الانتخابات التونسية…

تواجه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس تحدي تنظيم الانتخابات الرئاسية المبكرة بعد تغيير روزنامتها إثر وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، ما يضعها في سباق مع الزمن لتدعيم الانتقال الديموقراطي الذي تمر به البلاد منذ 2011.
وتتعرض الهيئة المكلفة تنظيم الانتخابات لضغوط كبيرة: إذ كان يفترض بها أن تنظم الانتخابات البرلمانية المقررة في مطلع أكتوبر قبل الوصول إلى الرئاسية في نونبر في أحسن الظروف. غير أن وفاة السبسي في 25 يوليو وضعها أمام امتحان صعب، فقد وجدت نفسها ملزمة بالتحرك بسرعة قصوى بعد تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى منتصف شتنبر.
وتقول الناطقة الرسمية باسم الهيئة حسناء بن سليمان لفرانس برس “الهيئة في سباق السرعة القصوى” من أجل أن تكون الانتخابات “وفقا للقواعد وتضمن الإنصاف لمختلف المترشحين”.
وسارعت الهيئة إثر قرار تغيير المواعيد إلى تقديم مقترح للبرلمان بهدف تعديل القانون الانتخابي والاستفتاء صادق عليه النواب لاحقا.
ويهدف هذا التعديل إلى اختصار بعض الآجال القانونية المتعلقة بالطعون في نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة تجنبا لانتهاك الدستور وتجاوز المدة الرئاسية الموقتة المحددة بـ90 يوما على أقصى تقدير.
كما استحصلت الهيئة التي ينتخب البرلمان أعضاءها التسعة، على الحبر المستخدم في عمليات الاقتراع للبصم، وبدأت كل التحضيرات اللوجستية. وهي التي اختارت 26 مرشحا ليتنافسوا في الانتخابات من أصل حوالي مئة طلب.
وكسبت الهيئة رهانا آخر تمثل في تسجيل أكثر من سبعة ملايين ناخب بعد حملة إعلامية ودعائية مكثفة، تمكنت بعدها من تسجيل نحو مليون ونصف مليون ناخب جديد، 60 في المئة منهم من الشباب، محققة رقما قياسيا في هذا المجال منذ انتخابات 2011.
ولم يكن ذلك بالأمر السهل بالنظر إلى نسبة العزوف عن الاقتراع في الانتخابات البلدية التي جرت منتصف العام 2018 والتي شارك فيه ثلث المسجلين فقط. ولا يعلم كم ستكون نسبة المقترعين في الانتخابات المقبلة.
ومن أبرز التحديات التي تواجه الهيئة أيضا، تسريع تنظيم دورات تكوينية متقدمة لمراقبين ومشرفين سيتواجدون في مراكز الاقتراع ويراقبون الحملات والتمويل الانتخابي. وشاركت في الدورات وزارات متخصصة والبنك المركزي.
وسيتحقق المراقبون من عدم لجوء المتنافسين إلى تمويلات خارجية وتجاوز سقف التمويل الذي حدده القانون.
وتقول بن سليمان “سيتم تكوين حوالي 55 ألفا بين مراقبين ومشرفين… كما تحاول الهيئة دوما أن تقدم الأفضل خصوصا في ما يتعلق بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي والتمويل وتكون تبعا لذلك قراراتها مستندة إلى ملفات مدروسة جيدا”.
ويرى رئيس منظمة “مراقبون” المتخصصة في مراقبة الانتخابات محمد مرزوق أن “الهيئة لم تقدم بعد الطرق الواضحة في عملية تحديد ومراقبة التمويل والإنفاق”.
وراكمت الهيئة سنوات من الخبرة منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي وشق البلاد طريقها نحو الممارسة الديموقراطية، إذ نظمت أكثر من جولة انتخابات تاريخية، بينها انتخاب المجلس التأسيسي في 2011 بعد الثورة، والانتخابات التشريعية والرئاسية الأولى بالاقتراع العام في 2014، وأول انتخابات بلدية ديموقراطية في 2018.
لكن هذا لا يعني أنها ستتمكن من تجاوز الصعوبات الحالية بسهولة.
وتوضح بن سليمان “الهيئة راكمت تجارب سابقة مهمة لكن تبقى الأمور معقدة، لأن القوانين تتغير ولأن عدد المترشحين أكبر والمناخ السياسي يتغير وعلينا أن نتأقلم”.
إلا أن أستاذ التاريخ السياسي المعاصر عبد اللطيف الحناشي يعتبر أن سرعة رد فعل الهيئة إثر وفاة الرئيس عبر طلب تقديم المهل “مؤشر مهم على جاهزيتها في معالجة الأمور بمرونة وحكمة”.
وتزايد الاحتقان بين المتنافسين قبيل انطلاق الحملة الانتخابية في الثاني من شتنبر ما زاد من صعوبة مهام الهيئة. وبعد توقيف صاحب قناة “نسمة” الخاصة نبيل القروي، أحد المرشحين البارزين إلى الرئاسة، بتهم تتعلق بتبييض أموال، أصرت الهيئة على أنه سيبقى مرشحا ما لم يصدر قرار قضائي في شأنه.
ويرى الحناشي أن قرار الهيئة الإبقاء على ترشيح القروي “أمر يؤكد استقلاليتها وعدم رضوخها للضغوطات المختلفة التي طالبت بإسقاط ترشيحه”.
وبعيد نشر قائمة تزكية المرشحين الـ26، وهو شرط أساسي في تقديم ملف الترشيح، كشف عدد من نواب البرلمان ومن الناخبين أنهم لم يزكوا أسماء معينة نسبت إليهم تزكيتها، وقدموا اعتراضات للهيئة التي قبلت شكاوى الناخبين وأحالتها على القضاء للنظر فيها.
ويفترض أن يحصل كل مرشح على توقيع عشرة أعضاء من البرلمان آو عشرة آلاف ناخب ليتمكن من تقديم ملف ترشحه.
وبدأت الحملة الانتخابية قبل موعدها بالنسبة إلى البعض، وكان الفضاء الافتراضي مساحة لها، إذ انتشرت الصفحات الممولة الناطقة بأسماء المرشحين، وما انفك عدد المنخرطين فيها يتزايد بسرعة، وأهمها صفحة منسوبة لوزير الدفاع المستقيل عبد الكريم الزبيدي الذي أعلن ترشحه ونفى لاحقا أنه يملك صفحات خاصة به على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأعلن رئيس الهيئة نبيل بفون أن الهيئة “ستوجه تنبيهات للمرشحين لحذف الصفحات” الممولة إلى أن تبدأ الحملة الانتخابية.
وأشادت منظمات دولية مختصة في مراقبة الانتقال الديموقراطي والانتخابات بتونس خلال التجارب السابقة، ومن بينها بعثات الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي. وأقرت غالبية هذه المنظمات بوجود بعض الثغرات في المسارات الانتخابية، لكنها أكدت في المقابل أنها لم تؤثر على النتائج النهائية.
ويقول الحناشي “نجاح تنظيم الانتخابات هو نجاح لتجربة الانتقال الديموقراطي ودعم لها وبالإمكان أن تستفيد منها دول المنطقة التي تعيش انتقالا مماثلا، على غرار الجزائر والسودان”.

ا.ف.ب

Related posts

Top