الاصطياف والقراءة

مع حلول فصل الصيف وانطلاق مواعيد العطلة السنوية، يشرع العديد من المواطنين في الإقبال على قراءة الكتب، خاصة منهم أولئك الذين يتخذون هذه الممارسة وسيلة لتزجية الوقت الممطط مثل النهار الذي يزداد طوله في هذه الفترة بالذات سيما وأن الحكومة لا تريد الانعتاق من تلك الساعة التي تزيدها أو تنقصها حسب أحوال الطقس والعبادات.. التوقيت الصيفي والتوقيت الرمضاني.
العديد من الأصدقاء الذين أتقاسم وإياهم كتاب الوجوه -وهي الترجمة الحرفية للفايسبوك- نشروا أخيرا على جدرانهم الخاصة عينة من الكتب التي ينوون قراءتها في هذا الصيف؛ بتزامن مع موعد حصولهم على العطلة السنوية.
عناوين كثيرة، أغلبها عبارة عن روايات أجنبية ومغربية كذلك، ولفت انتباهي أن بعض هذه العناوين غير متوفر في المكتبات الوطنية، ولا شك أنها عبارة عن نسخ رقمية، من تلك النسخ التي يمكن الحصول عليها بالمجان، بمجرد نقرة أو نقرتين على مفاتيح الحاسوب.
أن يكون كل المقروء على امتداد عطلة بالكامل عبارة عن روايات ولا شيء آخر غير الروايات، شيء يبعث على الضجر، فضلا عن أنه لن يضيف ربما إلى الرصيد المعرفي لصاحب هذه الوجبة القرائية – إذا صح التعبير- أي شيء، علما بأن الروايات عادة ما تتأسس على المتخيل.
يفترض في أن من اختار أن يطالع سوى الروايات خلال فترة عطلته الكاملة، قد ألم مسبقا بكل المعارف التاريخية والدينية والجغرافية والفكرية والقانونية.. وغيرها، إلى حد أنه بات في غنى عن اكتساب معارف جديدة، وهذا الأمر بطبيعة الحال منافي للمنطق والحقيقة.
طبعا لا أقوم بتبخيس القيمة التي تشكلها الرواية أو غيرها من النصوص الإبداعية، أخذا بعين الاعتبار أنها تشبع رغبة معينة لدى القارئ، لكن تركيز الاهتمام عليها دون سواها، يشكل في حد ذاته خللا.
مع ذلك قلما نعثر على قارئ في هذه المساحة الزمنية الشاسعة للعطلة، وحتى الذين يحملون كتبا معهم، قد لا يجدون الرغبة في مواصلة قراءتها حتى النهاية، تصادف البعض منهم في القطار أو في مكان ما من أماكن الاصطياف وقد وضع أمامه كتابا معينا دون أن يفكر بعد ذلك في أن يمد إليه يده ليفتحه، وفي المقابل تجد نظره لا يكاد يفارق شاشة الحاسوب أو الهاتف الذكي، وبهذا الصدد يحضرني رسم كاريكاتيري لأحد الفنانين الأجانب، جسد فيه يدا حاملة للهاتف الذكي وقد انغرست فيها جذوره.
من السهل جدا أن نقوم بتعيين عناوين الكتب التي ننوي قراءتها خلال العطلة الصيفية الطويلة، ونقوم بإشهارها على جدراننا الفايسبوكية، لكن الأصعب هو الانغماس في قراءة هذه الكتب الواحد تلو الآخر، ولا نكاد ننهي فترة عطلتنا حتى نكون قد أتينا على قراءتها بالكامل وتزودنا بما يكفي من المعرفة والمتعة كذلك.

عبد العالي بركات

[email protected]

Related posts

Top