الأغنية المغربية متى تكرس العالمية ومتى تكون لها قنوات محطات إذاعية خاصة؟

حققت الأغنية المغربية تراكما على امتداد قرن تقريبا، حيث يمكن اعتبار سنوات السبعينات والثمانينات الفترة الأكثر خصبا، سواء من حيث الكم أو من حيث القيمة النوعية لهذه الإنتاجات.
بالرغم من هذا التراكم المتحقق، فإن التجربة الغنائية المغربية لم تبلغ العالمية، لم تحقق ذلك الانتشار الذي يسمح لها بأن تتموقع بين أغاني مطربين ذاع صيتهم في مختلف القارات.
هل يمكن اعتبار حاجز اللغة (سواء الدارجة أو الفصحى أو اللهجات الأخرى) هي السبب الأساسي الذي يحول بين إنتاجاتنا الغنائية وسبل انتشارها على الصعيد العالمي؟
لا شك أن هذا العامل مستبعد، سيما إذا استحضرنا أن العديد من النماذج الغنائية العالمية أنتجت بلغاتها المحلية المتداولة على نطاق ضيق، ومع ذلك استطاعت أن تتخطى الحدود وتحقق انتشارا على الصعيد الكوني.
إذن ما الذي حال ويحول حتى الآن دون بلوغ الأغنية المغربية مرتبة العالمية؟
من اللافت للانتباه أن طرق تسويق الأغنية المغربية إلى حدود اليوم، لا يزال متخلفا إذا صح التعبير، كما أن شركاتنا الخاصة بالإنتاج الغنائي لا تزال بعيدة عن تحقيق طموحات أي فنان يرغب في إيصال إنتاجه على نطاق أوسع.
إن الإمكانيات الموظفة في إنتاج الأغنية المغربية وفي تسويقها على حد سواء، جد محدودة، أخذا بعين الاعتبار أن هذا النشاط الفني والتقني جد مكلف ويتطلب استثمارات هائلة.
من الملاحظ أن العديد من الخواص الذين يمتلكون الإمكانيات المادية، لا يتجرأون على توظيف أموالهم لأجل الاستثمار في الإنتاج الغنائي المغربي وتسويقه، وبالتالي فإنه من الطبيعي جدا أن ينعكس ذلك بشكل سلبي على حضور الأغنية المغربية وانتشارها.
في سياق صيرورة انتشار الأغنية المغربية، نستحضر بعض المبادرات لتنظيم حفلات غنائية لمجموعة من الفنانين المغاربة بعدة دول من مختلف القارات، خاصة في شمال أفريقيا وفي المشرق العربي وبعض البلدان الأوروبية.. غير أن الحفلات تظل محدودة في المكان والزمان، وعادة ما يكون المستهدف منها هم أفراد الجالية المغربية بالخارج، وبالتالي فإن انتشار أغنيتنا لا تكاد تتجاوز حدود موطنها الأصلي.
لو لم يقم على سبيل المثال كل من عبد الهادي بلخياط وعبد الوهاب الدكالي ونعيمة سميح.. وبعض المجموعات الغنائية، من قبيل ناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب.. وغيرهم من المجموعات والمطربين المغاربة الرواد الذين حافظوا على الأداء الغنائي باللهجة المغربية؛ بزيارة شخصية لعدد من البلدان المغاربية وغيرها، هل كان سيتعرف الآخر على إنتاجهم ويحفظه ويقلده؟ طبعا لا، على اعتبار أن تسويق الإنتاج الغنائي المغربي ظل إلى حدود اليوم بعيدا كل البعد عن المتطلبات التي يفرضها هذا الجانب الذي يمتزج فيه ما هو تقني بما هو تجاري.
سعى مجموعة من الفنانين المغاربة، خاصة منهم الرواد، إلى تحقيق انتشار أوسع لإنتاجاتهم الغنائية، فبادروا إلى الأداء الغنائي بلهجات أجنبية، خصوصا اللهجتان: المصرية والخليجية، على اعتبار أن مبدعي هذه الانتاجات، سواء كانوا ملحنين أو مؤلفي أشعار هم ذائعو الصيت، وممن سلك هذا النهج لبلوغ الانتشار الأوسع: سميرة بنسعيد وعزيزة جلال ورجاء بلمليح.. ومن المعلوم أن هؤلاء المطربات قد اضطررن إلى الهجرة والإقامة في بلاد المهجر، واستطعن بالفعل إيصال إنتاجاتهن إلى قطاع أوسع من الجمهور. مع ذلك فإن هذه الانتاجات ظلت محدودة في حيز ضيق يشمل فئة من الجمهور تستوعب اللهجات واللغات التي أنتجت بها تلك الأعمال الغنائية.
من حسن حظ الجيل الجديد من المطربين والمطربات المغاربة، أنه ظهرت وسائل متطورة ساهمت في تسهيل انتشار إنتاجاتهم الغنائية، حيث أن التكنولوجية الرقمية كان لها تأثير قوي على مدى انتشار تلك الإنتاجات. لكن السؤال الذي يظل معلقا، هو ما مدى القيمة الموضوعية والفنية لهذه الانتاجات؟ هل كل ما ينشر ويذاع على المنصات الرقمية، ويحظى بنسبة متابعة قياسية، يستحق اعتباره ناجحا وموفقا؟ أخذا بعين الاعتبار أن أغلب هذه الإنتاجات المنتشرة، لا تخضع لأي تحكيم من شأنه أن يؤهلها للخروج إلى الوجود أو عدم الخروج بالمرة.

قنوات تلفزية ومحطات إذاعية مغربية خاصة بالموسيقى والغناء:

لا يزال إعلامنا السمعي والبصري يفتقر إلى محطات إعلامية خاصة بالأغنية. صحيح أن هناك بعض قنواتنا التلفزية وكذا بعض إذاعاتنا تخصص مساحة زمنية، سواء بشكل يومي أو مرة في الأسبوع، لعرض الإنتاجات الغنائية المغربية والأجنبية وفتح النقاش مع الفاعلين فيها، غير أن ذلك لا يفي بالغرض.
فمن خلال إلقاء نظرة على خريطة البرامج سواء بالإعلام المسموع أو المرئي، لا نكاد نلمس منهجية واضحة في التعامل مع المنتوج الغنائي بمختلف اتجاهاته وأنماطه ولهجاته ولغاته.
يتم عادة القيام بإعداد برامج حوارية مع مطربين وملحنين، بصرف النظر عن قيمتهم، فنجد أن الوجوه نفسها، وكذا الأنماط الغنائية نفسها تتكرر، وليس هناك انفتاح على مختلف الاتجاهات التي تميز المنتوج الغنائي المغربي.
هناك تغليب حضور الأجيال الجديدة من مبدعي الأغنية العصرية على الخصوص، الشيء الذي يساهم في طمر جزء كبير من ذاكرتنا الغنائية.
لا يمكن تجاوز هذه العوائق التي يتخبط فيها إعلامنا السمعي والبصري في تعامله مع المنتوج الغنائي، دون العمل على إخراج محطة إذاعية وقناة تلفزية خاصة بالموسيقى والغناء.
محطات إعلامية يتم فيها الالتزام بمنهجية واضحة، في البرمجة وفي معالجة القضايا المتصلة بهذا الفن المتعدد الأنماط والاتجاهات، المترامي الأطراف، منهجية تقوم على أساس توثيق المنتوج الغنائي وتصنيفه ودراسته.
فمن الملاحظ مع شديد الأسف أن هناك تخلفا فظيعا على مستوى التوثيق، هناك رصيد هائل من الإنتاجات الغنائية المغربية المسجلة في بداية الاستقلال مهددة بالتلاشي والضياع، هناك جزء من هذا الرصيد قد صار مفقودا بالفعل، بسبب الإهمال وعدم تقدير قيمة الفن، باعتباره مرآة حضارتنا وهويتنا الثقافية.
كيف يمكن الإحاطة بالتراكم المتحقق من الإنتاج الغنائي المغربي، دون الحديث عن ما تنتجه أمم أخرى.
هناك العديد من مبدعي الأغنية المغربية، سواء من جيل الرواد أو من الجيل التالي، لم يعد يتم عرض إنتاجاتهم، خاصة في الإعلام المرئي.
كل مبدع من هؤلاء، نجد لديه بطبيعة الحال رصيدا زاخرا من الأغاني في مختلف الأغراض الشعرية وفي إيقاعات موسيقية متعددة: أغاني عاطفية، أغاني دينية، أغاني وطنية، أغاني اجتماعية، أغاني ملتزمة، أغاني فولوكلورية، أغاني تراثية، أغاني شعبية… رصيد هائل من الإنتاجات الغنائية لا يكاد يعرض منها شيء يذكر.
هل تكفي حصة زمنية قصيرة مرة واحدة في الأسبوع، أو حتى يوميا؛ لعرض مختلف الإنتاجات الغنائية، سواء تلك التي أبدعها فنانونا أو فنانو بلدان أخرى؟
طبعا لا يمكن ذلك، ومن ثم فإنه من الضروري ومن الواجب إنشاء قنوات تلفزية ومحطات إذاعية خاصة بالموسيقى والغناء.
لقد تم تحرير قطاعنا السمعي البصري منذ حوالي عقدين من الزمن، وإذا قمنا بإحصاء عدد القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية التابعة للخواص، التي تم إنشاؤها لحد الساعة، نجدها دون مستوى التطلعات بكثير.
فحتى القنوات الحكومية التي تم تفريخها، نجدها لا تقوم بوظيفتها، إنها بدون منهجية وبدون إدارة، لقد تم إنشاؤها وبعد ذلك ترك الحبل على الغارب، كما يقول المثل المأثور.
برامج يتم يا للغرابة، تكرار بثها عدة مرات في اليوم، وبشكل يومي كذلك، من تلك البرامج ما لا قيمة له على الإطلاق، ومع ذلك يتم العمل على تكرار بثه، من قبيل سيتكومات مغضوب عليها، إلى غير ذلك من البرامج، الشيء الذي يبرز العبث واللامبالاة التي تتعامل به إدارة الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، مع وسيلة إعلامية، كان من المفروض أن يتم تطويرها وإغناؤها بإنتاجات وطنية جديدة. هناك ساعات من البث التلفزي على وجه الخصوص يتم إهداره في الخواء، في حين نجد إدارة القنوات التلفزية والإذاعات التي تحترم نفسها، تحسب حسابا لكل لحظة من لحظات البث.
لعل الشيء الوحيد الذي يتم التعامل معه بنوع من الصرامة في إعلامنا السمعي والبصري، هو الإشهار، على اعتبار أن له مردودية مادية، كل ثانية منه توزن بميزان الذهب، إذا صح التعبير.
كان يمكن القيام باستغلال جيد لإحدى قنواتنا التلفزية العمومية، من قبيل “المغربية” أو تلك التي تسمى اعتباطا بـ “الثقافية”، وجعلها خاصة بالموسيقى والغناء، والترخيص كذلك للقطاع الخاص بإنشاء قنوات وإذاعات من هذا القبيل، ولا شك أن ذلك هو الحل الوحيد الذي من شأنه الإحاطة إلى حد ما بمنتوجنا الغنائي والموسيقي.

> بقلم: عبد العالي بركات

Related posts

Top