الباحث الأكاديمي يحيى عمارة

 تنخرط بلادنا على غرار البلدان المتحضرة في الاحتفال بالدخول الثقافي؛ بهذه المناسبة كان لبيان اليوم اتصال بمجموعة من المبدعين والنقاد، من أجل الحديث عن الأعمال الجديدة التي يهيئونها للطبع، وقضايا أخرى ذات صلة بالثقافة بوجه عام، ومن أبرز المحاور التي تناولناها معهم:
 قراءة للحركة الثقافية خلال السنة الجارية. تقييم الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات الثقافية: اتحاد كتاب المغرب، بيت الشعر بالمغرب. قيمة القضايا التي يناقشها المغاربة راهنا ومدى مستوى هذا النقاش. محاولة لتفسير غياب العديد من الأسماء الأدبية والفكرية عن ساحة النشر. المحاكمة القضائية للإنتاج الأدبي والفكري..

 هذا ما أعده للنشر

هناك الاشتغال في هذه اللحظة، على كتاب نقدي خاص بالشعر المغربي المعاصر، أناقش فيه بعض قضايا الشعر انطلاقا من متون الشعراء المغاربة المعاصرين، مثل قضية المشهد الشعري الحديث بالمغرب، وقضية التراث والمعاصرة عند أحمد المجاطي، وقضية اللغة الصوفية عند محمد السرغيني، وقضية متخيل التاريخ في الشعر المغربي المعاصر، وقضية الحداثة عند عبدالكريم الطبال، بالإضافة إلى قراءة بعض الدواوين  الشعرية الجديدة للشعراء: عبد السلام بوحجر وأمينة المريني، وفي الوقت نفسه نحن على وشك الانتهاء من ديوان شعري جديد، في انتظار إخراج ديوان شعري آخر بعنوان “فوضاي تكتب نثرها” هو موجود في المطبعة، ثم لن أجازف في التحديد، إذا قلت لكم هناك بحوث وإصدارات تنتظرنا لكي نعود إليها من أجل إتمامها وإخراجها، ربما ستدخل جديدنا في هذه السنة.

ثقافة البهرجة والفلكلرة

 انطلاقا من المعايير الواقعية المسعفة على تقويم الحركة الثقافية المغربية، مثل الإحصاء، والنوع، والهدف، ومستوى الإنتاج، والمشاركة، والمتلقي، والأنشطة والتظاهرات، يمكن القول إن المغرب الثقافي حاضر على مستوى الكم، وغائب على مستوى الكيف، وظاهرة هيمنة ثقافة البهرجة والفلكلرة (نسبة إلى الفلكلور) والمجانية مافتئت سائدة، والفئة المستهدفة كبيرة، لكن دون استفادة من توجيه عقلاني جمالي حداثي متزن وسوي هوياتي، يجمع بين ما هو خصوصي وما هو كوني، بمعنى عدم استحضار ثقافة الوعي في رسالة الثقافة  والفن، وهذا يسود كذلك حتى على مستوى الإنتاج، فالكتابة مطروحة في الطريق يعرفها الجميع، والموسيقى صاخبة يسمعها الجميع، لكن أين حصيلة القمح بعد الطحين كما يقال. بالإضافة إلى أن الاهتمام بالثقافة المغربية أصبح في تراجع ملحوظ في مؤسسات الدولة وفي المجتمع المدني المتهافتين على التنمية الاقتصادية والاجتماعية دون الالتفات إلى التنمية الثقافية وأهميتها في التنمية المستدامة، بالرغم من مجهودات وزارة الثقافة وبعض جمعيات المجتمع الثقافي المدني، التي لا بد لها من الدفاع عن رفع قيمة الشأن الثقافي المغربي ومحاربة الفساد فيه.
 الحق في الحلم

 هناك أحداث ثقافية كثيرة عرفها العالم العربي والمغرب خاصة، تتراوح بين الحدث المفرح والحدث المفجع، في باب الأول يمكن أن أذكر انتخاب اتحاد كتاب المغرب  في شخص رئيسه الكاتب عبد الرحيم العلام لتحمل مسؤولية النيابة الأولى لرئاسة الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب بأبو ظبي في السنة الفارطة، ثم  فوز الناقد والباحث المغربي الجاد سعيد يقطين بجائزة الشيخ زايد للنقد في الآونة الأخيرة عن كتابه “الفكر الأدبي العربي، البنيات والأنساق”، وهذا تشريف للثقافة  المغربية، أما في باب الثاني، أي الحدث المفجع والمحزن جدا، فهو ما اسميه ببداية اعتقال الإبداع المغربي ومحاكمته على المستويين الواقعي والرمزي، وأقصد هنا اعتقال رواية جزيرة الذكور، لأن هناك من لم يبتغ استمرار وجودها، وبالتالي محاكمة خيال صاحبها الكاتب عزيز بنحدوش، وهو اعتقال للكاتب والرواية معا، فهذه فاجعة حقوقية حلت بالمغرب، وأخشى أن يكون هذا الحدث إعلانا صريحا عن تراجع حق حرية التعبير وحق إبداء الرأي وحق الخيال، وعن الحق في الحلم كما قال المناضل القومي خالد السفياني ذات مرة، وهذا ما أشرت إليه في عنوان ديواني المنشور في السنة الفارطة” لا تقيد يد الورد”. فهذا الحدث  يتنافى مع دستور يوليوز2011 ، ومع شعار من أجل مشروع مغربي حداثي ديمقراطي منشود.

 صنف أصيل وآخر دخيل

 بكل موضوعية، هناك صنفان من الجمعيات الثقافية: صنف أصيل، وصنف دخيل. الصنف الأول يبني ويؤسس ويشارك ويتفاعل، مثل اتحاد كتاب المغرب، وبيت الشعر في المغرب. وصنف دخيل لا يعرف جدوى الفعل الثقافي وهدفه، بل أحيانا يسهم في هدمه وتخريبه ونشر الرداءة في محيطه. فاتحاد كتاب المغرب منظمة المثقفين المغاربة قاطبة، قامت بمجموعة من الأنشطة الثقافية المتميزة، فعلى المستوى الوطني، نظم المكتب التنفيذي بالتنسيق مع فروع الاتحاد مجموعة من الملتقيات والتظاهرات الكبرى التي أسهمت في تحريك المشهد الثقافي المغربي، نذكر منها الملتقى الأورو متوسطي للشعر بتطوان وجائزة الأدباء الشباب بالمغرب. والفعالية نفسها تحضر في بيت الشعر في المغرب، ولعل حدث الجائزة العالمية أركانة للشعر التي حصل عليها الشاعر الألماني فولكر براون دليل ساطع على هذه الفعالية.
مرحلة انتقالية حساسة

 نحن في مرحلة انتقالية حساسة،على المستوى السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي، وكما نعلم، أصعب مرحلة في التاريخ، هي المرحلة الانتقالية. صعوبة المغاربة راهنا، بشكل مقارباتي متواضع، تكمن في قضاياهم المتمحورة أساسا، في ثنائية ضدية تتشكل في واقع  محافظ يناصر التقليد والثابت، يتحكم في الشخصية المغربية، وفي حلم حداثي  ديمقراطي يريد التغيير والتمرد والتجديد، يجد عوائق كثيرة في الإنصات. معنى هذا، نعيش الآن زمن القضايا المتناقضة، التي تفضي لا محالة إلى تدني مستوى النقاش، نحن ربما في نقاش يميل فيه ميزان القوى  إلى أدبيات السفسطائيين أكثر من اجتهادات سقراط بالمعنى الفلسفي السياسي والاجتماعي.
 
 نداءات الكتاب المغاربة

 غياب الأسماء ظاهرة واقعية يفرزها الوضع المغربي الذي لم يستجب لحد الآن بالصورة المرجوة لنداءات الكتاب المغاربة بكل مراتبهم وأصنافهم، ولم ينفتح بعد على الشأن الثقافي بصفته أفقا وطنيا ضروريا، وهذه ظاهرة تاريخية قديمة، تستحق التأمل أكثر، لأن السؤال الذي يفرض نفسه في هذه اللحظة: لماذا لم يتمكن المغرب المعاصر من البحث عن استراتيجيات ناجعة تلامس عن قرب حلولا واقعية للخروج من هذه الظاهرة؟ كذلك،إن الكاتب المغربي لم يجد الآذان الصاغية للتجاوب مع طموحاته التي يعرفها الجميع.هنا أريد أن أقول إن البؤس الثقافي المغربي يبتدئ من تهميش طموحات مثقفيه وكُتَّابه. كما أستغل الفرصة في الوقت نفسه، لأوجه تحية ثقافية للكتاب الذين ما فتئوا مستمرين في عملية إنتاج إبداعهم وفكرهم، بالرغم من عدم حسن الإنصات إليهم من لدن المجتمع المغربي، وهذه هي أنبل الرسائل القيمية والرمزية التي يعشقها التاريخ.

 سلطة القهر  

إن محاكمة الإبداع والفن والفكر قهر سياسي واجتماعي وثقافي وحقوقي للخيال والحلم والحرية، وهذه هي أفضل وأعظم ما يمتلكه الإنسان. فالذين يتشبثون بسلطة القهر يعرفون جيدا بأن الإبداع والثقافة جبهة مواجهة من أجل المجتمع والتقدم في فترات التخلف والقهر والظلم واليأس التي تعاني منها الشعوب، ويعرفون كذلك بأن ما يقدمه المبدعون إلى المجتمع من إنتاج فني وأدبي وفكري هو حصيلة المعاناة والتجربة، وخلاصة الثقافة والخبرة، وهو يقوم غالبا على نقد الواقع المتردي والحث على تغييره، ونشر القيم الداعية إلى دمقرطة الحياة الإنسانية والمجتمعية. فكل محاكمة من هذا النوع نعدها فعلا تسلطيا يتنافى مع أدبيات حقوق الإنسان التي هي المدخل الرئيسي للديمقراطية الحقيقية الساعية إلى توسيع الحرية بكل أنواعها. لكل هذا، نقول إن حرية الإبداع ركن أساس من أركان كل مشروع نهضوي فعلي اقتصادي علمي معرفي اجتماعي ثقافي وسياسي مؤسساتي، وإن تقييد تلك الحرية مظهر من مظاهر الممارسة اللاديمقراطية.

شروط الدخول الثقافي

لا أعتقد أن لدينا شروط الدخول الثقافي بالمعنى الاستراتيجي الفعال الذي يجعل بلدنا نقطة ضوء على المستوى العربي والدولي للإعلان عن هذا الدخول، بل هناك بعض مؤشرات الحماس للاحتفال من لدن بعض منظمات المجتمع المدني التي لديها طموح كبير من أجل مأسسة الدخول الثقافي كما هو موجود في مجموعة من أقطار المعمور، لكن الطموح شيء، والاستجابة شيء آخر. فعوائق تحقيق دخول ثقافي متميز بالمغرب كثيرة، نذكر منها: عدم ترسيخ هذا الاحتفال منذ الاستقلال، عدم تقديم الدعم للجمعيات المعنية في الوقت المناسب، غياب تنظيم معارض في الشهور الأولى  للموسم ذات الاهتمام، نتيجة إكراهات اجتماعية وتربوية وإدارية.   فصراحة، وبلغة الواقع، إن الدخول الثقافي المغربي يبتدئ مع كل سنة جديدة، وخاصة مع تنظيم معرض الكتاب المتميز بالدار البيضاء من لدن وزارة الثقافة الذي أعده أهم اختيار استراتيجي واقتراح صائب للنهوض بالشأن الثقافي والفني بالمغرب، وإن كان ينظم متأخرا.

 إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top