الانتخابات تضع الفلسطينيين على محك مفصلي

يقف الفلسطينيون الآن أمام اختيار حاسم وصعب في طريق مسيرتهم التي تقارب قرنا من الزمان، اختيار إمّا يقودهم للاستمرار في الدرب العبثي الحالي الذي أوصلتهم إليه قياداتهم خلال العقد الماضي، وبدد أو كاد نضال الشعب الفلسطيني وتضحياته ونجاحه في إرساء وجوده الإنساني والسياسي على جزء من أرضهم التي سُلبت منهم، أو يعيدهم مرة أخرى لاستكمال ما حققوه خلال ستين عاما وما بذلوه من الدم والعذاب.
يقفون في مفترق بين طريق النجاح أو طريق الفشل. مفترق يمكن اختصاره بكلمة واحدة هي: الانتخابات، التي تتجاوز في معناها وهدفها ما تعنيه لأي شعب آخر. هي بالنسبة للفلسطينيين ليست مجرد تغيير للقيادات وتمكين المواطنين من استعمال حقّهم في التغيير، على أهمية ذلك، لكنها موضوع حياة أو موت للحلم في العودة إلى مجموعة شعوب العالم شعبا واحدا وموحدا وسيدا.
هل الفلسطينيون اليوم شعب واحد تقوده قيادة واحدة منتخبة تمثل كل الفلسطينيين؟ هل هناك برنامج سياسي واجتماعي واحد؟ هل هناك قرار واحد حول الحرب أو السلام؟ هل الفلسطينيون أفضل حالا اليوم مما كانوا عليه عام 1994 عندما كان قرارهم واحدا، على الرغم من السلبيات والمخالفات؟ هل ينتظرون غدا أفضل من اليوم؟
تتوالى الأسئلة الحرجة، كم عاد من الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة وكم هاجر منها؟ هل ارتفع مستوى توفر العمل والتوظيف وعدالته عمّا كان منذ عقد مضى؟ هل هم اليوم أقرب لبعضهم البعض، يشعرون بانتماء المواطنة الواحدة؟ هل هم فاعلون في الساحة الدولية؟ ولماذا تهاوى الوزن العربي والإقليمي والدولي في قضيتهم؟ هل هم اليوم أقل نضالا، وأقل شهداء وجرحى وسجناء؟
هناك سبب واحد يفسر ويجيب على كل هذه التساؤلات هو الانقسام، فإذا تمت معالجته سوف تنتهي الكثير من الأمراض السياسية التي نخرت أجساد الفلسطينيين.
تبدو بوادر الموافقة الأولية للمنظمات والفصائل والأحزاب على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مشجّعة وإيجابية حتى الآن، كما تبدو موافقة دول العالم، ما عدا إسرائيل، جاهزة لمعاونة الفلسطينيين على تحمّل التبعات والتكاليف وتقديم المساعدة الفنية والمالية وتمكين اللجنة المستقلة للانتخابات من أداء عملها الذي نال تقدير العالم بأداء مشهود بنزاهته وحرفيته. سوف يقع الثقل الحقيقي لإنجاز هذا العمل على أكتاف حركتي فتح وحماس.
عاملان فقط يستطيع أحدهما إفشال إجراء الانتخابات. أولهما إسرائيل؛ ليس سرا أنها غير معنية بأي إجراء يُكسبُ الوجود الفلسطيني السياسي شرعية أو توحدا أو اعترافا إقليميا ودوليا. كما أنها أسهمت، بشكل أو بآخر، في تحقيق الانقسام لأسباب لا نحتاج إلى تكرار لشرحها.
وبصفة إسرائيل الدولة المحتلة والمهتمة بالاستيلاء على الأراضي وبناء المستوطنات عليها، فإنها ترى أن وجود أراض فلسطينية متصلة وموحدة في الضفة الغربية ومتناغمة مع قطاع غزة خطرا كبيرا عليها. وتملك رفض مشاركة سكان القدس الشرقية العرب من المشاركة في الانتخابات بحجة أن المدينة والسكان، انضمتا إلى القدس المحتلة التي أصبحت بكاملها عاصمة لإسرائيل، وقد تؤيدها الولايات المتحدة في ذلك.
تستطيع إسرائيل أيضا منع المواطنين الفلسطينيين من بعض أو كل مراكز الانتخابات، كما تستطيع إغلاق بعض أو كل المقار الانتخابية أو أي إجراء آخر يعرقل مجرى الانتخابات. لكن على إسرائيل عمليا أن تفكر في ردود دول العالم الرافض والمُدين لذلك التصرف غير الشرعي والمعارض لاتفاق السلام الفلسطيني الإسرائيلي وقرارات الأمم المتحدة والعرف الدولي.
العامل الثاني، الذي يمكن أن يتسبب في إفشال إجراء الانتخابات لن يحتاج إلى تدخل إسرائيل، كما أنه لن يتسبب في أي إدانة دولية لها، أو يعارض أي اتفاق سلام، هو ذلك الذي يقوم به الفلسطينيون أنفسهم.

لم يمض يوم دون أن تتبادل الحركتان اللتان يعتمد الشعب على جهدهما الاتهامات والتهديدات والتخوين والتمسك بمصالحهما والتفرّد والتوسع في العلاقات والمؤتمرات الخارجية.
هناك إشارات واضحة على أن التفكير أو العمل باتجاه إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية لم يكن من اهتمام حماس ولا فتح. وأن هذا الاهتمام جاء نتيجة للمأزق الذي يواجهه كلاهما في الاستمرار بالسيطرة على المواطنين في رام الله وغزة، وفشل التنظيمين في العمل الجاد والمسؤول لاستكمال بناء الدولة الموحدة وتحقيق نظام سياسي قائم على تداول السلطة واحترام المواطن وحماية حقوقه وكرامته.
يتحتم على قادة التنظيمين الرائدين وكافة قادة الفصائل والأحزاب أن يدركوا أنه لن يخرج أحدهم منتصرا على حساب الآخرين. إذا كان من الصعب تحقيق الوحدة فإنه من المستحيل أن تستمر بالانقسام. فالوحدة تقود إلى تحقيق أهدافهم واستعادة أرضهم وبناء دولتهم والحفاظ على كياناتهم، بينما الانقسام يؤدي إلى الخضوع لجيش الاحتلال.
أكد محمود عباس أن كل الأطراف الفلسطينية وافقت على صيغة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وأنه بصدد انتظار رد إسرائيل في ما يتعلق بانتخابات سكان القدس العربية، بينما أصدرت حماس بيانا عاما أدان تصرفات الرئيس عباس، ووصفته بـ”المخيّب للآمال” في ترتيبات إجراء الانتخابات.
ألم يكن من الأنسب لو دعت حركة حماس إلى اجتماع للفصائل لتقديم اعتراضاتها على ترتيبات الرئيس للانتخابات؟ أليس من أغرب الغرائب ألّا يجتمع دوريا ممثلون عن أكبر الفصائل للمداولة الهادئة حول أين يذهب الفلسطينيون وكيف؟ أليس من الغرابة أيضا أن رئيسي أكبر الفصائل اللذين يسافران إلى دول مجاورة وغير مجاورة، يعجزان أو لا يرغبان في لقاء يجمعهما؟ ولذلك كيف يمكن توقع حدوث تعاون في حكومة مشتركة قادمة؟
دعوة إسماعيل هنية للمشاركة في المؤتمر الإسلامي في كوالالمبور حق له ولحركة حماس، وكان الشعب الفلسطيني يأمل أن يعيد المؤتمر دعم حقوقه واحتياجاته، لكن هذه الدعوة ليست فتحا جديدا في العلاقات الدولية، لأن فلسطين عضو أساسي في المؤتمر الإسلامي منذ زمن طويل، وحماس دعيت للمؤتمر، لكنها لا تمثّل الفلسطينيين، فالسلطة الوطنية هي التي تمثلهم حتى الآن.
موقف الرئيس عباس ممّا تحضّره إسرائيل من فتح مراكز في ضواحي مدينة القدس لسكانها الفلسطينيين ضروري وصارم، ويجب على الجميع دعم هذا الموقف حال عرضه رسميا من قبل إسرائيل بقرار جماعي للفصائل والدول الشقيقة والصديقة. غير أن التهديد الآن بإلغاء الانتخابات من قبل الفلسطينيين عقوبة للتصرف الإسرائيلي قد ينتهي بعقوبة للشعب الفلسطيني، صاحب المصلحة الكبيرة في إجراء الانتخابات.
إن الموقف الفلسطيني الرافض لهذا التصرف يحتاج إلى عمل وجهد من الأسرة الدولية، وهي قادرة على ذلك، بإبقاء مراكز الانتخابات المقدسية داخل حدود القدس الفلسطينية. وهناك وقت طويل للتفكير في الطلقة الأخيرة وهي إلغاء الانتخابات.
يتحتم على الفصائل أن تضع إنهاء الانقسام هدفا أساسيا للانتخابات القادمة، وعليها تقديم تنازلات متبادلة للتوصل إلى هذا الهدف. ولا يمكن أن ينتصر شعب منقسم على نفسه، ولا يمكن أن ينتصر في النهاية طرف على حساب آخر بل سيخسر كلاهما. فالانتصار للجميع يتحقق عبر الوحدة.

 مروان كنفاني

مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات

Related posts

Top