البداية من.. السياسة

يؤسس الخطاب الملكي الأخير لمعالم مرحلة جديدة يجب أن يلجها المغرب، ويدعو مختلف الأطراف المجتمعية والقوى الحية والهيئات السياسية وعموم المواطنات والمواطنين إلى الانخراط فيها، والتعبئة من أجل إنجاحها.
لقد ركز جلالة الملك على النموذج التنموي في صيغته الجديدة، وضرورة جعله قاعدة صلبة لانبثاق عقد اجتماعي جديد ينخرط فيه الجميع، وتوقف عند أهمية تطوير العالم القروي وضواحي المدن، كما أبرز موقع التكوين المهني كرافعة لتحقيق التقدم، وحث على توسيع وتعزيز القاعدة الاجتماعية التي تمثلها الطبقة الوسطى، ثم تحدث عن الجهوية، وعن اللاتمركز الإداري…، وجميع هذه المحاور التي شملها خطاب الملك في ذكرى ثورة الملك والشعب ترسم محددات المرحلة القادمة وما تواجهه بلادنا من تحديات تنموية واجتماعية.
الدرس هنا أن جلالة الملك استعرض معضلات مجتمعنا وانتظارات شعبنا بشأن ظروفه المعيشية وحياته، وعلى مستوى العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، ثم دعا إلى الإقلاع الشامل، أي استنفار كل الجهد الوطني بكامل المسؤولية لتحقيق الإصلاحات وإحداث التقدم ضمن مقاربة تشاركية وإدماجية تراعي الخصوصيات الوطنية وتعتمد على الكفاءات الوطنية.
ليس الوقت هنا لـ “التشيار” والرمي العشوائي بالمسؤوليات، والسعي لإيهام الناس بشخصنة بليدة وقاصرة للإخفاقات، ولكن المسؤولية تحتم مساءلة الاختيارات والمقاربات والأساليب والسلوكات، وألا يتم إعادة ذات الأخطاء التي قادت بلادنا إلى ما تعانيه اليوم من نتائج في التعليم والصحة والتشغيل والإدارة وغيرها.
المشكلة إذن ليست معادلات حسابية خطية بين التشخيص والنتيجة تقوم على مسؤوليات فردية سطحية، ولكنها تتعلق باختيارات وصلت اليوم إلى الحائط و… فشلت، ولهذا يجب تغيير الطريق.
إن ما دعا إليه خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب يعتبر نفسا جديدا وشاملا يجب ضخه في البناء المجتمعي العام للبلاد، ويبدأ ذلك من النفس السياسي الواجب اليوم ضخه على مستوى المؤسسات والعلاقات، وفي كامل المنظومة الديمقراطية العامة.
لقد قطع المغرب أشواطا مهمة في ديناميته الديمقراطية طيلة عقود، ويستحيل النجاح في أي بناء تنموي ما لم يكن ضمن رؤية سياسية مؤطرة تنتصر لدولة المؤسسات، وتلتزم بكل الأسس الديمقراطية المتعارف عليها كونيا، أما الركوب اليوم من لدن أطراف ريعية سياسية وإعلامية على تحديات المرحلة للتبشير بزمن تيقنوقراطي يستطيع حل كل المشكلات، فهذا اجترار وإعادة إنتاج لنفس أزمات الماضي.
التدبير السياسي لشؤون البلاد يقتضي قوى سياسية تمتلك النزاهة والجدية والتاريخ والمصداقية، وأن تتوفر لها الرؤية الشاملة الواضحة والحرص على مقومات التقدم والانفتاح لبلادنا.
الطريق لتحقيق كل ما دعا إليه جلالة الملك يبدأ إذن من السياسة، ويعتمد على نفس سياسي وديمقراطي جديد يجب ضخه في البلاد، وأن تستعيد السياسة النبل الضروري لها ولمنظومتها العامة.

Related posts

Top