الاتحاد الأوروبي أمام مراجعة ضرورية لسياساته تجاه تونس

تحولت تونس إلى بلد العبور الأول في منطقة شمال أفريقيا نحو أوروبا، الأمر الذي يستدعي، وفق متابعين، إعادة مراجعة من قبل الاتحاد الأوروبي لسياساته مع تونس التي لم تخل من سلبية على مدار السنوات الماضية.

ويرى المتابعون أن تونس التي تواجه وضعا اقتصاديا واجتماعيا صعبا وتدفقا غير مسبوق للمهاجرين، لاسيما من جنوب الصحراء، هي في أمس الحاجة اليوم إلى دعم من قبل شركائها الأوروبيين، حيث إن هذا الوضع ينعكس بالضرورة عليهم.

وتحاول إيطاليا التي تعد أكبر المتضررين من الوضع في تونس، إقناع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بجدوى التحرك من أجل مساعدة البلاد على الخروج من هذا الوضع، لكن جهودها تقابل بعدم حماسة من قبل بعض نظرائها الأوروبيين، لخلفيات لا تخلو من حسابات سياسية.

وقال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الأربعاء إن حكومة بلاده تعمل على دعم تونس من أجل منع “الانهيار المالي”. وأوضح تاياني، في مقابلة مع محطة “سكاي 24” الإخبارية، أن تونس تتعين مساعدتها لأنها الجهة التي يتدفق منها المهاجرون بشكل متزايد.

ووفق بيانات لوزارة الداخلية الإيطالية، باتت تونس بلد العبور الأول في المنطقة نحو الأراضي الإيطالية، مع مغادرة 12 ألفا و83 شخصا انطلاقا من سواحلها منذ بداية العام وحتى يوم الثالث عشر من مارس الجاري، مقارنة بـ1360 وافدا فقط في نفس الفترة من العام الماضي.

وتعادل أعداد المهاجرين لهذا العام أكثر من ثلث إجمالي الوافدين غير النظاميين من السواحل التونسية طيلة عام 2022 والبالغ عددهم 32 ألفا و101.

ويعزى ذلك إلى تزايد أعداد الوافدين من دول أفريقيا جنوب الصحراء بشكل لافت هذا العام على تونس، حيث لا يتعدى عدد التونسيين من بين تلك الأعداد المغادرة إلى إيطاليا 1328 شخصا.

وتسبب هذا الارتفاع اللافت في أعداد المهاجرين الأفارقة الوافدين على البلاد في أزمة دبلوماسية عاصفة بين تونس وعدد من دول القارة، بسبب تصريحات للرئيس قيس سعيّد دعا فيها إلى تشديد القيود على المهاجرين المقيمين بطرق غير قانونية على الأراضي التونسية.

كما أعربت دول ومنظمات غربية عن رفضها لتصريحات الرئيس التونسي، فيما أبدت روما تفهما للمخاوف التي أعرب عنها الرئيس سعيّد، حاثة على تحرك أوروبي فاعل من أجل دعم البلاد.

وقال وزير الخارجية الإيطالي، في المقابلة التي أذيعت على موقع المحطة بشبكة الإنترنت، “أحادث وزير الخارجية التونسي كل يوم تقريبا، ونحن نعمل على إرسال مساعدات اقتصادية بأسرع وقت ممكن”. وتعد إيطاليا ثاني أكبر مستثمر أجنبي في تونس بأكثر من 900 شركة وبطاقة تشغيلية عالية.

وشدد الوزير الإيطالي، في تصريحاته، على أن “الشيء الأساس هو منع الانهيار المالي لتونس”.

وتواجه تونس أزمة سيولة في المالية العمومية وهي تنتظر صرف القسط الأول من اتفاق القرض مع صندوق النقد الدولي والبالغ إجمالا 1.9 مليار دولار أميركي، مقابل التقيد بحزمة إصلاحات جوهرية لاقتصادها تشمل نظام الدعم وكتلة الرواتب والمؤسسات العمومية المتعثرة.

لكن تلك الخطط تواجه تعقيدات بسبب تحفظ الاتحاد العام التونسي للشغل، النقابة الرئيسية وذات النفوذ القوي في تونس، فضلا عن عدم حماسة الرئيس التونسي نفسه لهذه الخطط، حيث يخشى من تبعاتها على شعبيته.

وقال تاياني “الوضع في تونس معقد بسبب أزمة مالية كبيرة، نحن نعمل بشكل مكثف من خلال تقديم مساعدات إيطالية، إلى أن يتمكن صندوق النقد الدولي من تقديم مبلغ المليار دولار للموازنة”.

وتابع الوزير الإيطالي “دولة الإمارات العربية المتحدة أيضا، ينبغي أن تقدم نصف مليار دولار، وهذا سيسمح لتونس بالخروج من الأزمة الراهنة”.

إيطاليا التي تعد أكبر المتضررين من الوضع في تونس تحاول إقناع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بجدوى التحرك من أجل مساعدة تونس

وكانت رئيس الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أكدت خلال زيارة أجرتها في وقت سابق من الشهر الجاري إلى أبوظبي أن بإمكان الإمارات لعب دور رئيسي في عدد من القضايا التي تهم إيطاليا، مثل استقرار ليبيا والصعوبات المالية التي تواجهها تونس، وهما مشكلتان تؤثران على تدفقات الهجرة، وكذلك سياسة الطاقة التي تنتهجها روما إزاء أفريقيا. وأضافت ميلوني “في كل هذه الأمور، عبر رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد عن استعداده للمساعدة”.

ووضعت حكومة ميلوني منذ وصولها إلى السلطة في إيطاليا هدفا لخفض أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى إيطاليا بطرق غير شرعية، ومكافحة عصابات تهريب البشر في حوض البحر المتوسط.

ويدرك المسؤولون الإيطاليون وفي مؤسسات الاتحاد الأوروبي أن ذلك يتوقف على حجم التعاون المطلوب من دول الجنوب، ومن بينها تونس ومصر وليبيا.

وقال تاياني إن هدف الحكومة “هو وقف المتاجرين بالبشر من خلال ملاحقة الجرائم المرتكبة خارج الحدود الوطنية”. وأضاف وزير الخارجية الإيطالي أن بلاده تعمل بشكل أكبر على تعزيز الهجرة النظامية مع تطلعات إلى استقبال نحو 80 ألف مهاجر سنويا.

وسبق وأن أعلن وزير الخارجية الإيطالي خلال زيارة أداها إلى تونس في يناير الماضي عن استعداد حكومته لاستقبال المزيد من المهاجرين التونسيين النظاميين.

Related posts

Top