البداية جرت في أگادير…

نجحت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف أول أمس السبت في التأسيس لحوار هام على هامش الجمع العام التأسيسي لفرعها الجهوي بأگادير، وتجاوز الأمر القضايا المطلبية المتصلة بالمهنة والإعلام الجهوي والمقاولة الصحفية، وطرح إشكاليات وطنية كبرى تتصل بالجهوية في بلادنا، والحكامة التدبيرية وتطوير الممارسة التمثيلية والديموقراطية بشكل عام.
هذا النقاش الرصين ساهم فيه رؤساء ومنتخبو جهات: العيون، مراكش، الرباط، أكادير والدار البيضاء، وحضره فاعلون سياسيون ومنتخبون محليون وبرلمانيون، بالإضافة إلى عشرات الصحفيين ومدراء نشر منابر إعلامية جهوية ووطنية متنوعة.
القضية المركزية التي اتفق عليها المتدخلون جميعهم، تتعلق بأهمية ترسيخ الثقة في منظومة الديموقراطية التمثيلية والخيار الديموقراطي بشكل عام، وخصوصا في البناء الجهوي ببلادنا، واستعرض المتدخلون ضرورة جعل الجهة قاطرة حقيقية لإعمال برامج ووعود ومشاريع وإصلاحات النموذج التنموي الجديد، وإعادة الاعتبار لمؤسسة: (مجلس الجهة)، والثقة في الفاعل الانتخابي، مع ربط ذلك بإعمال المحاسبة وتمتين دولة القانون على هذا المستوى.
القضية الثانية، التي كانت موضوع شروحات مفصلة من لدن المتدخلين، تتعلق بالقوانين المؤطرة للجهوية ببلادنا، وحاجة المغرب اليوم إلى التقدم خطوات إلى الأمام على هذا الصعيد، والإقدام على تجاوز معضلة وجود عدد من (الصلاحيات المقيدة) لدى الجهات، وتجويد القوانين فضلا عن إحداث «ثورة» في العقليات الإدارية وتغيير ما تعانيه العلاقة بين المركز والجهات من ضعف الثقة…
في الوقت الذي كانت إذن مقاولات الصحافة الجهوية تطالب مجالس الجهات والهيئات المنتخبة بالشراكة والتعاون بين الطرفين لتقوية الإعلام الجهوي وتمتين قوته المقاولاتية والتدبيرية والمهنية، كان منتخبو الجهات أنفسهم يطلبون من الإعلام «التضامن معهم» لتوسيع الصلاحيات ورفع القيود وتوفير الإمكانيات، ومن ثم برزت الحاجة لتوحيد مسعى الطرفين لوضع الحوار في مستويات أعلى من أجل الانتقال بالجهوية المغربية إلى مراحل أكثر تقدما وتجاوز اختلالات الحاضر وتجليات القصور في القوانين والصلاحيات والممارسة والعقليات، وذلك للسير قدما ببلادنا نحو المزيد من الديموقراطية، وتعزيز البناء التنموي والمؤسساتي.
في كل الأحوال، يعود اليوم للفيدرالية المغربية لناشري الصحف فضل إثارة مثل هذه القضايا الوطنية الجوهرية في النقاش العمومي، ولأول مرة يجري هذا الحوار الجاد بين منتخبي الجهات والفاعلين الإعلاميين ببلادنا، ويفضي إلى قناعة مشتركة بضرورة مواصلة هذا الحوار المنتج وتعزيزه مستقبلا بما ينتج مخرجات وآليات عمل ملموسة، تؤدي إلى أن تمتلك بلادنا صحافة جهوية حقيقية ذات متانة مقاولاتية، وتمتلك المصداقية الأخلاقية والجودة المهنية، وأيضا الاستقلالية الضرورية والقدرة على المساهمة في خدمة بلادنا وشعبنا من موقعها المهني المسؤول.
لا شك أن الهيئات المنتخبة، وخصوصا مجالس الجهات والجمعية الممثلة لها، مطالبة، من جهتها، بتطوير أدائها وتفكيرها المتعلقين بالإعلام الجهوي وعلاقتها معه، وأيضا بمسؤوليتها تجاه هذا الميدان باعتباره قطاعا اقتصاديا ومقاولاتيا منتجا ومشغلا على صعيد الجهة، ويساهم في التأطير والمراقبة والمساءلة والتوعية والتنوير، ومتى توفرت هذه القناعة لدى المنتخبين، وتحققت الرغبة، يمكن تطوير التعاون مع الهيئات التمثيلية للمهنة، وتقوية جسور التعاون الجماعي للنجاح في مثل هذا الرهان المهم لبلادنا ولمستقبلنا الديموقراطي والتنموي.
الندوة التي رعتها الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بأگادير، وشهدت حضور رؤساء جهات، وألقيت خلالها تدخلات وكلمات من منتخبين وسياسيين وإعلاميين، فضلا عن سلطات حكومية، يمكن أن ترسم معالم خارطة طريق للمستقبل، وأن تنجم عن توصياتها برامج عملية في المستقبل القريب، وتكون بذلك مرحلة جديدة قد بدأت تتأسس في واقع الإعلام الجهوي، وفِي علاقته بمحيطه المؤسساتي والاقتصادي…
وللنجاح في كل هذا، لا بد من تجديد التأكيد على القضية المشار إليها أعلاه، وهي (الثقة)، علاوة على تغيير العقليات، بما يحفز على التخفيف من البيروقراطية الإدارية والثقل المسطري العقيم، والانطلاق، بالتالي، نحو تقوية جسور التواصل والحوار والبناء المشترك.
إلى العمل إذن…

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top