البديل العربي الإفريقي”.. حلم لم يُكتَب له أن يتحقق!!

ليس من قبيل الصُّدَف التاريخية.. ولا الجغرافية.. أن تكون الخريطة الأمازيغية والعربية.. في عمومها.. بما فيها مساحات آسيا الصغرى وشبه الجزيرة العربية.. والشَّمال الإفريقي.. مُتاخِمةً ومُلاصِقةً لخريطة إفريقيا السمراء…

وليس من قبيل الاعتباط أن يكون الأمازيغ والعرب على نفس الوتيرة من الأنفة وعزّة النفس.. وبنفس خصال المروءة والشجاعة.. والحمية والاندفاع.. والصدق في المشاعر.. وفي القول والعمل.. التي تتميز بها الشخصية الإفريقية.. هي الأخرى.. على امتداد التاريخ…

وليس من قَبيل عَبَثِ القدَرِ.. والقدَرُ لا يعبث إطلاقاً.. أن يعاني الأمازيغ والعرب والأفارقة الأحرار.. بنفس الدرجة من الوجع.. من عَنَتِ أجناس الشمال والغرب تحت مسميات كثيرة من بينها التبشير.. وتحسين ظروف العيش.. والتطوير… لم تكن في حقيقتها المظلمة سوى غطاءٍ فاضحٍ للعقلية الاستعمارية.. التي عافها التاريخ.. واستنكرها الضميرُ الإنساني.. قبل أن ترفضها العقول والأقلام المتنوّرة في كل بقاع الأرض…

وأخيراً.. وليس آخراً.. لم تكن مجرّدَ ضربةِ حظٍّ عشواء.. أن يُكتَب على الأمازيغ والعرب والأفارقة أن يكونوا في الهمّ سواءً.. وأن تأخذهم سيرورة الزمن.. وصيرورة الحال.. إلى مصير مشترك.. ليس له سوى عنوانٍ واحدٍ.. منفردٍ.. هو “التعاون والتكامل من أجل الانبعاث من جديد”.. كما يفعل “طائر الفنيق”.. أو “العنقاء”.. في ميثولوجيا البِيض.. روماناً وإغريقاً.. لأن الأصل في هذه الأجناس الثلاثة العريقة.. أمازيغاً وعرباً وأفارقةً سُوداً.. هو الحرية بكل معانيها.. والشموخ بكل دلالاته وتجلّياته…

في هذا السياق المفاهيمي.. وفي هذا المَشهَد التاريخي والجغرافي في آن واحد.. وُلِدَ ووُئِدَ حلمٌ في غاية الجمال.  يحمل اسم “البديل العربي الإفريقي”..

فما قصّة هذا الوافد الجديد.. والغريب؟!

في واقع الأمر لم يكن هذا المولود غريباً.. فالساحتان الأمازيغية/العربية.. والإفريقية.. كانتا تحت وطأة تقليعة غريبة كان قد ابتدعها العقيد معمر القذافي.. في أوج شطحاته.. اقتضت منه أن يبذّر أموال الغاز والنفط الليبيَيْن يميناً ويساراً ليشتري بذلك ذِمَمَ بعض رؤساء الكارتون الأفارقة.. الغارقة دولهم في أقاصي درجات الفاقة والعوَز.. ليكتسب لديهم لقب “ملك ملوك إفريقيا”.. وهو اللقب الذي أطلقه على ذاته المنتفخة.. فجاراه في ذلك عدد لا يستهان به من أولئك الرؤساء “الكارتونيين”.. المتهافتين على موائده!!!

في تلك الآونة بالذات.. كان على الأمازيغ والعرب والأفارقة الأحرار، بحكم جوارهم مع “مشروع القذافي المضحك”، واشتراكهم معه جغرافياً في نفس الخريطة التي رسمنا قسماتها أعلاه.. أن يتحركوا بشكل أو بآخر في اتجاهين متوازيين ولكنهما متكاملين:

الاتجاه الأول:

نحو التبرُّؤ من بِدَعِ الرئيس الليبي.. الذي بدأت تظهر عليه أعراض “جنون العظمة”.. في زمن لم يعد فيه للعظمة أي مغزى.. بعد أن طحن مشروع “النظام العالمي الجديد” أغلب عظماء الأرض.. وحوّل معظمهم إلى كومبارس!!!

التوجه الثاني:

صوب وضع أسس “تعاون أمازيغي عربي إفريقي” قائم على معادلة “رابح /رابح”.. التي أبدع جلالة الملك محمد السادس، خلال السنوات العشرين الأخيرة، أيَّما إبداع، في تكريسها عمليا في علاقاتنا الخارجية.. الثنائية.. والدولية.. وخاصةً الإفريقية.. حتى صار مؤسِّساً فعلياً لتلك المعادلة على الصعيدين العربي والإفريقي.. بل وعلى مستوى العالمَيْن الثالث والثاني…

في هذه الأجواء المتحركة والمتقلبة، تفتقت المَلَكات الذهنية لشاب مغربي وصديق حميم.. أمازيغي المحتد.. مُرهَف الحِس.. يتمتع بقلب فنان مبدع.. يحمل من الأسماء “حسن الأمجد”.. عن فكرة إنشاء مجلة تبدأ بوتيرة “شهرية”.. ثم تنتقل تدريجياً إلى “أسبوعية”.. تحت مسمى “البديل العربي الإفريقي”.. على أساس أن يكون هدفها الرئيسي بلا منازع: فتح كل القنوات الإعلامية المتاحة، ومد كل جسور الاتصال والتواصل الممكنة.. اقتصاديا واجتماعيا ثقافيا وإنسانيا… لدعم “تقارب أمازيغي عربي إفريقي”.. يسير باتجاه بعيد كل البعد عن فذلكات الرئيس معمّر السياسية والمجنونة وغير المعقولة.. ويقدّم كقيمة مضافة.. صلةَ وصل “إعلامية/ثقافية” للأمازيغ والعرب والأفارقة الراغبين في ركوب قطار “رابح/رابح”، بدون خلفيات سياسية أو أيديولوجية يمكن أن تفسد للود قضيته بين هذه المكونات الإثنية الثلاثية العريقة والضاربة جذورُها في تربة التاريخ الإنساني…

أذكر أن هذا المخاض الذي كان مُفترَضاً أن يُسفر عن ميلاد المجلة، كان متزامنا مع الاجتماعات التأسيسة الماراثونية للحزب الليبرالي المغربي، التي كان الأستاذ محمد زيان يعقدها لذاك الغرض، ويجمع لها من هنا وهناك، في أمسيات رمضانية على ما أذكر، ثلةً من خيرة المحامين والإعلاميين والأساتذة الجامعيين.. ومن بعض رجال الأعمال المتحمسين للوافد السياسي الجديد..

كنا نَحضُر بين الحين والآخر بعضَ تلك الاجتماعات التأسيسية بسبب صداقة كانت تجمعنا بالأستاذ زيان، في تلك الفترة. وكنا نتذاكر بين الحين والآخر مع بعض الأساتذة الجامعيين والمحامين والمقاولين الحاضرين حول آفاق العمل الإعلامي الذي يمكن أن تضطلع به المجلة، فكان الاستحسان والتشجيع يَرِدَان علينا من كل صوب وحدَب.. فيزيدنا ذلك إصراراً على تحقيق ذلك “المشروع/الحلم”…

وبالفعل.. وبتاريخ 16 يونيو2001، وتحت العدد 1/16، استصدرتُ الإشهاد القانوني للمجلة باسمي المتواضع، ربما باعتباري خِرِّيجاً جامعياً في مجال “الصحافة والإعلام والعلاقات العامة”؛ بينما كان صديقي حسن مستأثراً في إدارة المشروع بمنصب “مدير التحرير”.

وللتذكير فحسب.. وإن كان هذا الموضوع ذا خصوصية دقيقة، كان تمويل ذلك الإصدار مُتَقاسَماً بين صديقي حسن وأحدِ معارفه من رجال الأعمال الأكابر الذين فضّلوا عدم ذكر أسمائهم وهُوِياتهم.. ربما لارتباطاتهم السياسية.. والذين استجابوا للدعوة إلى الدعم المالي بعد اقتناعهم بسموّ الفكرة وبالمستقبل الزاهر الذي كان ينتظر إصداراً من تلك الطينة…

وكما هو معمول به في الإِعداد لمثل هذه المشاريع الإعلامية، ذات الأفق الوطني، الأمازيغي العربي والإفريقي، أمكننا وضع تصوّر واضح لتبويب المجلة وللتقسيم الموضوعي لصفحاتها، وكذا لثوابتها التقنية الاعتيادية، من بريد واشتراك وغيرهما.. وكل ذلك بعد وضع تصميم دقيق لخطها التحريري.. الذي كان من بين أبرز سماته:

1 النأي عن السياسة وحساسياتها.. لأن فيها الكثير مما يفرّق ويشتّت.. وطنياً ومغاربياً وقومياً وإفريقياً؛

2 التركيز فحسب على جوانب الاقتصاد والمال والتبادل التجاري والسياحة العلمية والثقافية، وعلى جانب التعاون في حقل الخدمات الاجتماعية، في النقل والطب والصيدلة؛

3 الاهتمام بمجال تبادل المعارف والخبرات والكفاءات والمِلْكِيات الفكرية وفي التعليم والتكوين المهني والتأهيل الحرفي، وفي ميادين الثقافة والفن والرياضة..

باختصار، العمل في كل ما من شأنه أن يجمع ويوحّد ويلملم الشتات، أمازيغياً وعربياً وإفريقياً، بكل هذه الحمولة الجغرافية الوازنة..

وهكذا، كنا نرى المجلة قبل ميلادها مؤهَّلةً لإقامة ودعم وتكريس المتابعة الإعلامية الفاعلة والمؤثِّرة لتعاون لصيق وعميق في كل هذه المجالات بلا استثناء بين المكوِّنات الإثنية الثلاثة المذكورة…

كنت أعلم أن المشروع يبدو ضخماً وفخماً من بداياته وعناوينه وتطلّعاته. وكذلك كان تخمين صديقي وشريكي في المشروع حسن الأمجد، الذي أسرّ إليّ ذاتَ أمسيةٍ ساهرةٍ أن خوفاً من المجهول ينتابه بين الحين والآخر، لأن الحياة علمته، وكذلك علمتني، أنه دائما وكلما كان مشروع من المشاريع جميلا ومفيدا وواعدا بالثمرات والخيرات، كلما حامت حوله عيون الناكدين حتى قبل ولادته.. وكلما بدأت معاول الهدم تتحيّن الفُرَصَ للنيل منه أو من أصحابه.. قبل أن يرى النور.. وكذلك كان بالفعل!!!

ففي صبيحة يوم قريب من يوم عيد الفطر من السنة ذاتها (2001)، وكان المشروع قد استكمل أغلب شروط تحقّقه، وعلى وشك الانطلاق، فاجأنا المموّل الثاني، أنا وصديقي مدير التحرير،  بالقول بلا مقدمات وبلا أدنى إشعار: إنه ينسحب من المشروع.. وبدا عليه كما لو كان مدفوعا لاتخاذ ذاك القرار الصادم. واكتفى بأن يتمنى لنا العثور على مموّل جديد. وبدا ذلك في حينه كما لو كان دعوة مبطَّنة إلى ممارسة التسوّل الفاضح من أجل استكمال تمويل التكريس الفعلي والواقعي لذلك الحلم الذي أصبح منفلِتا على حين بغتة!!!

وكما كنتُ أتوقع تحت تأثير المفاجأة، وجدتُني وصديقي حسن في غاية الانبهار من شدة الصدمة وقوّة الصعقة.. إلى درجة جعلتنا معاً نسرع في إجراءات أشبه ما تكون بعملية “إعادة تمثيل” لتصفية افتراضية لتركة لم تكن بَعدُ قد استكملت كافة شروط التأسيس…

وبأقصى سرعة، قدمت له تنازلي عن المشروع برمته ثم أتْبَعتُ ذلك، وفي الحين، بتحرير رسالة عاجلة إلى النيابة العامة أعلن فيها عن التجميد الطوعي للإشهاد القانوني الصادر باسمي.. وبدا لي كما لو كنت أقوم بعملية “الآراكيري” الانتحارية التي كان الساموراي الياباني يشق فيها بطنه اختياريا بمدية “الواكيزاشي” الأحدّ من موسى الحلاقة،عندما تصيبه هزيمة من الهزائم تقصم ظهره، أو يَلحقُ به فشلٌ ذريع في خطوة من الخطوات الفاصلة في حياته أو حياة أسرته يقوّض كل آماله واحلامه!!!

والحق أقول، إنني لم أكن أقل خيبة وحسرة من صديقي الذي كان مديراً للتحرير مع وقف التنفيذ، وكنت أَقْدُرُ موقفه تجاهي انا المدير الناشر مع وقف التنفيذ…

ولذلك افترقنا لبعض الوقت، بكل أريحية، لنلملم شتات الفكر والروح، بعد أن تحوّل الحلم الجميل المشترك، بين يوم وليلة، إلى مجرد ذكرى نقصّها على الأصدقاء والأحباب عبر هذا الشتات من الكلمات، وكان الإعداد له قد استغرق أكثر من سنة، بقدّها وقديدها…… دُنيا!!!

بقلم: عبد الحميد اليوسفي

 باحث وشاعر

Related posts

Top