الإعجاب أو مشاركة منشور على الفيسبوك قد يؤدي بك إلى المتابعة القضائية!

يعتقد البعض أن فضاءات التواصل الاجتماعي ترتبط بمفهوم الحرية، مما ينمي لديهم فكر نشر أو الإعجاب أو حتى مشاركة كل ما يحلوا لهم معتقدين أن لا رقيب ولا حسيب عليهم، فإذا كانت هذه رؤيتهم لفضاءات التواصل الاجتماعي وبالخصوص «الفيسبوك»، فإن القانون على خلاف ذلك له نظرة أخرى قد تجر كل من نشر منشور أو حتى أعجب به أو شاركه إلى غياهب المتابعة القضائية.
ومن أبرز هذه المنشورات تلك المتعلقة بصفحات التسريبات على الفيسبوك والتي غزت مواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة نظراً لما تقدمه من يد العون لمن يلهثون خلف الغش وخرق ميثاق الشرف الذي يجمع المتعلم بالمؤسسة التعليمية التي يواصل تعليمه أو تكوينه بها وكذا الضرب الصارخ لمبدأ تكافؤ الفرص ومنه المساس بمصداقية الشواهد الوطنية.
تتلخص قصة أحد الأشخاص الذين كانوا يضنون أن فضاء التواصل الاجتماعي «فيسبوك» يقترن أشد الاقتران بحريتهم، حيث تابعته النيابة العامة بناء على محضر الضابطة القضائية بعدما كان مبحوثاً عنه وعند الاستماع له تمهيدياً من طرف عناصر الشرطة القضائية صرح على أنه يملك صفحة على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» تحمل اسمه الكامل كما يضع عليها صورته الشخصية، وأثناء تصفحه له شاهد صدفة صفحة تسريبات الباكالوريا فعبر عن إعجابه بمنشور تابع لها وشاركه عن طريق الضغط على زر -Partager-، كما أنه تمسك بتصريحاته لدى مثوله أمام السيد وكيل الملك وأكد كذلك تصريحاته التمهيدية التي أدلى بها للشرطة القضائية، وقد كان تمسكه هذا نابع عن اعتقاد أن الأمر لا يتعدى حرية شخصية يمارسها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه لم يرتكب أي فعل منافي للقانون، أي أنه لم يرتكب أي فعل يعتبر غشاً.
فحتى القانون 02.13 المتعلق بجزر الغش في الامتحانات المدرسية لا يطبق إلا على حالات الغش المرتكبة داخل الفضاءات المحددة في المادة الثانية منه وهي مؤسسات التعليم والتكوين العمومي التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية أو بمؤسسات التعليم الخصوصي الخاضعة لمراقبة الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وكذا مؤسسات التكوين المهني العمومي ومؤسسات التكوين المهني الخصوصي المعتمدة والخاضعة دبلوماتها للمعادلة مع الشهادات والدبلومات الوطنية، فبناءا على هذا التحديد يمكن القول أنه لا مجال لمتابعته النيابة العامة لهذا المتهم الذي عبر عن إعجابه ومشاركته لمنشور صفحة تسريبات على الفيسبوك وهو بمنزله أي خارج هذه المؤسسات المحددة قانونا.
غير أن النيابة العامة كانت لديها رؤية أخرى حيث كيفت فعل إعجاب المتهم ومشاركته لمنشور صفحة تسريبات لا على كونه ارتكب جنحة الغش في الامتحانات، بل اعتبرته مرتكباً لجنحة المشاركة في الغش في الامتحانات، وذلك طبقا للفصل 129 من القانون الجنائي والذي جاء فيه « يعتبر مشاركا في الجناية أو الجنحة من لم يساهم مباشرة في تنفيذها، ولكنه أتى أحد الأفعال الآتية: … -تساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة ﻹرتكابها مع علمه بذلك؛».
وبالتالي يمكن القول أن المتهم عن طريق إعجابه ومشاركته لهذا المنشور قد شارك في انتشار هذه الصفحة وبلوغها لعدد معين من أصدقائه مما يعتبر إعانة لأصحاب الصفحة في ارتكاب جريمتهم المتمثلة في تسريب الامتحانات، وعليه اعتبرت المحكمة الابتدائية بكلميم في حكم فريد صادر عنها –بخصوص ذات القضية- أنه وبمجرد إقدام المتهم على الإعجاب ومشاركة صفحة تسريبات امتحانات الباكالوريا على موقع التواصل الاجتماعي قد قام على إثرها الركن المادي لجنحة المشاركة في الغش في الامتحانات، وبما أن المتهم وجه إرادته وهو مدرك لفعله للإعجاب ومشاركة المنشور وذلك عن حرية وطواعية يجعل من عنصر القصد الجنائي قائم تجاهه.
وبما أن القانون المتعلق بجزر الغش في الامتحانات المدرسية في مادته 8 حدد عقوبة خرق مقتضياته في « … الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات و بغرامة تتراوح بين 5000 و 100.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين …»، وعلى اعتبار أن الفصل 130 من القانون الجنائي يقر بـ» أن المشارك في جناية أو جنحة يعاقب بالعقوبة المقررة لهذه الجنحة أو الجناية»
وبما أن المتهم يعد مشاركاً في جريمة الغش في الامتحانات فإنه يعاقب بنفس العقوبة المقررة للفاعل الأصلي –مالكي الصفحة- فقد صرحت المحكمة الابتدائية بكلميم إبتدائياً وبمثابة حضوري بعد تغيب المتهم عن الحضور بمؤاخذته من أجل المنسوب إليه والحكم عليه بغرامة نافذة قدرها 5000 درهم مع الصائر و الإجبار في الأدنى، غير أن المتهم استأنف الحكم فقضت غرفة الاستئناف بذات المحكمة تأيد الحكم الابتدائي.
لتنتهي مراحل المتابعة التي بدأت بنقرة على أيقونة الإعجاب والمشاركة واعتقاد أن فضاءات التواصل الاجتماعي تقترن بمفهوم الحرية بعبرة لابد من أن يأخذ بها كل من يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو ينوي ذلك ويضعها بين عينيه، أن ما ينظر له لدى العموم على كونه حرية لا دخل لأحد فيه قد يعتبر في نظر القانون جرماً يستوجب المتابعة والعقاب.

> محمد برغاز

Related posts

Top