البحث عن المتغيبات

أثيرت أخيرا مسألة غياب أو بالأحرى شبه غياب الصوت النسوي عن الأعداد الأخيرة من المجلة التي تصدرها وزارة الثقافة المغربية، مع أن هذا الإصدار يعنى بشؤون الأدب والنقد والإبداع، وهي الحقول التي أثبتت المرأة المغربية جدارتها في خوض غمارها، حيث راكمت عدة إصدارات على مدى عقود عديدة.

ولكن هل كان من المنطقي طرح مثل هذه الإشكالية أصلا؟ هل من المعقول الحديث عن المناصفة حتى في ما يخص المواد التي تحتضنها هذه المجلة أو تلك؟
لو افترضنا ذلك، فلا شك أنه سيكون له تأثير سلبي على مستوى تبويب المجلة، ولن يكون هناك انتظام في الصدور، فضلا عن أنه من العسير تحقق المناصفة، وسيكون المشرفون على المجلة الآنفة الذكر، الانشغال بحساب عدد الأسماء الذكورية والنسوية التي ينبغي أن يضمها كل عدد على حدة، عوض أن ينصرف اهتمامهم وتركيزهم نحو القيمة التي تشكلها المواد الموجهة للنشر، بغض النظر عن جنس أصحابها.
مع ذلك فإن طرح التساؤل حول غلبة حضور الأسماء الذكورية، سواء في مجلة الثقافة المغربية أو في غيرها، يظل وجيها، في محاولة معرفة الدوافع التي تجعل الكاتبات المغربيات لا يولين الاهتمام بإرسال كتاباتهم الجديدة للنشر في مجلة تعنى بشؤون الفكر والأدب، مع أن هذه المجلة معروفة على نطاق أوسع، فضلا عن أنها أقيمت لها دعاية واسعة على إثر إعادة هيكلتها واستئناف صدورها.
أغلبية الكتاب، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، يتحمسون عادة للنشر في المطبوعات التي تمنحهم تعويضات مادية، مهما كانت هذه التعويضات يسيرة أو مجحفة حتى.
ولذلك، فقد رأينا كيف أن بعض الأسماء التي ظلت عازفة عن النشر نتيجة غياب التحفيز المادي، سارعت إلى إرسال نصوصها للمجلة المذكورة آنفا، على اعتبار أنها تكافئ كتابها، وهي بالمناسبة مكافآت لا تستحق الذكر.
وكان لافتا للانتباه عدم تزاحم الأسماء النسوية حول هذه المأدبة، إلى حد أن هناك من شكك في الأمر، واتهم المسؤول عن المجلة بأنه يتعمد تغييب الصوت النسوي.
في حين كان المبرر الذي قدمه المسؤول عن المجلة نفسها أن النساء الكاتبات، لا يراسلنها، ولم يتوصل منهن بأي شيء، وما نشر لأسماء قليلة، هو ما توصل به، رغم اتصالاته. وأنه من غير الصواب اعتبار المجلة أقصت النساء. فهذا حيف وكلام بدون حجة.
ودخلت رابطة كاتبات المغرب على الخط، من خلال إحدى عضواتها المسؤولات، مذكرة بأن الكاتبات مع الأسف لا يتحركن في اتجاه نشر إبداعاتهن، واعدة بأنهن في الرابطة سيتداولن في الأمر من أجل الدفع في هذا الاتجاه.

أعتقد أن طرح إشكالية حضور الصوت النسوي في الساحة الثقافية، وفي ساحة النشر على وجه الخصوص، بات متجاوزا، صحيح أنه في فترة من تاريخ المغرب، كانت نسبة النساء المبدعات والمثقفات قليلة جدا، وكن يتهيبن النشر، غير أنه مع انتشار التعليم، تضاعف عددهن، وبالموازاة مع ذلك بات مألوفا جدا القراءة لهن سواء في الصحف أو في المجلات أو في إصداراتهن الخاصة، وحاليا نجد لهن حضورا بارزا في المواقع الإلكترونية، وهن إن لم يسجلن حضورهن في مجلة وزارة الثقافة المغربية، فهذا لا يعني بالضرورة أن المسؤولين عن هذه المجلة قد عملواعلى إقصائهن، فلا شك أنه مجرد غياب ظرفي، سيعقبه -على سبيل الدعابة- هجوم كاسح على صفحات هذه المجلة وعلى غيرها.

عبد العالي بركات

Top