل الديداكتيكي للمعرفة؟ أي رؤية وأي تصور يحكم عمليات التقويم ضمن السياسة التربوية في تدبير النجاح المدرسي؟ كيف يمكن تحقيق أهداف التربية والوصول إلى مخرجات مطابقة لملمح تخرج المتعلم من أي سلك تعليمي دون ما ضبط للمبادئ الأساسية في التقويم وشروط صياغة أدواته؟

1- الأطر المرجعية للامتحانات: نحو التأسيس لقواعد تهيئ المتعلم للاستجابة للتعاقدات المنهاجية

كلما اشتد الحديث عن الإطار المرجعي في التقويم بصفة عامة، غالبا ما يذهب النقاش أو الحديث والتفكير إلى أداة التقويم فقط، فصحيح أن هذا الإطار يحدد بدقة مواصفات الأداة وكيفية تمريرها لقياس درجة التمكن من المعارف والمهارات وقياس القدرة على التعبئة وحل مشكلات مستمدة من الواقع المعيش للمتعلم، إلا أنه يشكل تعاقدا صريحا بين المتعلم والنظام التعليمي تحدد فيه بكل دقة نوعية وطبيعة المحكات التي يجب تجاوزها للمرور إلى سلك أعلى من سلكه الأصلي. بهذا التصور تمت الصياغة الحالية لدفاتر المساطر الإجرائية للامتحانات الإشهادية والتي تتحدث عن هذه الأطر المرجعية بكونها محددة سابقا وربما منذ الصياغة النهائية للمنهاج، وهذا هو الأسلم. بهذا الشكل يصبح الإطار المرجعي آلية من آليات تحقيق الأهداف التعليمية المرسومة في السياسة التربوية، وعنصرا ميسرا لبلورة أدوات الاشتغال الصفية المناسبة لتمكين المتعلم من فرص اجتياز الامتحانات بنجاح، وبالتالي التحقق الملموس للأساس التكاملي لعمليات التعليم والتعلم من جهة وإجراءات التقويم والمطابقة من جهة أخرى. فالأساس التربوي للأطر المرجعية هو ضبط أدوات التقويم وجعلها محكومة بما هو مسطر في المنهاج الرسمي للنظام التعليمي، ولكن أيضا دوره يتوسع ليشمل إعداد المتعلمين والمتعلمات وقيادة عمليات التهيئة للإشهاد والمصادقة على التعلمات، بهذا فتحديد هذه الأطر المرجعية يجب أن يتم مباشرة بعد إنهاء عمليات تجريب المنهاج ليبقى للمدبر الجهوي إمكانية التحيين حسب بعض الحالات الطارئة التي قد تعرفها المناطق المختلفة للبلاد. ولعل ما شهدته هذه السنة من تأخر في الإصدار لهو الدليل القاطع لقصور تصور الوزارة الوصية والقائمين على منظومة الإشهاد بالمغرب الذين يعتبرون الأطر المرجعية بمثابة ضبط لوسيلة التقويم فقط.

2- الأطر المرجعية للامتحانات ودفاتر المساطر الإجرائية: نحو تحقيق هدف التكامل بين النصوص القانونية.

يعتبر البناء المنهجي داخل الأنظمة التربوية والتعليمية العالمية بمثابة خارطة للتدخلات والعمليات الواجب اتباعها للوصول إلى أهداف المشرع الرامية إلى التحكم في السياسة التربوية، ومن أهم الضوابط التي يتم الاعتماد عليها لتحقيق هذا البناء المنهجي نجد: انسجام النصوص وتراتبيتها لتشكل وحدة متدرجة من حيث مستويات التدخل وقادرة على الإلمام بمختلف العمليات بنفس التصور ودون تسجيل حالات التعارض أو التباعد في فلسفة الإجراءات المعتمدة من كل نص قانوني أو تشريعي. فتصفح دفاتر المساطر الإجرائية التي تحكم امتحانات الإشهاد بالمغرب، يتم تدقيقها كل سنة تماشيا مع ظرفية البلاد وملاحظات متعلقة بإجراء امتحانات المواسم الدراسية السابقة، يساعد الباحث والمهتم على الوقوف بكل جدية على تصور مخالف لمنطق إصدار الأطر المرجعية الخاصة بهذه السنة والمتمثل في ضبط أداة التقويم فقط وليس المساهمة في عمليات التهيئة لبلوغ النجاح المدرسي، دون إغفال كون الحدث المتعلق بتسلم مديري الأكاديميات للمواضيع الخاصة بالامتحانات قبل صدور الأطر المرجعية يعصف بهذا التصور كذلك، لأن الأداة في هذه الحالة محددة قبل الصدور.

فمن خلال الرجوع للمقررات الوزارية الحاملة للأرقام 004/22 و005/22 و006/22 بمثابة دفاتر تنظيم الامتحانات الإشهادية حسب كل سلك، نجد بأن المادتان 15 و16 بالنسبة لدفتر مساطر امتحان الباكالوريا تتحدث عن اقتراح المواضيع من قبل لجان مكلفة من قبل مديري الأكاديميات بعد إعداد الشروط والآليات والمواعد من قبل المركز الوطني للامتحانات، كل هذا حدد له في هذه الدفاتر أن يكون مع بداية الموسم الدراسي وهو أمر غير ممكن الحدوث ما لم يتم إصدار الأطر المرجعية قبل بداية الموسم الدراسي أي منذ التصديق النهائي على المنهاج الرسمي. زد على ذلك كله ما ذهبت إليه المادة 18 من نفس الدفتر من إجراءات لاقتراح الأساتذة للمواضيع وتجميعها ودراستها ضمن فرق جهوية للخروج بمقترحات موحدة تحال على المركز الوطني وما يتطلبه ذلك من وقت وإصدار قبلي للإطار المرجعي الخاص بكل مادة. نفس الشيء ذهب إليه دفتر المساطر الإجرائية الخاص بالسلك الإعدادي الذي يطالب المدير الإقليمي، من خلال المادة 13 وما قبلها، بتشكيل لجان على الصعيد الإقليمي لاستقبال مقترحات المدرسين ودراستها وتجميعها ضمن مقترح إقليمي يوجه للجهة ليخضع لنفس المسطرة بغرض الخروج بامتحان موحد على الصعيد الجهوي، كل هذا يتم بعد تحديد الأكاديمية للمواعد وآليات الإجراء في بداية الموسم الدراسي. وهنا لابد من الإشارة إلى استحالة اقتراح المدرس لموضوع امتحان متعلق بمادة معينة إلا بعد صدور الإطار المرجعي الخاص بامتحانها بمدة معقولة تمكنه من دراسة البرنامج الدراسي وبلورة الوضعيات التقويمية بشكل منهجي يبتعد أكثر ما يمكن عن العبثية والارتجال المولد للأخطاء وغياب الانسجام في معطيات الوضعيات المشكلة للامتحان كما يقع سنويا في الامتحانات التي يتعامل معها متعلمي المدرسة المغربية. نفس الأمور يذهب إليها دفتر المساطر الخاص بامتحان نيل شهادة الدروس الابتدائية الذي يلزم بتحديد المواعد والآليات في بداية الموسم الدراسي وتشكيل فرق لاستقبال الاقتراحات ودراستها والخروج بمواضيع موحدة على صعيد المديرية وما يتطلبه ذلك من وقت وإجراءات.

3- نيل شهادة الدروس الابتدائية: الامتحانات في مواجهة السن الصغيرة والمعارف الأداتية للمتعلم.

هدفنا في مناقشة هذه النقطة ليس القول بوجوب اعتماد امتحان موحد لنيل شهادة الدروس الابتدائية من عدمه، وهذا راجع لاختلاف الرؤى بين الأنظمة التعليمية الناجحة، إذ نجد منها من يعتمد امتحانات منذ سن مبكرة ومنها من يرجئ ذلك إلى وقت لاحق وسن كبيرة. فالمتحكم في كل ذلك هو الظرفية الاقتصادية وفرص الشغل ثم طبيعة المخرجات المحددة للمدرسة ضمن كل نظام تعليمي. ليبقى لنا فقط مناقشة هذا الامتحان في حد ذاته من حيث المواد وبعض الملاحظات الأساسية بخصوص تدبير الإجراء ومنه النجاح المدرسي لمتعلمي المستوى السادس ابتدائي.

وبتصفح المواد المقررة لهذا الامتحان نكتشف مطبا ومعضلة جسيمة يواجهها متعلم صغير السن دون دراية منه لأسبابها أو الهدف منها وهي اعتماد امتحان واحد يضم مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية، في مدة زمنية لا تتعدى 90 دقيقة تماما كمادة الرياضيات واللغة الفرنسية. علما أن هذا يضرب مبدأ الانسجام بين وزن المادة أو المواد في الغلاف الأسبوعي المحدد في المنهاج الرسمي مع الوزن المعتمد لها في التقويم وخصوصا الامتحانات الموحدة. بهذا الشكل يتم تقويض قدرة المتعلم على التعامل المنهجي مع امتحان اللغة العربية التي يبلغ وزنها في الغلاف الأسبوعي ست ساعات تضاف إليها مادة التربية الإسلامية بثلاث ساعات ليصبح المجموع تسع ساعات من التعلم الأسبوعي، مقابل مواد أخرى يتراوح غلافها الأسبوعي بين خمس وست ساعات. زد على ذلك اختلاف طبيعة الامتحان وفق ما يحدده الإطار المرجعي الذي يلزم اللغة العربية باعتماد أسئلة تستجيب لأهداف مرتبة بينما يلزم التربية الإسلامية باعتماد وضعية واحدة أو وضعيتان على الأكثر في الامتحان الهادف إلى قياس تعلمات المداخل الخمس للمادة، علما أن المتعلم وطيلة تعلمه في إطار مادة التربية الإسلامية لا يتعامل مع وضعيات حقيقة أو مهيئة له للتقويم باعتماد الوضعية. كما أن سؤالا محرجا قد يتبادر إلى الذهن بإلحاح، خصوصا أن سن المتعلم تفرض الاقتصار على التعلمات الأداتية، وهو هل يعتبر المشرع القائم على بلورة قوانين التقويم مادة التربية الإسلامية مادة أداتية؟ حيث إن الهدف هنا ليس المس بهذه المادة الأساسية، بل مناقشة مدى أحقية اعتماد الوزارة لمحكات مرتبطة بها لمرور المتعلم إلى السلك الإعدادي.

بصفة عامة فإن تحقيق النجاح المدرسي يبقى الهدف الأسمى لأي نظام تعليمي حديث يحترم متعلميه، ويقدر صناعة الإنسان في مجتمعه، بدل منطق التقويم العقابي المولد للعقبات المحبطة والمفضي إلى اعتماد الانتقاء كمبدأ للمرور من سلك تعليمي إلى آخر، في الوقت الذي نطمح فيه إلى العمل المتكامل والمرور الجماعي للتدرج ضمن مستويات المدرسة المغربية بسلاسة إلى حين بلوغ سلك الثانوي التأهيلي. هذا النجاح المدرسي لا يمكن الوصول إليه بمدرس ومتعلم يشتغلان بصورة نسقية يفرضها المنهاج المغربي دون ما أدنى فكرة عن أداة التقويم الختامي، حيث إن الاعتماد على إطار مرجعي للامتحانات يتم تحديده منذ التصديق على المنهاج، سيعطي فكرة واضحة للمدرس عن المهارات الأساسية والمعارف الضرورية المنتظمة ضمن ملمح تخرج المتعلم من سلكه الأصلي وبالتالي توجيه خطط الدعم بالأساس إلى معالجة الصعوبات المؤثرة خصوصا أو تلك التي تعيق تثبيت تعلمات مسطرة في المنهاج لدى فئة معينة من المتعلمين. بهذا الشكل يكون المبتغى هو النجاح الجماعي لكل مكونات المنظومة وتمكين المتعلمين من تعليم فعال يستجيب لحاجياتهم الأساسية المؤمنة للتدرج وفق أسلاك المدرسة المغربية بكل سهولة، كما أن إبعاد سيرورات التعليم والتقويم من العبثية والارتجال يكون هدفا خفيا يتحقق بشكل أوتوماتيكي من خلال معالجة ما سبق من اختلالات مشار إليها.

سعيد اخيطوش

 باحث في قضايا التربية والتكوين والسياسة التربوية

Related posts

Top