الإسلام باعتباره مؤامرة

أتوجس بشدة من كل النظريات التي تتأسس على المؤامرة. أعتقد – حتى أكتفي بمثال واحد- أنه ينبغي أن يكون المرء غبيا لكي يصدق أن أمسترونغ لم يضع قدمه قط على وجه القمر، وأن كل ذلك لم يكن سوى مسرحية من إخراج الناسا.

ومع ذلك، خلال الأسبوع الأخير، في بروكسيل، كان لدي شك. لمرة واحدة، قمت أنا نفسي ببناء نظريتي الخاصة بشأن المؤامرة. احكموا عليها بأنفسكم.

في حانة صغيرة بساحة سوق الحبوب، قدم لي صديقي الصحافي إيدي، البرنامج الرسمي لحزب بلجيكي أسس سنة 2012 يسمى “إسلام” بكل بساطة. إنه حزب صغير، كما يقال في المغرب، لكنه لم يتهيب أن يطالب بالتطبيق الكامل للشريعة في بلجيكا، بما في ذلك إقرار الحكم بالإعدام، تجريم الإجهاض، تحريم القتل الرحيم.. إلى آخره. بمعنى آخر أنه يريد التخلص من كل المكتسبات التي تحققت على مدى قرن في ما يخص الحريات. لنرفع كوب الحليب المطبوخ في الصحة (العقلية) لأولئك الذين يجرؤون على اقتراف كل شيء.
صديقي إيدي أشار إلى شخصي المتواضع بأصبعه المتوتر:
ــ أنت الذي تعد مغربيا، قل لي: هل لديكم أحزاب من هذا النوع؟
ــ عزيزي إيدي، دستورنا الذي يرجع إلى سنة 2011 يقر بأن الأحزاب ” لا يمكن لها أن تتأسس ارتكازا على قاعدة دينية، أو لغوية، أو عرقية أو جهوية”.
حزب يحمل إسم ” إسلام” بكل بساطة لا يمكن تخيله في المغرب.
احتسى إيدي جرعة من عصيره القنبي.
ــ لكن ماذا بعد؟
عند ذاك خطرت ببالي فكرة نيرة. لا، ليس من الممكن أن يكون هناك بلجيكي مسلم غبيا إلى حد أنه يطالب بإقامة الشريعة.
أن يطالب بتوزيع الوجبات الحلال على المطاعم المدرسية، أن يسمح بوضع الحجاب في المدارس، أن يدعو إلى ترسيم أيام العطل الدينية (العيد الكبير، مثلا)، لم لا؟
يمكن أن لا نكون متفقين لكن يبقى ذلك في الحدود المعقولة. لكن الشريعة؟ قطع يد السارق، إباحة تعدد الزوجات؟
لا أرى لذلك غير تفسير واحد. هذه المطالب التي لا حظ لها في أن تتحقق على أرض الواقع، ليس لها سوى تأثير أوحد: دفع البلجيكيين لمعاداة الإسلام أكثر فأكثر.
هذا الحزب الصغير العجيب، يمكن القول إنه من اختلاق الخصوم الأكثر شراسة للإسلام.
وإذا كان الحال كذلك؟
إذا كان قادة هذا الحزب محركين من خلف الستار من طرف اليمين المتطرف أو المصالح السرية؟ نعم، نظرية المؤامرة، يستحيل البرهنة عليها.. لكن هذه المؤامرة جد حقيقية.
الإشارة الدالة على صحتها، في رأيي، تكمن في هذا التفصيل:
الحزب المذكور من تأسيس شيعيين، إلا أن من يسيرونه هم سنيون. المسلمون لا يخلطون بين السنيين والشيعيين، لكن من منظور يمين متطرف قح، كل ذلك عبارة عن حريرة واحدة.

> بقلم: فؤاد العروي

ترجمة: عبد العالي بركات

Related posts

Top